1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خان)) [6069] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59) واللفظ له. . المقصودُ من الحديثِ: أنَّ هذه الخِصالَ خِصالُ نِفاقٍ، وصاحِبُها شبيهٌ بالمُنافِقين في هذه الخِصالِ، ومتخَلِّقٌ بأخلاقِهم، لا أنَّه مُنافِقٌ نِفاقًا أكبَرَ يُظهِرُ الإسلامَ وهو يُبطِنُ الكُفرَ، بل هو نفاقٌ أصغَرُ عَمَليٌّ، وذَكَر من هذه الخِصالِ: أن يحَدِّثَ بحديثٍ لمن يصَدِّقُه به وهو كاذِبٌ له [6070] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 94)، ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (2/ 46)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 481)، ((فيض الباري على صحيح البخاري)) لمحمد أنور شاه (1/ 199). ، وفي هذا تنفيرٌ وتحذيرٌ من الوقوعِ في الكَذِبِ.
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وإنَّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفُجورَ يهدي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ حتَّى يُكتَبَ كذَّابًا)) [6071] أخرجه البخاري (6094) ومسلم (2607/103). .
وفي روايةٍ: ((وما يزالُ الرَّجُلُ يكذِبُ ويتحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا)) [6072] ((صحيح مسلم)) (2607/105). .
فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبر أنَّ الكَذِبَ يوصِلُ إلى الفُجورِ، وهو الميلُ عن الاستقامةِ، وقيل: الانبعاثُ في المعاصي، وهذا فيه التَّحذيرُ من الكَذِبِ والتَّساهُلِ فيه؛ فإنَّه إذا تساهل فيه كَثُر منه فعُرِف به وكتبَه اللهُ لمبالغتِه كذَّابًا إن اعتاده، ومعنى يُكتَبُ هنا: يُحكَمُ له بذلك، ويستحِقُّ الوصفَ بصفةِ الكذَّابين وعقابَهم، والمرادُ إظهارُ ذلك للمخلوقين إمَّا بأن يكتُبَه في ذلك ليشتَهِرَ بحَظِّه من هذه الصِّفةِ في الملأِ الأعلى، وإمَّا بأن يُلقيَ ذلك في قلوبِ النَّاسِ وألسنَتِهم كما يوضَعُ له البغضاءُ، وإلَّا فقَدَرُ اللهِ تعالى وكتابُه السَّابِقُ قد سبَق بكُلِّ ذلك. واللهُ أعلمُ [6073] يُنظَر: ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (16/ 160). .
3- عن سَمُرةَ بنِ جُندَبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رأيتُ رجُلَين أتياني قالا: الذي رأيتَه يُشَقُّ شِدقُه، فكذَّابٌ يَكذِبُ بالكَذبةِ تُحمَلُ عنه حتى تبلُغَ الآفاقَ، فيُصنَعُ به إلى يومِ القيامةِ)) [6074] أخرجه البخاري (6096). .
قولُه: ((يُشَقُّ شِدقُه)): أي: يُقطَعُ طَرَفُ فمِه إلى قفاه، قولُه: ((فكذَّابٌ))، أي: فهو كثيرُ الكَذِبِ ((يحَدِّثُ بالكَذبةِ فتُحمَلُ عنه)): أي: فتُروى وتُنقَل تلك الكَذْبةُ عنه ((حتَّى تبلُغَ الآفاقَ)) أي: حتى تُنشَرَ في أطرافِ الأرضِ [6075] ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (7/ 2927). . وإنَّما استحقَّ التَّعذيبَ لِما ينشأُ عن تلك الكَذبةِ من المفاسِدِ، وهو فيها مختارٌ غيرُ مُكرَهٍ ولا مُلجَأٍ [6076] ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 445). .
3- وعن ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من حلَف بمِلَّةٍ غيرِ الإسلامِ كاذِبًا متعَمِّدًا فهو كما قال)) [6077] أخرجه البخاري (1363) واللفظ له، ومسلم (110). .
(ومعنى الحديثِ النَّهيُ عن الحَلِفِ بما حَلَف به من ذلك، والزَّجرُ عنه، وتقديرُ الكلامِ: من حلَف بملَّةٍ غيرِ الإسلامِ كاذِبًا متعَمِّدًا، فهو كما قال، يعنى فهو كاذبٌ حقًّا؛ لأنَّه حين حلَف بذلك ظنَّ أنَّ إثمَ الكَذِبِ واسمَه ساقطان عنه؛ لاعتقادِه أنَّه لا حُرمةَ لِما حلَف به، لكن لَمَّا تعمَّد تَرْكَ الصِّدقِ في يمينِه، وعدَل عن الحقِّ في ذلك، لَزِمه اسمُ الكَذِبِ، وإثمُ الحَلِفِ، فهو كاذبٌ كَذْبتينِ: كاذِبٌ بإظهارِ تعظيمِ ما يعتَقِدُ خلافَه، وكاذِبٌ بنفيِه ما يَعلَمُ إثباتَه، أو بإثباتِ ما يَعلَمُ نَفيَه. فإن ظَنَّ ظانٌّ أنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على إباحةِ الحَلِفِ بملَّةٍ غيرِ الإسلامِ صادِقًا، لاشتراطِه في الحديثِ أن يحلِفَ به كاذبًا، قيل له: ليس كما توهَّمتَ؛ لورودِ نهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الحَلِفِ بغيرِ اللهِ نهيًا مُطلَقًا [6078] يُنظَرُ ما أخرجه أبو داود (3251) والترمذي (1535)، من حديثِ ابن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. وما أخرجه البخاري (6108)، ومسلم (1646) من حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، فاستوى في ذلك الكاذِبُ والصَّادِقُ، وفي النَّهيِ عنه) [6079] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/350). .
4- وعن أبي محمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((حَفِظتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنينةٌ، وإنَّ الكَذِبَ رِيبةٌ)) [6080] أخرجه الترمذي (2518)، وأحمد (1723) واللفظ لهما، والنسائي (5711) مختصرًا. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (722)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/42). . قال ابنُ رجبٍ: (يشيرُ إلى أنَّه لا ينبغي الاعتمادُ على قولِ كُلِّ قائلٍ، كما قال في حديثِ وابصةَ: "وإنْ أفتاك النَّاس وأفتَوك" [6081] أخرجه أحمد (18001)، والدارمي (2533)، وأبو يعلى (1586) مطولًا من حديثِ وابصةَ رَضِيَ اللهُ عنه. حسَّنه النووي في ((الأذكار)) (504)، والشوكاني في ((إرشاد الفحول)) (2/284)، وحسَّنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1734)، وحسَّن إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/23). ، وإنما يعتَمَدُ على قولِ من يقولُ الصِّدقَ، وعلامةُ الصِّدقِ أنَّه تطمَئِنُّ به القلوبُ، وعلامةُ الكَذِبِ أنَّه تحصُلُ به الرِّيبةُ، فلا تسكُنُ القلوبُ إليه، بل تنفِرُ منه.
ومن هنا كان العُقلاءُ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سمِعوا كلامَه وما يدعو إليه عرَفوا أنَّه صادِقٌ، وأنَّه جاء بالحَقِّ، وإذا سَمِعوا كلامَ مُسيلِمةَ عرَفوا أنَّه كاذِبٌ، وأنَّه جاء بالباطِلِ) [6082] يُنظَر: ((جامع العلوم والحكم)) (ص: 285). .
5- عن أبي ذرٍّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ. قال: فقرأها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ مرارٍ، قال أبو ذرٍّ: خابوا وخَسِروا! من هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: المُسبِلُ، والمنَّانُ، والمُنَفِّقُ سِلعتَه بالحَلِفِ الكاذِبِ)) [6083] أخرجه مسلم (106). .
قولُه: ((والمُنَفِّقُ سِلعتَه بالحَلِفِ الكاذِبِ)) أي: الذي يرَوِّجُ متاعَه بالحَلِفِ الكاذِبِ، مثلُ أن يقولَ البائِعُ للمُشتري: اشتريتُ هذا بمئةِ دينارٍ واللهِ، ولم يشتَرِها بمئةٍ، بل بأقَلَّ من مئةٍ [6084] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (3/ 404). .
6- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثلاثةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ... وفيه: ورجلٌ أقام سِلعتَه بعد العَصرِ فقال: واللهِ الذي لا إلهَ غيرُه لقد أُعطيتُ بها كذا وكذا، فصَدَّقه رجلٌ، ثمَّ قرأ هذه الآيةَ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران: 77] )) [6085] أخرجه البخاري (2358). .
7- وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((جاءَ أعرابِيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللَّهِ، ما الكَبائِرُ؟ قالَ: الإشراكُ باللَّهِ. قلَ: ثُمَّ ماذا؟ قال: ثُمَّ عُقوقُ الوالِدَينِ. قال: ثُمَّ ماذا؟ قال: اليَمينُ الغَموسُ. قُلتُ: وما اليَمينُ الغَموسُ؟ قال: الذي يَقتَطِعُ مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ هو فيها كاذِبٌ)) [6086] أخرجه البخاري (6920). .