موسوعة الأخلاق والسلوك

ب-  مِن السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تبارك وتعالى: يا عِبادي، إنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسي، وجَعلتُه بَينَكم مُحَرَّمًا؛ فلا تَظالَموا...)) [4547] رواه مسلم (2577) مطوَّلًا. .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا الحَديثُ قد تَضَمَّنَ مِن قَواعِدِ الدِّينِ العَظيمةِ في العُلومِ والأعمالِ والأُصولِ والفُروعِ؛ فإنَّ تلك الجُملةَ الأولى وهي قَولُه: ((حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسي)) يتَضَمَّنُ جُلَّ مَسائِل الصِّفاتِ والقَدَرِ إذا أُعطِيَت حَقَّها مِن التَّفسيرِ...، وأمَّا هذه الجُملةُ الثَّانيةُ، وهي قَولُه: ((وجَعلتُه بَينَكم مُحَرَّمًا؛ فلا تَظالَموا)). فإنَّها تَجمَعُ الدِّينَ كُلَّه؛ فإنَّ ما نَهى اللهُ عنه راجِعٌ إلى الظُّلمِ، وكُلُّ ما أمرَ به راجِعٌ إلى العَدلِ) [4548] ((مجموع الفتاوى)) (18/157). .
3- وعن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك مَن كان قَبلَكم، حَملهم على أن سَفَكوا دِماءَهم، واستَحَلُّوا مَحارِمَهم)) [4549] رواه مسلم (2578). .
4- وعن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يُملي للظَّالمِ، فإذا أخَذَه لم يُفلِتْه. ثُمَّ قَرَأ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] )) [4550] رواه البخاري (4686)، ومسلم (2583) واللفظ له. .
قال ابنُ عُثَيمينَ: (... "يُملي له" يعني: يُمهلُ له حتَّى يتَمادى في ظُلمِه -والعِياذُ باللهِ-، فلا يُعَجِّلُ له العُقوبةَ، وهذا مِن البَلاءِ، نَسألُ اللهَ أن يُعيذَنا وإيَّاكم، فمن الاستِدراجِ أن يُمليَ للإنسانِ في ظُلمِه، فلا يُعاقَبَ له سَريعًا حتَّى تَتَكدَّسَ على الإنسانِ المَظالمُ، فإذا أخَذَه اللهُ لم يُفلِتْه، أخَذَه أخْذَ عَزيزٍ مُقتَدِرٍ، ثُمَّ قَرَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] ؛ فعلى الإنسانِ الظَّالمِ ألَّا يغتَرَّ بنَفسِه، ولا بإملاءِ اللهِ له؛ فإنَّ ذلك مُصيبةٌ فوقَ مُصيبَتِه؛ لأنَّ الإنسانَ إذا عوقِبَ بالظُّلمِ عاجِلًا فرُبَّما يتَذَكَّرُ ويتَّعِظُ ويدَعُ الظُّلمَ، لكِن إذا أُمليَ له واكتَسَبَ آثامًا، أو ازدادَ ظُلمًا، ازدادَت عُقوبَتُه، والعياذُ باللهِ، فيُؤخَذُ على غِرَّةٍ، حتَّى إذا أخَذَه اللهُ لم يُفلِتْه) [4551] ((شرح رياض الصالحين)) (2/498). .
5- وعن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُه، ولا يُسلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجَتِه، ومَن فرَّج عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرُباتِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَه اللهُ يومَ القيامةِ)) [4552] رواه البخاري (2442) واللفظ له، ومسلم (2580). .
قَولُه: ((لا يظلِمُه)) هو خَبَرٌ بمَعنى الأمرِ؛ فإنَّ ظُلمَ المُسلمِ للمُسلمِ حَرامٌ [4553] ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 97). .
6- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كانت عِندَه مَظلَمةٌ لأخيه فلْيتَحَلَّلْه منها، فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا دِرهَمٌ، مِن قَبلِ أن يُؤخَذَ لأخيه مِن حَسَناتِه، فإنْ لم يكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخيه، فطُرِحَت عليه)) [4554] أخرجه البخاري (6534). .
وفي روايةٍ: ((مَن كانت له مَظلَمةٌ لأخيه مِن عِرضِه أو شَيءٍ، فلْيتَحَلَّلْه مِنه اليومَ...)) [4555] أخرجه البخاري (2449). .
قَولُه: ((مَظلَمةٌ)) هي اسمٌ لِما أخَذَه المَرءُ بغَيرِ حَقٍّ، وقَولُه: ((مِن عِرضِه)) بَيانٌ للمَظلمةِ، وعِرضُ الرَّجُلِ: مَوضِعُ المَدحِ والذَّمِّ مِنه، سَواءٌ كان في نَفسِه أو في سَلفِه أو مَن يلزَمُه أمرُه، وقيل: هو جانِبُه الذي يصونُه مِن نَفسِه ونَسَبِه وحَسَبِه، ويُحامي عنه أن يُنتَقَصَ. قَولُه: ((أو شَيءٍ))، أي: مِن الأشياءِ، أي: أمرٍ آخَرَ كأخذِ مالِه أو المَنعِ مِن الانتِفاعِ به، والجِراحاتِ، حتَّى اللَّطمةِ ونَحوِها، وهو مِن عِطفِ العامِّ على الخاصِّ، قَولُه: ((فلْيتَحَلَّلْه)) أي: ليسأَلْه أن يجعَلَه في حِلٍّ، وليطلُبْ مِنه بَراءةَ ذِمَّتِه قَبلَ يومِ القيامةِ [4556] يُنظَر: ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (12/ 294)، ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (9/ 311)، ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (8/ 3201). .
والمَظالمُ إمَّا أن تَكونَ في النَّفسِ، أو المالِ، أو العِرضِ:
فإن كانت في النَّفسِ مِثلُ أن يكونَ قد جَنى عليه، أو ضَرَبَه حتَّى جَرَحَه، أو قَطعَ عُضوًا مِن أعضائِه، أو قَتَل له قَتيلًا، فإنَّه يتَحَلَّلُ مِنه بأن يُمكِّنَ صاحِبَ الحَقِّ مِن القِصاصِ، أو مِن بَذلِ الدِّيةِ إذا لم يكُنِ القِصاصُ. أمَّا إن كانت في المالِ، فالواجِبُ أن يُعطيه صاحِبَه، فإن غابَ عنه ولم يعرِفْ مَكانَه وأيِسَ مِنه فإنَّه يتَصَدَّقُ به عنه، وإن كان قد ماتَ -أي صاحِبُ الحَقِّ- فإنَّه يوصِلُه إلى ورَثَتِه.
 أمَّا إن كانت في العِرضِ، مِثلُ أن يكونَ قد سَبَّه أو اغتابَه، فلا بُدَّ أن يتَحَلَّلَ منه إذا كان المَظلومُ قد عَلِمَ بأنَّه سَبَّه أو اغتابَه، فيذهَبُ إليه ويعتَذِرُ، فإن عَذرَه فهذا مِن نِعمةِ اللهِ على الجَميعِ، وإن أبى فإنَّ اللهَ تعالى إذا عَلِمَ أنَّ تَوبةَ الظَّالمِ تَوبةٌ حَقيقيَّةٌ، فإنَّه سُبحانَه وتعالى يُرضي المَظلومَ يومَ القيامةِ.
وقال بَعضُ العُلماءِ في مَسألةِ العِرْضِ: إن كان المَظلومُ لم يعلَمْ فلا حاجةَ أن يُعلِمَه، ولكِن يستَغفِرُ له ويدعو له، ويُثني عليه بالخَيرِ في المَجالسِ التي كان يسُبُّه فيها، وبذلك يتَحَلَّلُ منه، ألَا إنَّ الأمرَ خَطيرٌ، وحُقوقُ النَّاسِ لا بُدَّ أن تُعطى لهم، إمَّا في الدُّنيا وإمَّا في الآخِرةِ [4557] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/ 509). .

انظر أيضا: