موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مظاهِرُ الكِبْرِ


هناك مظاهِرُ وسِماتٌ تظهَرُ على المُتكَبِّرِ، في صفاتِه، وحَرَكاتِه، وسَكَناتِه، وأحوالِه وأقوالِه وأعمالِه، تدُلُّ على ما وصَل إليه من الكِبْرِ والعُجبِ بالنَّفسِ، والازدراءِ للآخَرين، ومن المُتكَبِّرين من يجمَعُ كثيرًا من هذه المظاهِرِ، ومنهم من يتكبَّرُ في بعضٍ ويتواضَعُ في بعضٍ، ومن ذلك [5947] يُنظَر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/354). :
- أن يحِبَّ قيامَ النَّاسِ له أو بَيْنَ يَدَيه:
 وقد قال عليٌّ رَضِيَ الله عنه: (مَن أراد أن ينظُرَ إلى رجلٍ من أهلِ النَّارِ، فلينظُرْ إلى رجُلٍ قاعدٍ وبينَ يَدَيه قومٌ قيامٌ) [5948] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/354). .
 وقال أنسٌ رَضِيَ الله عنه: (لم يكُنْ شَخصٌ أحَبَّ إليهم من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لِما يعلمون من كراهتِه لذلك) [5949] رواه الترمذي (2754) واللفظ له، وأحمد (12345). صحَّحه الترمذي، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/91)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2754)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (50). .
- أن لا يمشيَ إلَّا ومعه غيرُه يمشي خَلْفَه:
 قال أبو الدَّرداءِ رَضِيَ الله عنه: (لا يزال العبدُ يزدادُ من اللهِ بعدًا، ما مُشِي خَلْفَه) [5950] رواه ابنُ المبارك في ((الزهد)) (394)، والخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (2/768)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (72/276). .
 وكان عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ الله عنه لا يُعرَفُ من عبيدِه، إذ كان لا يتميَّزُ عنهم في صورةٍ ظاهرةٍ [5951] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/354). .
 ومشى قومٌ خَلفَ الحَسَنِ البصريِّ، فمنعهم وقال: ما يُبقي هذا من قَلبِ العبدِ [5952] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/354). ؟!
- أن لا يزورَ غيرَه وإن كان يحصُلُ من زيارتِه خيرٌ لغيرِه في الدِّينِ:
 رُوِيَ أنَّ سفيانَ الثَّوريَّ قَدِم الرَّملةَ فبعث إليه إبراهيمُ بنُ أدهَمٍ: أن تعالَ فحَدِّثْنا. فجاء سفيانُ، فقيل له: يا أبا إسحاقَ، تبعَثُ إليه بمثلِ هذا؟ فقال: أردتُ أن أنظُرَ كيف تواضُعُه [5953] رواه أبو بكر الدِّينَوَري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (2971)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/367). .
- أن يَستنكِفَ من جلوسِ غيرِه بالقُربِ منه، إلَّا أن يجلِسَ بَيْنَ يديه:
 قال ابنُ وَهبٍ: (جلَستُ إلى عبدِ العزيزِ بنِ أبي رُوادٍ، فمسَّ فَخِذي فَخِذَه، فنحيَّتُ نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجَرَّني إلى نفسِه، وقال لي: لمَ تفعَلون بي ما تفعَلون بالجبابرةِ؟ وإني لا أعرِفُ رجلًا منكم شَرًّا مني!) [5954] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/354). .
 وقال أنسٌ ((كانت الأَمَةُ من إماءِ أهلِ المدينةِ لتأخُذُ بيَدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتنطَلِقُ به حيثُ شاءت)) [5955] رواه البخاري (6072). .
- أن يتوقَّى من مجالسةِ المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم:
 (وكان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما لا يحبِسُ عن طعامِه مجذومًا، ولا أبرَصَ، ولا مبتلًى، إلَّا أقعدَهم على مائدتِه) [5956] رواه ابنُ المبارك في ((الزهد)) (611)، وابن أبي الدنيا في ((الجوع)) (56)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (31/145) مطوَّلًا. .
- ألَّا يتعاطى بيَدِه شُغلًا في بيتِه:
 رُوِيَ أنَّ عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ أتاه ليلةً ضَيفٌ، وكان يكتُبُ، فكاد السِّراجُ يُطفَأُ، فقال الضَّيفُ: أقومُ إلى المصباحِ فأُصلِحُه. فقال: ليس من كَرَمِ الرَّجُلِ أن يستخدِمَ ضَيفَه. قال: أفأُنَبِّهُ الغلامَ؟ فقال: هي أوَّلُ نومةٍ نامها. فقام وأخَذ البَطَّةَ [5957] البَطَّةُ: إناءٌ كالقارورةِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/261). ، وملأ المصباحَ زَيتًا، فقال الضَّيفُ: قمتَ أنت بنفسِك يا أميرَ المُؤمِنين؟ فقال: ذهبتُ وأنا عُمَرُ، ورجَعتُ وأنا عُمَرُ، ما نقَصَ مني شيءٌ! وخيرُ النَّاسِ مَن كان عِندَ اللهِ متواضعًا [5958] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/355).
- ألَّا يأخُذَ متاعَه ويحمِلَه إلى بيتِه، وهو خلافُ عادةِ المتواضِعين.
 قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (لا ينقُصُ الرَّجُلَ الكامِلَ من كمالِه ما حَمَل من شيءٍ إلى عيالِه) [5959] ذكره أبو طالب المكي في ((قوت القلوب)) (2/388). . وكان أبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ -وهو أميرٌ- يحمِلُ سَطلًا [5960] السَّطلُ: الدَّلوُ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 147). له من خشَبٍ إلى الحمَّامِ [5961] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/355). .
وعن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، قال: (كان أبو سِنانٍ -ضِرارُ بنُ مُرَّةَ- يشتري الشَّيءَ من السُّوقِ فيَحمِلُه، فيأتيه الرَّجُلُ فيقولُ: يا أبا سنانٍ، أنا أحمِلُه لك، فيأبى، ثمَّ يقولُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل: 23] ). قال سُفيانُ: وسَمِعتُ أبا سِنانٍ يقولُ: (حلبتُ الشَّاةَ منذُ اليومِ، واستقَيتُ لأهلي راويةً [5962] أي: مزادةً، والرَّاويةُ: البَعيرُ أو البَغلُ أو الحمارُ الذي يُستقى عليه. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 132). من ماءٍ، وكان يقالُ: خَيرُكم أنفَعُكم لأهلِه) [5963] ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (2/ 710)، ((شعب الإيمان)) للبيهقي (10/ 491). .
ورأى رجلٌ محمَّدَ بنَ كُناسةَ يحمِلُ بيَدِه بَطنَ شاةٍ، فقال: هاتِه أحمِلْه عنك. فقال: لا. ثمَّ قال:
لا ينقُصُ الكامِلَ من كمالِه
ما جَرَّ من نفعٍ إلى عيالِه [5964] ((الأغاني)) للأصفهاني (13/ 227)، ((الجليس الصالح الكافي)) للمعافى بن زكريا (ص: 437).
- أن يميِّزَ في إجابةِ الدَّعوةِ بَيْنَ الغنيِّ والفقيرِ:
فتراه يسارعُ في إجابةِ دَعوةِ الغنيِّ إذا دعاه، ويستنكِفُ من إجابةِ دَعوةِ الفقيرِ.
- ومنها [5965] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (ص: 110). الاختيالُ في المِشيةِ مع ليِّ صفحةِ العُنُقِ وتصعيرِ الخَدِّ.
- رفضُ النَّصيحةِ، والاستنكافُ عن الحَقِّ.
- إسبالُ الإزارِ اختيالًا.
- محبَّةُ التَّقدُّمِ على الغيرِ في المشيِ أو في المجلِسِ أو في الحديثِ أو نحوِ ذلك.
- من مظاهِرِ المُتكَبِّرِ بعِلمِه المُعجَبِ به [5966] ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل)) للعز بن عبد السلام (ص: 142). : أنَّه ينتهِرُ من يُعَلِّمُه، وإن وَعَظ عَنَّف، وإن وُعِظ أَنِف، وإن أُمِر بالحقِّ لم يقبَلْه، وإن ناظر ازدرى بمُناظِريه، وينقَبِضُ عن النَّاسِ ليبدَؤوا بالسَّلامِ، ويُسَخِّرُهم في أغراضِه، ويغضبُ على من لم يقُمْ بحوائجِه.
- ومن مظاهِرِ المُتكَبِّرِ بعَمَلِه أنَّه يحتَقِرُ من لا يعمَلُ مِثلَ عَمَلِه؛ فإن كان أجهَلَ منه قال: مُضَيِّعٌ جاهِلٌ، وإن كان أعلَمَ منه قال: الحُجَّةُ عليه أعظَمُ منها عليَّ، فينظرُ إلى النَّاسِ بعينِ الاحتقارِ والازدراءِ منقَبِضًا عنهم ليبدؤوه بالسَّلامِ ولا يبدَؤهم، ويزوروه ولا يزورُهم، ويعودوه ولا يعودُهم، ويخدُموه ولا يخدُمُهم، وإن بدأ أحدًا منهم بالسَّلامِ أو زاره أو عاده رأى أنَّه قد تفضَّل عليه وأحسَن إليه، وأنَّ مِثلَهم لا يستحِقُّ ذلك منه، ويرجو لنفسِه أكثَرَ ممَّا يرجوه لهم، ويخافُ عليهم أكثَرَ ممَّا يخافُ على نفسِه، آمنًا من عذابِ اللهِ تعالى.

انظر أيضا: