موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- البَشاشةُ عندَ السَّلفِ والعُلَماءِ المُتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ


قيل: (حُسنُ البِشرِ اكتِسابُ الذِّكرِ) [1341] ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/ 340). ، ولقد صدقَت هذه المقولةُ؛ فهناك الكثيرونَ مِن عُلَماءِ وأعلامِ الأمَّةِ قد ماتوا ورحَلوا عن الدُّنيا، ولكن بقِي ذِكرُهم بهذه الصِّفةِ خالِدًا، فتجِدُ في ترجمةِ أحدِهم: كان (بَشوشًا)، كان (طَلْقَ الوَجهِ)، كانت (البَشاشةُ لا تُفارِقُ مُحيَّاه)، إلى غَيرِ ذلك مِن العِباراتِ، ونذكُرُ بعضَ النَّماذِجِ لهؤلاء الأعلامِ:
بَشاشةُ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ:
عن أبي جَعفَرٍ قال: (كان أحمَدُ مِن أحيَى النَّاسِ وأكرَمِهم، وأحسَنِهم عِشرةً وأدبًا، كثيرَ الإطراقِ، لا يُسمَعُ منه إلَّا المُذاكَرةُ للحديثِ وذِكرُ الصَّالِحينَ في وَقارٍ وسُكونٍ، ولفظٍ حَسنٍ، وإذا لقِيه إنسانٌ بشَّ به وأقبَل عليه، وكان يتواضَعُ للشُّيوخِ شديدًا، وكانوا يُعظِّمونَه) [1342] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/318). .
ابنُ قُدامةَ المقدسيُّ:
كان ابنُ قدامةَ المقدسيُّ لا يناظِرُ أحدًا إلَّا وهو يتبسَّمُ، حتَّى قال بعضُ النَّاسِ: هذا الشيخُ يقتُلُ خصمَه بتبسُّمِه [1343] ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (3/ 288). !
إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مُحمَّدِ بنِ قُدامةَ المَقدِسيُّ الجماعيليُّ:
كان موصوفًا بالسَّخاءِ والكَرمِ والمُروءةِ والإحسانِ الكثيرِ إلى الفُقَراءِ، وإيثارِهم، وقضاءِ حوائِجِهم، والتَّواضُعِ لهم، وطَلاقةِ الوَجهِ والبَشاشةِ، والوَرعِ والخوفِ والعِبادةِ، والأخلاقِ الجميلةِ، ونَحوِ ذلك [1344] يُنظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (49/219). .
شهابُ الدِّينِ يحيى بنُ إسماعيلَ بنِ مُحمَّدٍ القَيسرانيُّ:
كان يتودَّدُ للصَّالِحينَ، ويُكثِرُ الصَّومَ والعِبادةَ، ويصبِرُ على الأذى، ولا يُعامِلُ صديقَه وعَدوَّه إلَّا بالخيرِ وطَلاقةِ الوَجهِ [1345] يُنظر: ((شذرات الذهب)) لابن العِماد الحنبلي (6/175). .
إسحاقُ بنُ يحيى بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ:
كان طيِّبَ الأخلاقِ، ويتطلَّبُ البَشاشةَ، سَهلَ القِيادِ، مُتَّسمًا بالعدالةِ [1346] يُنظر: ((أعيان العصر وأعوان النصر)) للصفدي (1/137). .
الأميرُ الفقيهُ سيفُ الدِّينِ بَكْتُمرُ بنُ عبدِ اللهِ السَّعديُّ:
كان فاضِلًا ديِّنًا شُجاعًا، بارِعًا في فُنونِ الفُروسيَّةِ، هذا معَ البَشاشةِ والكَرمِ، وحُسنِ الشَّكلِ، والتَّواضُعِ، وحُسنِ المُحاضَرةِ، وجَودةِ المُشارَكةِ في كُلِّ عِلمٍ وفنٍّ، معَ الفَصاحةِ في اللُّغةِ التُّركيَّةِ والعربيَّةِ [1347] يُنظر: ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي (4/205). .
بُرهانُ الدِّينِ الأَبْناسيُّ الشَّافِعيُّ:
كان ليِّنَ الجانِبِ، بَشوشًا، مُتواضِعًا، دَيِّــــنًا [1348] يُنظر: ((المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي)) لابن تغري بردي (1/178، 179). .
صالِحُ بنُ عُمرَ العَسْقلانيُّ:
كان بسَّامًا، بَشوشًا، طَلْقَ المُحيَّا، فاشِيًا للسَّلامِ، مُهابًا، له جَلالةٌ، فَكِهًا [1349] يُنظر: ((معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ)) لمحمد محيسن (2/174). .
أبو عبد الله اليونيني:
قال الذهبيُّ: (قال ابنُ الحاجبِ: وكان -رحِمه الله- مليحَ الشيبةِ، حسنَ الشكلِ والصُّورةِ، زاهدًا وقورًا، ظريفَ الشَّمائلِ، مليحَ الحركاتِ، حميدَ المساعي، بشوشَ الوجهِ، له الصيتُ المشهورُ، والإفضالُ على المنتابينَ، وكان مِن المقبولينَ المعظَّمينَ عندَ الملوكِ.
قلتُ: هذا كلُّه قاله ابنُ الحاجبِ والشيخُ الفقيهُ كهلٌ، وعاش بعدَ ذلك ثلاثينَ سنةً في ازديادٍ، وكان الشيخُ بهيًّا، نورانيًّا، عليه جلالةٌ وهيبةٌ، لا يشبعُ الشخصُ مِن النَّظرِ إليه، فرحمةُ الله عليه) [1350] ((تاريخ الإسلام)) (14/ 894). .
ابنُ حَجَرٍ العَسقَلانيُّ:
قال السَّخاويُّ في ترجمتِه: (يا لَهَفي على فِراقِه إلى أن ألقاه! فماذا فقدْتُ مِن عِلمٍ وحِلمٍ، وتواضُعٍ وإنصافٍ، وبَذلٍ وبَشاشةٍ، وأوصافٍ لا أُدرِكُ الإحاطةَ بها؟!) [1351] ((الجواهر والدرر)) (3/ 1029). .

انظر أيضا: