موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- بَشاشةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأختِ خديجةَ -رضِي اللهُ عنها- وفاءً لها:
كما ورَد عن عائِشةَ -رضِي اللهُ عنها- قالت: ((استأذَنَت هالةُ بنتُ خُوَيلدٍ؛ أختُ خديجةَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعرَف استِئذانَ خديجةَ، فارتاح لذلك، فقال: اللَّهمَّ هالةُ بنتُ خُوَيلدٍ! فغِرْتُ؛ فقلْتُ: وما تذكُرُ مِن عجوزٍ مِن عجائِزِ قُرَيشٍ، حمراءَ الشِّدقَينِ، هلكَتْ في الدَّهرِ، فأبدَلك اللهُ خيرًا منها؟!)) [1326] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم (3821)، ورواه موصولًا مسلم (2437) واللَّفظُ له. .
قولُه: ((اللَّهمَّ هالةُ بنتُ خُوَيلدٍ)): (أي: هشَّ لبِرِّها، ونَشِطَت نَفسُه سُرورًا بها، وفى هذا كُلِّه منه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- حُسنُ عَهدٍ، وحِفاظٌ على رِعايةِ حقِّ خديجةَ، وبرِّها ووُدِّها بَعدَها، وهو مِن حُسنِ الإيمانِ) [1327] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (7/ 443). .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ مُقابَلةِ ذَوي الخُلُقِ السَّيِّئِ؛ مُداراةً لهم، واتِّقاءً لفُحشِهم، وتأليفًا لهم:
كما ورَد عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ: أنَّ عائِشةَ رضِي اللهُ عنها أخبَرَته، قالت: ((استأذَن رجُلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ائذَنوا له، بئس أخو العَشيرةِ! أو ابنُ العَشيرةِ، فلمَّا دخَل ألان له الكلامَ. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، قُلْتَ الذي قلْتَ، ثُمَّ ألنْتَ له الكلامَ! قال: أيْ عائِشةُ، إنَّ شرَّ النَّاسِ مَن ترَكه النَّاسُ -أو وَدَعه النَّاسُ- اتِّقاءَ فُحشِه)) [1328] أخرجه البخاري (6054) واللَّفظُ له، ومسلم (2591). .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عند مُقابَلتِه للنَّاسِ:
فعن جَريرٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((ما حجَبني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منذُ أسلمْتُ، ولا رآني إلَّا تبسَّم في وَجهي)) [1329] أخرجه البخاري (3035) واللَّفظُ له، ومسلم (2475). .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وضحِكُه وهو يخطُبُ:
عن أنسٍ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ رجُلًا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجُمعةِ وهو يخطُبُ بالمدينةِ، فقال: قَحَط المطرُ، فاستسقِ ربَّك، فنظَر إلى السَّماءِ وما نرى مِن سحابٍ، فاستسقى، فنشأ السَّحابُ بعضُه إلى بعضٍ، ثُمَّ مُطِروا حتى سالت مثاعِبُ المدينةِ، فما زالت إلى الجُمعةِ المُقبِلةِ ما تُقلِعُ! ثُمَّ قام ذلك الرَّجلُ أو غَيرُه، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: غَرِقْنا، فادعُ ربَّك يَحبِسْها عنَّا، فضحِك، ثُمَّ قال: اللَّهمَّ حَوالَينا ولا علينا مرَّتَينِ أو ثلاثًا، فجعَل السَّحابُ يتصدَّعُ عن المدينةِ يمينًا وشِمالًا، يمطِرُ ما حوالَينا، ولا يمطِرُ منها شيءٌ؛ يُريهم اللهُ كرامةَ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجابةَ دَعوتِه)) [1330] أخرجه البخاري (6093) واللَّفظُ له، ومسلم (897) .
- عن هِشامِ بنِ عُروةَ، حدَّثني عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ، وفاطِمةُ بنتُ المُنذِرِ بنِ الزُّبَيرِ: أنَّهما قالا: ((خرجَت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ حينَ هاجرَت وهي حُبلى بعبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، فقدِمَت قُباءً، فنُفِسَت بعبدِ اللهِ بقُباءٍ، ثُمَّ خرجَت حينَ نُفِسَت إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُحنِّكَه، فأخَذه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منها، فوضَعه في حِجرِه، ثُمَّ دعا بتَمْرةٍ، قال: قالت عائِشةُ: فمكَثْنا ساعةً نلتمِسُها قَبلَ أن نجِدَها، فمضَغها، ثُمَّ بصَقها في فيه؛ فإنَّ أوَّلَ شيءٍ دخَل بَطنَه لَريقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قالت أسماءُ: ثُمَّ مسَحه، وصلَّى عليه، وسمَّاه عبدَ اللهِ، ثُمَّ جاء وهو ابنُ سَبعِ سنينَ أو ثمانٍ ليُبايِعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَره بذلك الزُّبَيرُ، فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ رآه مُقبِلًا إليه، ثُمَّ بايَعه)) [1331] أخرجه مسلم (2146). .
- وعن مُجاهِدٍ: أنَّ أبا هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه كان يقولُ: ((أللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو، إن كنْتُ لأعتمِدُ بكَبِدي على الأرضِ مِن الجوعِ، وإن كنْتُ لأشُدُّ الحَجرَ على بطني مِن الجوعِ، ولقد قعَدْتُ يومًا على طريقِهم الذي يخرُجونَ منه...، وفيه: ثُمَّ مرَّ بي أبو القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتبسَّم حينَ رآني، وعرَف ما في نَفسي، وما في وَجهي، ثُمَّ قال: يا أبا هِرٍّ قلْتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: الحَقْ، ومضى، فتبِعْتُه، فدخَل، فاستأذَن، فأذِن لي، فدخَل، فوجَد لبنًا في قَدَحٍ، فقال: مِن أين هذا اللَّبنُ؟، قالوا: أهداه لك فلانٌ -أو فلانةٌ-، قال: أبا هِرٍّ، قلْتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: الحَقْ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادعُهم لي، قال: وأهلُ الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلامِ، لا يأوونَ إلى أهلٍ ولا مالٍ، ولا على أحدٍ، إذا أتَته صَدقةٌ بعَث بها إليهم، ولم يتناوَلْ منها شيئًا، وإذا أتَته هديَّةٌ أرسَل إليهم وأصاب منها، وأشرَكهم فيها، فساءني ذلك، فقلْتُ: وما هذا اللَّبنُ في أهلِ الصُّفَّةِ؟! كنْتُ أحَقَّ أنا أن أصيبَ مِن هذا اللَّبنِ شَربةً أتقوَّى بها! فإذا جاء أمَرني، فكنْتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلُغَني مِن هذا اللَّبنِ؟! ولم يكنْ مِن طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُدٌّ، فأتَيتُهم، فدعَوتُهم، فأقبَلوا فاستأذَنوا فأذِن لهم، وأخَذوا مجالِسَهم مِن البَيتِ، قال: يا أبا هرٍّ، قلْتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: خُذْ فأعطِهم، قال: فأخذْتُ القَدَحَ، فجعلْتُ أعطيه الرَّجلَ، فيشرَبُ حتَّى يَروى، ثُمَّ يرُدُّ عليَّ القَدحَ، فأعطيه الرَّجلَ، فيشرَبُ حتَّى يَروى، ثُمَّ يرُدُّ عليَّ القَدحَ فيشرَبُ حتَّى يَروى، ثُمَّ يرُدُّ عليَّ القَدحَ، حتَّى انتهَيتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد رَوِي القومُ كُلُّهم، فأخَذ القَدحَ، فوضَعه على يدِه، فنظَر إليَّ، فتبسَّم! فقال: أبا هرٍّ، قلْتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: بَقيتُ أنا وأنت، قلْتُ: صدقْتَ يا رسولَ اللهِ! قال: اقعُدْ فاشرَبْ، فقعَدْتُ فشرِبْتُ، فقال: اشرَبْ فشرِبْتُ، فما زال يقولُ: اشرَبْ حتَّى قلْتُ: لا والذي بعَثك بالحقِّ ما أجِدُ له مَسلَكًا!)) [1332] أخرجه البخاري (6452). .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتبسُّمُه لتوبةِ اللهِ على كَعبٍ:
فهذا كَعبُ بنُ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه يصِفُ وَجهَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد استقبَله فرِحًا مسرورًا بَعدَ توبةِ اللهِ عليه؛ يقولُ كعبٌ رضِي اللهُ عنه: ((فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَبرُقُ وَجهُه مِن السُّرورِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سُرَّ استنار وَجهُه حتَّى كأنَّه قِطعةُ قَمرٍ! وكنَّا نعرِفُ ذلك منه)) [1333] أخرجه البخاري (3556) واللَّفظُ له، ومسلم (2769) .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معَ الأعرابيِّ:
- وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((كنْتُ أمشي معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشِيةِ، فأدرَكه أعرابيٌّ، فجبَذ برِدائِه جَبذةً شديدةً! قال أنسٌ: فنظرْتُ إلى صَفْحةِ عاتِقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد أثَّرَت بها حاشيةُ الرِّداءِ مِن شِدَّةِ جَبذتِه! ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، مُرْ لي مِن مالِ اللهِ الذي عندَك، فالتفَتَ إليه فضَحِك، ثُمَّ أمَر له بعَطاءٍ!)) [1334] أخرجه البخاري (6088) واللَّفظُ له، ومسلم (1057) .
بَشاشتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معَ الصِّغارِ:
- وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه، يقولُ: ((إن كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُخالِطُنا، حتَّى يقولَ لأخٍ لي صغيرٍ: يا أبا عُمَيرٍ، ما فعَل النُّغَيرُ؟!)) [1335] أخرجه البخاري (6129) واللَّفظُ له، ومسلم (2150). .
قال الكَرمانيُّ: («النُّغَيرُ» مُصغَّرُ النُّغَرِ؛ بالنُّونِ والمُعجمةِ والرَّاءِ: طائرٌ صغيرٌ كالعُصفورِ له صوتٌ حَسنٌ، ومِنقارُه أحمَرُ، و «ما فعَل»، أي: ما شأنُه وحالُه. وفي الحديثِ فوائِدُ: بيانُ جوازِ تكنيةِ الطِّفلِ ومَن لم يولَدْ له، وأنَّه ليس كَذِبًا، وجوازُ المُزاحِ والسَّجعِ في الكلامِ والتَّصغيرِ، ولعِبِ الصَّبيِّ بالعُصفورِ، وتمكينِ الوَليِّ له، والسُّؤالِ عمَّا هو عالِمٌ به، وكمالُ خُلقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واستِمالةُ قُلوبِ الصِّغارِ، وإدخالُ السُّرورِ على قُلوبِهم) [1336] ((الكواكب الدراري)) (22/5). .
وقال ابنُ المُلقِّنِ: (كان عليه السَّلامُ أحسَنَ الأمَّةِ أخلاقًا، وأبسَطَهم وَجهًا، فكان ينبسِطُ إلى الصِّبيانِ، ويُمازِحُهم، ويُداعِبُهم) [1337] يُنظر: ((التوضيح)) (28/508). .

انظر أيضا: