موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ اللَّامُبالاةِ


1- لا مُبالاةُ المرءِ بتعَلُّمِ مبادِئِ دينِه طَوالَ عُمُرِه؛ كمعرفةِ الطَّهارةِ، أو شُروطِ الصَّلاةِ وأركانِها ومبطلاتِها، ومعرفةِ بعضِ مُفرداتِ القرآنِ الكريمِ ولو في قِصارِ السُّوَرِ التي يسمَعُها كثيرًا، ونحوِ ذلك من الأمورِ التي تنفَعُ المُسلِمَ في دُنياه وآخِرتِه؛ فينبغي عليه أن يحرِصَ على تعلُّمِها.
عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((احرِصْ على ما ينفَعُك، واستَعِنْ باللهِ ولا تَعجِزْ)) [6351] أخرجه مسلم (2664). .
2-لا مُبالاةُ المرءِ بكيفيَّةِ جمعِه للمالِ ولا بأداءِ حَقِّ اللهِ فيه، وقد حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من ذلك.
 عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإنَّ هذا المالَ حُلوةٌ، مَن أخذَه بحَقِّه، ووضَعَه في حَقِّه، فنِعمَ المعونةُ هو، ومن أخَذه بغيرِ حَقِّه كان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ)) [6352] أخرجه البخاري (6427) واللفظ له، ومسلم (1052). .
قال العَينيُّ: (أي: وإنَّ المالَ من يأخُذُه بغيرِ حَقِّه، بأنْ جمعَه من الحرامِ، أو من غيرِ احتياجٍ إليه، ولم يُخرِجْ منه حَقَّه الواجِبَ فيه؛ فهو كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ) [6353] ((عمدة القاري)) (9/ 40-41). .
وقال القاريُّ: (ومن أخذَه بغيرِ حَقِّه، أي: من غيرِ احتياجٍ إليه، وجمَعه من حرامٍ ولم يَصرِفْه في مرضاةِ ربِّه) [6354] ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3232). .
وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ [6355] أجمِلوا في الطَّلَبِ، أي: اكتَسِبوا المالَ بوَجهٍ جميلٍ، وهو ألَّا تَطلُبوه إلَّا بالوجهِ الشَّرعيِّ. يُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3337). ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رِزْقَها)) [6356] أخرجه من طرُقٍ: ابن ماجه (2144) واللفظ له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (556)، وابن حبان (3239) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2135)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2144). .
3-لا مبالاتُه باستثمارِ نِعمَتَيِ الصِّحَّةِ والفراغِ، وهما من أجَلِّ النِّعَمِ، وتضييعُهما بغيرِ استفادةٍ ولا منفعةٍ. 
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ)) [6357] أخرجه البخاري (6412). ؛ فـ (الدُّنيا مزرعةُ الآخرةِ وفيها التِّجارةُ التي يظهَرُ ربحُها في الآخرةِ؛ فمن استَعمَلَ فراغَه وصِحَّتَه في طاعةِ اللهِ فهو المغبوطُ، ومن استعمَلَهما في معصيةِ اللهِ فهو المغبونُ؛ لأنَّ الفراغَ يَعقُبُه الشُّغلُ، والصِّحَّةَ يَعقُبُها السَّقَمُ) [6358] ((فتح الباري)) (11/ 230). .
4- اللَّامُبالاةُ بما يقعُ للمُسلِمين في أماكِنَ مُتفَرِّقةٍ من العالَمِ من اضطِهادٍ وأذًى، وهذا خلافُ ما ينبغي أن يكونَ عليه المُسلِمُ تجاهَ أخيه.
 عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ المُؤمِنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثَلُ الجسَدِ؛ إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)) [6359] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له. .
5- عدَمُ المُبالاةِ بالآخَرينَ ولا تطييبِ خاطِرِهم عِندَ الحاجةِ لذلك، وتأمَّلْ حالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع الأنصارِ لَمَّا قَدِم غيرُهم عليهم في العطاءِ لحِكمةٍ رآها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف حرَص على جمعِهم، وكيف أرضاهم وطيَّب خواطِرَهم؟
 عن ابنِ شِهابٍ: ((أخبرني أنَسُ بنُ مالكٍ أنَّ أناسًا من الأنصارِ قالوا يومَ حُنَينٍ حينَ أفاء اللهُ على رسولِه من أموالِ هوازِنَ ما أفاء، فطَفِق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطي رجالًا من قريشٍ المئةَ من الإبِلِ، فقالوا: يغفِرُ اللهُ لرسولِ اللهِ؛ يُعطي قريشًا ويتركُنا وسيُوفُنا تقطُرُ من دمائِهم! قال أنسُ بنُ مالكٍ: فحُدِّث ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من قولِهم، فأرسل إلى الأنصارِ فجمعَهم في قُبَّةٍ من أدَمٍ، فلمَّا اجتَمَعوا جاءهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ما حديثٌ بلغَني عنكم؟! فقال له فُقَهاءُ الأنصارِ: أمَّا ذوو رأيِنا -يا رسولَ اللهِ- فلم يقولوا شيئًا، وأمَّا أناسٌ منَّا حديثةٌ أسنانُهم قالوا: يغفِرُ اللهُ لرسولِه؛ يُعطي قريشًا ويتركُنا وسيُوفُنا تقطُرُ من دمائِهم! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنِّي أعطي رِجالًا حديثي عَهدٍ بكُفرٍ أتأَلَّفُهم، أفلا تَرْضَون أن يذهَبَ النَّاسُ بالأموالِ، وترجِعون إلى رِحالِكم برسولِ اللهِ؟ فواللهِ لَمَا تنقَلِبون به خيرٌ ممَّا ينقَلِبون به! فقالوا: بلى، يا رسولَ اللهِ، قد رَضِينا)) [6360] أخرجه البخاري (3147)، ومسلم (1059) واللفظ له. .
6- اللَّامُبالاةُ بإجلالِ الوالِدَينِ واحترامِهما والتَّأدُّبِ في حضرتِهما، وقد أمَر اللهُ سُبحانَه ببِرِّهما والإحسانِ إليهما، فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23 - 24] .
قال القُشَيريُّ: (اخفِضْ لهما جناحَ الذُّلِّ بحُسنِ المُداراةِ ولِينِ المنطِقِ، والبِدارِ إلى الخِدمةِ، وسُرعةِ الإجابةِ، وتَركِ التبَرُّمِ بمطالِبِهما، والصَّبرِ على أمرِهما، وألَّا تدَّخِرَ عنهما ميسورًا) [6361] ((لطائف الإشارات)) (2/344). .
7- عدمُ المُبالاةِ بالأعمالِ الصَّالحةِ، فيُسَوِّفُ ويؤجِّلُ ولا يبادِرُ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بادِروا بالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، أو يُمسي مُؤمِنًا ويُصبِحُ كافِرًا، يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدُّنيا)) [6362] أخرجه البخاري (118). .
8- عدَمُ المُبالاةِ بالتَّحدُّثِ بكُلِّ ما يسمَعُ، فتطيرُ الأخبارُ ويتناقَلُها النَّاسُ دونَ تثبُّتٍ، خُصوصًا في هذا العَصرِ الذي تيسَّر فيه نقلُ الأخبارِ حتَّى إنَّها لتَصِلُ إلى شتَّى بقاعِ الأرضِ في لحَظاتٍ.
 عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (بحَسْبِ امرئٍ من الكَذِبِ أن يحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِع) [6363] رواه من طُرُقٍ: البخاري في ((الأدب المفرد)) (884)، ومسلم في ((مقدمة الصحيح)) (5) واللفظ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (679)، وصحَّح إسنادَه ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (2/626). .
قال المُناويُّ: (أي: لو لم يكُنْ للرَّجُلِ كَذِبٌ إلَّا تحدُّثُه بكُلِّ ما سَمِع من غيرِ مُبالاةٍ أنَّه صادِقٌ أو كاذِبٌ، لكفاه من جهةِ الكَذِبِ؛ لأنَّ كُلَّ ما يسمَعُه ليس بصِدقٍ) [6364] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (2/208). .
9- عدَمُ المُبالاةِ بشهادةِ الزُّورِ والقَسَمِ الكاذِبِ، مع ما فيهما من الإثمِ العظيمِ والوعيدِ الشَّديدِ.
عن ابنِ عُمَرَ قال: ((خطَبَنا عُمَرُ بالجابيةِ فقال: يا أيُّها النَّاسُ إنِّي قُمتُ فيكُم كمَقامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فينا، فقال: أوصيكُم بأصحابي ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهم، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم، ثُمَّ يَفَشُو الكَذِبُ حتَّى يَحلِفَ الرَّجُلُ ولا يُستَحلَفُ، ويَشهدُ الشَّاهِدُ ولا يُستَشهدُ)) [6365] أخرجه الترمذي (2165) واللفظ له، وأحمد (114). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7254)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/26)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2165)، والوادعي بمجموع طرقه في ((أحاديث معلة)) (323). .
قال السِّنديُّ: (وما يُستشهَدُ، قيل: هو كنايةٌ عن شهادةِ الزُّورِ، أي: أنَّ النَّاسَ ما يَطلُبون منه الشَّهادةَ؛ لعِلْمِهم أنَّه ليس بشاهِدٍ، وقيل: هو الذي انتَصَب شاهِدًا وليس هو من أهلِ الشَّهادةِ، وما استُحلِفَ أي: ما عنده مُبالاةٌ بالحَلِفِ) [6366] ((حاشية السندي على ابن ماجه)) (2/64). .
10- عدَمُ المُبالاةِ بقَطعِ رَحِمه رَغْمَ ما توعَّد اللهُ سُبحانَه قاطِعَ الرَّحِمِ؛ عن عائشةَ قالت: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الرَّحِمُ مُعَلَّقةٌ بالعَرشِ تقولُ: مَن وصَلَني وصَلَه اللهُ، ومَن قطَعَني قطَعَه اللهُ)) [6367] أخرجه البخاري (5989) بنحوه، ومسلم (2555) واللفظ له. .
11- اللَّامُبالاةُ بتربيةِ الأولادِ وتنشئتِهم تنشئةً صالحةً، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6] ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ))كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه)) [6368] أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). .
12- اللَّامُبالاةُ بالأعداءِ واستصغارُ أمرِهم وعَدَمُ الإعدادِ لهم، وقد قيل: (إذا كان عدوُّك نَمْلة، فلا تَنَمْ له)، وقد (خرَجَت خارجةٌ بخُراسانَ على قُتَيبةَ بنِ مُسلِمٍ فأهمَّه ذلك، فقيل له: ما يُهِمُّك منهم؟ وجِّهْ إليهم وكيعَ بنَ أبي سودٍ؛ فإنَّه يكفيكَهم. فقال: لا، إنَّ وكيعًا رجلٌ به كِبرٌ يحتَقِرُ أعداءَه، ومَن كان هكذا قَلَّت مُبالاتُه بعَدُوِّه فلم يحتَرِسْ منه، فيَجِدُ عَدُوُّه منه غِرَّةً) [6369] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 191). .

انظر أيضا: