موسوعة الأخلاق والسلوك

 أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74] .
قال الشَّوكانيُّ: (القَسوةُ: الصَّلابةُ واليُبسُ، وهي: عِبارةٌ عن خُلوِّها مِن الإنابةِ، والإذعانِ لآياتِ اللهِ، مع وُجودِ ما يقتَضي خِلافَ هذه القَسوةِ) [5440] ((فتح القدير)) (1/118). .
قال السَّعديُّ: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، أي: اشتَدَّت وغَلُظت، فلم تُؤَثِّرْ فيها المَوعِظةُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، أي: مِن بَعدِ ما أنعَمَ عليكم بالنِّعَمِ العَظيمةِ وأراكم الآياتِ، ولم يكُنْ ينبَغي أن تقسوَ قُلوبُكم؛ لأنَّ ما شاهَدتُم مِمَّا يوجِبُ رِقَّةَ القَلبِ وانقيادَه، ثُمَّ وصفَ قَسوَتَها بأنَّها كِالْحِجَارَةِ التي هي أشَدُّ قَسوةً مِن الحَديدِ؛ لأنَّ الحَديدَ والرَّصاصَ إذا أُذيبَ في النَّارِ ذابَ بخِلافِ الأحجارِ. وقَولُه: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، أي: إنَّها لا تقصُرُ عن قَساوةِ الأحجارِ!) [5441] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/55). .
قال الطَّبَريُّ: (فقَولُه: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً يعني: فقلوبُكم كالحِجارةِ صَلابةً، ويُبسًا، وغِلَظًا، وشِدَّةً، أو أشَدُّ قَسوةً) [5442] ((جامع البيان)) (2/234). .
قال الرَّازيُّ: (وقَولُه: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إنَّما وصَفَها بأنَّها أشَدُّ قَسوةً لوُجوهٍ.. منها: أنَّ الحِجارةَ ليس فيها امتِناعٌ مِمَّا يحدُثُ فيها بأمرِ اللهِ تعالى وإن كانت قاسيةً، بل هي مُنصَرِفةٌ على مُرادِ اللهِ غَيرُ مُمتَنِعةٍ مِن تسخيرِه، وهؤلاء مع ما وصَفْنا مِن أحوالِهم في اتِّصالِ الآياتِ عندَهم، وتَتابُعِ النِّعَمِ مِن اللهِ عليهم يمتَنِعونَ مِن طاعَتِه، ولا تَلينُ قُلوبُهم لمَعرِفة حَقِّه.. وكَأنَّ المعنى أنَّ الحَيَواناتِ مِن غَيرِ بَني آدَمَ أُمَمٌ، سُخِّرَ كُلُّ واحِدٍ منها لشَيءٍ، وهو مُنقادٌ لما أُريدَ منه، وهؤلاء الكُفَّارُ يمتَنِعونَ عَمَّا أرادَ اللهُ منهم... والأحجارُ يُنتَفَعُ بها مِن بَعضِ الوُجوهِ، ويظهَرُ منها الماءُ في بَعضِ الأحوالِ، أمَّا قُلوبُ هؤلاء فلا نفعَ فيها البَتَّةَ، ولا تَلينُ لطاعةِ اللهِ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ!) [5443] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (3/556). .
- وقَولُه تعالى: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43] .
قال الألوسيُّ: (ومعنى قَسَتْ إلَخ، استَمَرَّت على ما هي عليه مِن القَساوةِ، أو ازدادَت قَساوةً) [5444] ((روح المعاني)) (4/143). .
قال ابنُ كَثيرٍ: (قال اللهُ تعالى: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا، أي: فهَلَّا إذ ابتَليناهم بذلك تضَرَّعوا إلينا وتمسكَنوا إلينا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، أي: ما رَقَّت ولا خَشَعت وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أي: مِن الشِّركِ والمَعاصي) [5445] ((تفسير القرآن العظيم)) (3/256). .
وقال ابنُ عاشورٍ: (ولكِنِ اعتَراهم ما في خِلقَتِهم مِن المُكابَرةِ وعَدَمِ الرُّجوعِ عن الباطِلِ، كأنَّ قُلوبَهم لا تتَأثَّرُ فشُبِّهَت بالشَّيءِ القاسي -والقَسوةُ: الصَّلابةُ- وقد وَجَدَ الشَّيطانُ مِن طِباعِهم عَونًا على نفْثِ مُرادِه فيهم، فحَسَّن لهم تلك القَساوةَ وأغراهم بالاستِمرارِ على آثامِهم وأعمالِهم) [5446] ((التحرير والتنوير)) (7/229). .
- وقال تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53] .
قال السَّعديُّ: (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، أي: الغَليظةِ التي لا يُؤَثِّرُ فيها زَجرٌ ولا تذكيرٌ، ولا تفهمُ عن اللهِ وعن رَسولِه لقَسوَتِها، فإذا سَمِعوا ما ألقاه الشَّيطانُ جَعَلوه حُجَّةً لهم على باطِلِهم، وجادَلوا به وشاقُّوا اللهَ ورَسولَه) [5447] ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/542). .
وقال أبو بكرٍ البِقاعيُّ: (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ عن فَهمِ الآياتِ، وهم من عَلَت قُلوبُهم عن ذلك الجِدالِ أن صارَت حَجَريَّةً، وهم المُصارِحونَ بالعَداوةِ، فهم في رَيبٍ مِن أمرِهم وجِدالٍ للمُؤمِنينَ، قد انتَقَشَت فيها الشُّبَهُ، فصارَت أبعَدَ شَيءٍ عن الزَّوالِ) [5448] ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (13/72). .
- وقال تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22] .
قال الشَّوكانيُّ: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22] والمعنى: أنَّه غَلُظَ قَلبُه، وجَفا عن قَبولِ ذِكرِ اللهِ، يُقالُ: قَسا القَلبُ: إذا صَلُب، وقَلبٌ قاسٍ، أي: صُلبٌ لا يرِقُّ ولا يَلينُ) [5449] ((فتح القدير)) (4/526). .
قال السَّعديُّ: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، أي: لا تَلينُ لكِتابِه ولا تتَذَكَّرُ آياتِه، ولا تطمَئِنُّ بذِكرِه، بل هي مُعرضةٌ عن رَبِّها، مُلتَفِتةٌ إلى غَيرِه، فهؤلاء لهم الوَيلُ الشَّديدُ، والشَّرُّ الكَبيرُ) [5450] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/722). .
قال الألوسيُّ: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي: مِن أجلِ ذِكْرِه سُبحانَه الذي حَقُّه أن تلينَ منه القُلوبُ، أي: إذا ذُكِرَ اللهُ تعالى عندَهم أو آياتُه عَزَّ وجَلَّ اشمَأزُّوا مِن ذلك، وزادَت قُلوبُهم قَساوةً) [5451] ((روح المعاني)) (12/246). .
- وقولُه تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (وقَولُه: وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ نهى اللهُ المُؤمِنينَ أن يتَشَبَّهوا بالذينَ حَمَلوا الكِتابَ قَبلَهم مِن اليهودِ والنَّصارى، لمَّا تطاوَلَ عليهم الأمَدُ بَدَّلوا كِتابَ اللهِ الذي بأيديهم، واشتَروا به ثَمَنًا قَليلًا، ونَبذوه وراءَ ظُهورِهم، وأقبلوا على الآراءِ المُختَلِفةِ والأقوالِ المُؤتَفِكةِ، وقَلَّدوا الرِّجالَ في دينِ اللهِ، واتَّخَذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا مِن دونِ اللهِ، فعندَ ذلك قست قُلوبُهم، فلا يَقبَلونَ مَوعِظةً، ولا تلينُ قُلوبُهم بوَعدٍ ولا وعيدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، أي: في الأعمالِ، فقُلوبُهم فاسِدةٌ، وأعمالُهم باطِلةٌ) [5452] ((تفسير القرآن العظيم)) (8/20). .
 قال الطَّبَريُّ: (وقَولُه: فقَسَتْ قُلُوبُهُمْ عن الخَيراتِ، واشتَدَّت على السُّكونِ إلى مَعاصي اللهِ) [5453] ((جامع البيان)) (23/189). .
- قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] .
قال العزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (فَظًّا الفَظُّ: الجافي، والغليظُ: القاسي القَلبِ، معناهما واحدٌ، فجمَع بينَهما تأكيدًا) [5454] ((تفسير ابن عبد السلام)) (1/290). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (قال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الفَظُّ: الغَليظُ، والمُرادُ به هاهُنا غَليظُ الكَلامِ؛ لقَولِه بَعدَ ذلك: غَلِيظَ الْقَلْبِ، أي: لو كُنتَ سَيِّئَ الكَلامِ قاسيَ القَلبِ عليهم لانفَضُّوا عنك وتَرَكوك، ولكنَّ اللهَ جَمعَهم عليك، وألان جانِبَك لهم تأليفًا لقُلوبِهم) [5455] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/148). .
وقال السَّعديُّ: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا، أي: سَيِّئَ الخُلُقِ غَلِيظَ الْقَلْبِ، أي: قاسيَه، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ؛ لأنَّ هذا يُنَفِّرُهم ويُبغِّضُهم لمَن قامَ به هذا الخُلُقُ السَّيِّئُ؛ فالأخلاقُ الحَسَنةُ مِن الرَّئيسِ في الدِّينِ تجذِبُ النَّاسَ إلى دينِ اللهِ، وتُرَغِّبُهم فيه، مع ما لصاحِبِه مِن المَدحِ والثَّوابِ الخاصِّ، والأخلاقُ السَّيِّئةُ مِن الرَّئيسِ في الدِّينِ تُنفِّرُ النَّاسُ عن الدِّينِ، وتُبغِّضُهم إليه، مع ما لصاحِبِها مِن الذَّمِّ والعِقابِ الخاصِّ، فهذا الرَّسولُ المَعصومُ يقولُ اللهُ له ما يقولُ، فكيف بغَيرِه؟!) [5456] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/154). .

انظر أيضا: