موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن كَعبِ بنِ مالِكٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما ذئبانِ جائعانِ أُرسِلَا في غَنَمٍ بأفسَدَ لها مِن حِرصِ المرءِ على المالِ والشَّرَفِ لدينِه)) [4413] أخرجه الترمذي (2376)، وأحمد (15794). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (3228)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2376)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1100). .
قال ابنُ رجَبٍ: (فهذا مَثَلٌ عظيمٌ جِدًّا ضرَبه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لفسادِ دينِ المُسلِم بالحِرصِ على المالِ والشَّرَفِ في الدُّنيا، وأنَّ فَسادَ الدِّينِ بذلك ليس بدونِ فَسادِ الغَنَمِ بذئبَينِ جائِعَينِ ضاريَينِ باتا في الغَنَمِ، وقد غاب عنها رعاؤُها ليلًا، فهما يأكُلانِ في الغَنَمِ ويفتَرِسانِ فيها.
ومعلومٌ أنَّه لا ينجو من الغَنَمِ من إفسادِ الذِّئبَينِ المذكورينِ -والحالةُ هذه- إلَّا قليلٌ، فأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ حِرصَ المرءِ على المالِ والشَّرَفِ إفسادٌ لدينِه ليس بأقَلَّ من إفسادِ الذَّئبَينِ لهذه الغنَمِ، بل إمَّا أن يكونَ مُساويًا وإمَّا أكثَرَ، يشيرُ إلى أنَّه لا يَسلَمُ من دينِ المُسلِمِ مع حرصِه على المالِ والشَّرَفِ في الدُّنيا إلَّا القليلُ، كما أنَّه لا يَسلَمُ من الغَنَمِ مع إفسادِ الذِّئبَينِ المذكورينِ فيها إلَّا القليلُ.
فهذا المثَلُ العظيمُ يتضمَّنُ غايةَ التَّحذيرِ من شَرِّ الحرصِ على المالِ والشَّرَفِ في الدُّنيا) [4414] يُنظَر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/64). .
وقال القاريُّ: (والمعنى: أنَّ حِرصَ المرءِ عليهما أكثَرُ فسادًا لدينِه المشبَّهِ بالغَنَمِ؛ لضَعفِه بجَنبِ حِرصِه من إفسادِ الذِّئبَينِ للغَنَمِ) [4415] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/3243). .
وقال المُناويُّ: (فمقصودُ الحديثِ أنَّ الحِرصَ على المالِ والشَّرَفِ أكثَرُ إفسادًا للدِّينِ من إفسادِ الذِّئبينِ للغَنَمِ؛ لأنَّ ذلك الأشَرَ والبَطَرَ يَستفِزُّ صاحِبَه، ويأخُذُ به إلى ما يضُرُّه، وذلك مذمومٌ لاستدعائِه العلُوَّ في الأرضِ والفسادَ المذمومينِ شَرعًا) [4416] يُنظَر: ((فيض القدير)) (5/445). .
2- وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أبيه، قال: سمِعتُ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ: ((قد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطيني العطاءَ، فأقولُ: أعطِه أفقَرَ إليه منِّي، حتَّى أعطاني مرَّةً مالًا، فقُلتُ: أعطِه أفقَرَ إليه منِّي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذْه، وما جاءك من هذا المالِ وأنت غيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتْبِعْه نَفسَك)) [4417] أخرجه البخاري (7164)، ومسلم (1045) واللفظ له. .
قال القاريُّ: (قال الطِّيبُّي: الإشرافُ: الاطِّلاعُ على شيءٍ والتَّعرُّضُ له، والمقصودُ منه الطَّمَعُ، أي: والحالُ أنَّك غيرُ طامعٍ له، ((ولا سائِلٍ، فخُذْه)). أي: فاقبَلْه وتصدَّقْ به، إنْ لم تكُنْ محتاجًا. ((وما لا))، أي: وما لا يكونُ كذلك بأن لا يجيئَك هنالك إلَّا بتطَلُّعٍ إليه واستشرافٍ عليه، "فلا تُتبِعْه نَفسَك" من الإتباعِ -بالتَّخفيفِ-، أي: فلا تجعَلْ نفسَك تابعةً له، ولا تُوصِلِ المشقَّةَ إليها في طَلَبِه) [4418] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (4/1312). .
3- وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: سمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لو كان لابنِ آدَمَ واديانِ من مالٍ لابتغى ثالثًا، ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على من تاب)) [4419] أخرجه البخاري (6436) واللفظ له، ومسلم (1049) .
قال ابنُ بطَّالٍ: (وأشار صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا المثَلِ إلى ذَمِّ الحِرصِ على الدُّنيا، والشَّرَهِ على الازديادِ منها؛ ولذلك آثَرَ أكثَرُ السَّلَفِ التَّقلُّلَ من الدُّنيا، والقناعةَ والكَفافَ؛ فِرارًا من التَّعرُّضِ لِما لا يُعلَمُ كيف النَّجاةُ من شَرِّ فتنتِه) [4420] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) (10/160). .
4- وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من غزا في سبيلِ اللهِ، ولم يَنْوِ إلَّا عِقالًا، فله ما نوى)) [4421] أخرجه النسائي (3138) واللفظ له، وأحمد (22692). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (4638)، والشوكاني في ((الفتح الرباني)) (12/6233)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3138)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (37/ 365). .
قال الطِّيبيُّ: (قولُه: «إلَّا عِقالًا» العِقالُ: حَبلٌ صغيرٌ تُشَدُّ به رُكبَتا البعيرِ؛ لئلَّا ينفِرَ، وهو مبالغةٌ في قَطعِ الطَّمَعِ عن الغنيمةِ، بل يكونُ خالِصًا للهِ تعالى غيرَ مشوبٍ بأغراضٍ دُنيويَّةٍ، كقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وإنَّما لامرئٍ ما نوى» [4422] أخرجه البخاري (6689) ومسلم (1907). [4423] ((الكاشف عن حقائق السنن)) (8/ 2659، 2660). .
5- وعن عِياضِ بنِ حِمارٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أهلُ الجَنَّةِ ثَلاثةٌ: ذُو سُلطانٍ مُقسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورجُلٌ رَحيمٌ رقيقُ القَلبِ لِكُلِّ ذي قُربى ومُسلِمٍ، وعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عيالٍ. وأهل النَّار خمسةٌ: الضَّعيفُ الذي لا زَبْرَ [4424] لا زَبْرَ له: أي: لا عَقلَ له يَزبُرُه وينهاه عن الإقدامِ على ما لا ينبغي. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/293). له، الذين هم فيكم تَبَعًا لا يَبتغون أهلًا ولا مالًا، والخائِنُ الذي لا يخفى له طَمعٌ وإن دَقَّ إلَّا خانه، ورجُلٌ لا يُصبِحُ ولا يُمسي إلَّا وهو يخادِعُك عن أهلِك ومالِك، وذَكَر البُخلَ أو الكَذِبَ. والشِّنْظيرُ: الفَحَّاشُ)) [4425] رواه مسلم (2865) مطوَّلًا. .
قال القاريُّ: (... ((والخائِنُ الذي لا يخفى له طَمَعُ وإن دقَّ إلَّا خانه)): هو إغراقٌ في وصفِ الطَّمَعِ، والخيانةُ تابعةٌ له، والمعنى أنَّه لا يتعدَّى عن الطَّمَعِ ولو احتاج إلى الخيانةِ) [4426] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (7/3108). .

انظر أيضا: