موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ


1- من الأخطاءِ ما نَزَغ به الشَّيطانُ في نفوسِ بَعضِ الدُّعاةِ بأنَّ العُبوسَ من الجِدِّ، ولا يليقُ بالدَّاعيةِ أن يكونَ متبَسِّمًا طَلْقَ الوجهِ منبَسِطًا إلى النَّاسِ؛ لذا لا تراه إلَّا عابِسَ الوَجهِ مُقَطِّبَ الجبينِ؛ ممَّا يؤدي إلى ابتعادِ كثيرٍ من النَّاسِ عنه ونفورِهم منه بسَبَبِ ذلك، ولا شَكَّ أنَّ ذلك خلافُ هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
2- يظُنُّ بعضُ النَّاسِ أنَّ العُبوسَ مذمومٌ بإطلاقٍ، وليس كذلك، فهناك حالاتٌ ينبغي للمُسلِمِ أن يَغضَبَ فيها ويتغيَّرَ وَجهُه ويتحَوَّلَ من البشاشةِ إلى العُبوسِ.
قال الغزِّيُّ: (فالعُبوسُ في وُجوهِ أهلِ المعاصي زجرًا لهم، ولقاؤهم باكفِهرارِ الوُجوهِ مندوبٌ إليه كلِقاءِ أهلِ الطَّاعةِ بالبشاشةِ، والتَّودُّدِ إليهم، والتَّخَلُّقِ بأخلاقِهم) [4738] ((حسن التنبه لما ورد في التشبه)) (6/ 352). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (وصَّى أطِّباءُ القُلوبِ بالإعراضِ عن أهلِ البِدَعِ وألَّا يُسَلِّمَ عليهم، ولا يُريَهم طلاقةَ وَجهِه، ولا يلقاهم إلَّا بالعُبوسِ والإعراضِ.
وكذلك أوصَوا عِندَ لقاءِ مَن يُخافُ الفِتنةُ بلقائِه من النِّساءِ والمُردانِ، وقالوا: متى كشَفْتَ للمرأةِ أو الصَّبيِّ عن بياضِ أسنانِك كَشَفَا لك عمَّا هنالِك، ومتى لقيتَهما بوجهٍ عابِسٍ وُقِيتَ شَرَّهما) [4739] ((إغاثة اللهفان)) (1/ 120). .
وكان مُنذِرُ بنُ سَعيدٍ البَلُّوطيُّ على متانتِه وصلابتِه حَسَنَ الخُلُقِ كثيرَ الدُّعابةِ، فرُبَّما ساء ظَنُّ مَن لا يعرِفُه به لدُعابتِه، فإذا رأى ما يُخِلُّ بالدِّينِ قَدْرَ شَعرةٍ ثار ثورةَ الأسَدِ الضَّاري، وتبدَّلَت بشاشتُه عُبوسًا [4740] ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (6/ 2721). .
3- وقال عبَّاس محمود العقَّاد مُبَيِّنًا أنَّه رُبَّ عُبوسةٍ خيرٌ من بشاشةٍ:
إذا ما تبَيَّنْتَ العُبوسةَ في امرئٍ
فلا تَلْحَهُ واسألْ سؤالَ حَكيمِ
أجَلْ سَلْه قبلَ اللَّومِ فيمَ انقِباضُهُ
وفيمَ رمى الدُّنيا بطَرفٍ كظيمِ
لعلَّ طِلابَ الخَيرِ سِرُّ انقباضِهِ
وعِلَّةُ حُزنٍ في الفؤادِ مُقيمِ
فما تحمَدُ العينانِ كُلَّ بشاشةٍ
ولا كُلُّ وَجهٍ عابسٍ بذميمِ
قُطوبُ كريمٍ خاب في النَّاسِ سَعْيُهُ
أحَبُّ من البُشرى بفوزِ لَئيمِ [4741] ((وحي الأربعين)) (ص: 29).

انظر أيضا: