موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ الغِيبةِ


(إنَّ الغِيبةَ مَرَضٌ خطيرٌ، وداءٌ فتَّاكٌ، ومِعوَلٌ هَدَّامٌ، وسلوكٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الأحبابِ، وبُهتانٌ يُغَطِّي على محاسِنِ الآخَرين، وبَذرةٌ تُنبِتُ شُرورًا بَيْنَ المجتَمَعِ المُسلِم، وتَقلِبُ موازينَ العدالةِ والإنصافِ إلى الكَذِبِ والجَورِ، وعلاجُ هذا المرَضِ لا يكونُ إلَّا بالعِلمِ والعَمَلِ، فإذا عَرَف المغتابُ أنَّه تعَرَّض لسَخَطِ اللهِ يومَ القيامةِ بإحباطِ عَمَلِه، وإعطاءِ حَسَناتِه من يغتابُه، أو يحمِلُ عنه أوزارَه، وأنَّه يتعَرَّضُ لهجومِ من يغتابه في الدُّنيا، وقد يُسَلِّطُه اللهُ عليه، إذا عَلِم هذا وعَمِل بمُقتضاه من خيرٍ فقد وُفِّق للعِلاجِ) [5648] ((نضرة النعيم)) (11/5164). .
ومن الوسائِلِ المُعينةِ على تَركِ الغِيبةِ والبُعدِ عنها ما يلي:
1- التَّقرُّبُ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى بكَثرةِ الأعمالِ الصَّالحةِ، وتقديمِ رِضاه على رِضا المخلوقينَ.
2- زيادةُ الإيمانِ وتقويتُه بالعِلمِ النَّافِعِ، والعَمَلِ الصَّالحِ.
3- أن ينشَغِلَ الإنسانُ بالبَحثِ عن عيوبِه، ويَكُفَّ عن عُيوبِ الآخَرين وتتَبُّعِها.
قال الغزاليُّ: (ويمنَعُك عن الغِيبةِ أمرٌ لو تفكَّرْتَ فيه، وهو أن تنظُرَ في نفسِك: هل فيك عيبٌ ظاهِرٌ أو باطِنٌ؟ وهل أنت مُقارِفٌ مَعصيةً سِرًّا أو جهرًا؟ فإذا عرَفْتَ ذلك من نفسِك فاعلَمْ أنَّ عَجزَه عن التَّنزُّهِ عمَّا نسَبْتَه إليه كعَجْزِك، وعُذرَه كعُذرِك! وكما تَكرَهُ أن تُفتَضَحَ وتُذكَرَ عُيوبُك، فهو أيضًا يَكرَهُه؛ فإنْ ستَرْتَه سَتَر اللهُ عليك عُيوبَك، وإن فضَحْتَه سلَّط اللهُ عليك ألسِنةً حِدادًا يُمَزِّقون عِرْضَك في الدُّنيا، ثمَّ يفضَحُك اللهُ في الآخِرةِ على رُؤوسِ الخلائِقِ يومَ القيامةِ.
وإن نظَرْتَ إلى ظاهِرِك وباطِنِك فلم تطَّلِعْ فيهما على عَيبٍ ونقصٍ في دينٍ ولا دُنيا، فاعلَمْ أنَّ جهلَك بعُيوبِ نفسِك أقبَحُ أنواعِ الحماقةِ، ولا عَيبَ أعظَمُ من الحُمقِ، ولو أراد اللهُ بك خيرًا لبصَّرَك بعيوبِ نفسِك، فرؤيتُك نفسَك بعينِ الرِّضا غايةُ غباوتِك وجَهلِك. ثمَّ إن كنتَ صادِقًا في ظَنِّك فاشكُرِ اللهَ تعالى عليه ولا تُفسِدْه بثَلبِ النَّاسِ، والتَّمضمُضِ بأعراضِهم؛ فإنَّ ذلك من أعظَمِ العُيوبِ) [5649] ((بداية الهداية)) (ص: 54). .
وقال عَونُ بنُ عبدِ اللهِ: (ما أحسَبُ أحَدًا تفرَّغ لعُيوبِ النَّاسِ إلَّا من غَفلةٍ غَفَلَها عن نفسِه) [5650] ((ذم الغيبة والنميمة)) لابن أبي الدنيا (61)، ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (198)، ((مداراة الناس)) لابن أبي الدنيا (143)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (4/ 249). .
4- اختيارُ الصُّحبةِ الصَّالحةِ التي تُقَرِّبُك من اللهِ وتُبعِدُك عن المعاصي، والابتعادُ عن رِفاقِ السُّوءِ.
5- تربيةُ الفردِ تربيةً إسلاميَّةً سَليمةً قائمةً على الآدابِ والتَّعاليمِ الإسلاميَّةِ.
6- استِغلالُ وَقتِ الفراغِ بما ينفَعُ الفَردَ ويُقَوِّي إيمانَه، ويُقَرِّبُه إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى من طاعاتٍ وعباداتٍ، وانشِغالٍ بالعِلمِ.
7- قناعةُ الإنسانِ بما رزقه اللهُ، وشُكرُه له عليها، وأن يَعلَمَ أنَّ ما عِندَ اللهِ خيرٌ وأبقى.
8- أن يَضَعَ الإنسانُ نفسَه مكانَ الشَّخصِ الذي اغتيبَ، فيُحِبَّ له ما يحِبُّ لنفسِه، ويَكرَهَ له ما يكرَهُه لنفسِه، فإذا كان لا يرضى لنفسِه أن يُغتابَ، فينبغي أن لا يرضى لغيرِه ما لا يرضاه لنفسِه.
9- كَظمُ الغَيظِ والصَّبرُ على الغَضَبِ؛ فإنَّه إذا لم يكظِمْ غيظَه وانساق وراءَ غَضَبِه، اندفع للغِيبةِ.
10- الابتعادُ عن كُلِّ ما يؤدِّي به إلى الغِيبةِ، وقَطعُ جميعِ الأسبابِ الباعثةِ على الغِيبةِ، كالغَضَبِ والحَسَدِ.
11- أن يَعلَمَ أنَّه تعَرَّضَ لسَخَطِ اللهِ تعالى بغِيبتِه، وأنَّها محبِطةٌ لحسَناتِه يومَ القيامةِ.
12- أن يَعلَمَ أنَّ العَيبَ الذي يغتابُ به صاحِبَه إن كان أمرًا خِلْقِيًّا فالذَّمُّ له ذَمٌّ للخالِقِ؛ فإنَّ من ذَمَّ صَنعةً فقد ذمَّ صانِعَها [5651] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 148). .

انظر أيضا: