موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ الشَّراهةِ


الشَّراهةُ في كُلِّ شيءٍ؛ فأقسامُها لا تكادُ تنحصِرُ، ولعلَّ مِن أهَمِّها ما يلي:
الأوَّلُ: شَراهةٌ في جمعِ المالِ؛ قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 20] ، فذمَّهم بالشَّرَهِ في جمعِ المالِ، وعيَّرهم به [4241] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (20/ 54)، ((التسهيل لعلوم التنزيل)) لابن جزي (2/ 481). .
الثَّاني: شَراهةٌ في الطَّعامِ؛ قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] ، أي: بإفراطِ الطَّعامِ أو الشَّرَهِ عليه [4242] ((السراج المنير)) للخطيب الشربيني (1/ 472). .
الثَّالثُ: شَراهةٌ في النِّكاحِ. إنَّما جعَل اللهُ تعالى الشَّهوةَ في الآدمِيِّ باعِثةً له مِن طَبعِه لقِيامِ النَّسلِ، فلو استعمَل ما طُبِع عليه في مَسقَطٍ حرامٍ أضاع نَسبَه، وحرَم ذُرِّيَّتَه مالَه والانتِماءَ إليه، إلى غَيرِ ذلك مِن آفاتِ الفاحِشةِ، وإن طلَب فُضولَ الجِماعِ، وأسرَف في الحلالِ؛ فاته الالتِذاذُ بالعافيةِ [4243] ((الإفصاح)) لابن هبيرة (2/ 184)، ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 465). .
الرَّابعُ: شَراهةٌ في العِلمِ. مَن عرَف العِلمَ وفَضلَه لم يَقضِ نَهْمتَه منه، ولم يشبَعْ مِن جَمعِه طَوالَ عُمرِه [4244] ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)) للعسكري (ص: 59). ، وقد قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه: (منهومانِ لا يشبَعانِ: صاحِبُ العِلمِ، وصاحِبُ الدُّنيا، ولا يستويانِ؛ أمَّا صاحِبُ العِلمِ فيزدادُ رضا اللهِ، وأمَّا صاحِبُ الدُّنيا فيزدادُ في الطُّغيانِ) [4245] ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص: 68). . لذا لا يُقالُ للعالِمِ: اشبَعْ مِن العِلمِ، ولا اقتصِرْ على بَعضِه، بل يُقالُ له: قدِّمِ المُهمَّ؛ فالعُمرُ قصيرٌ، والعِلمُ كثيرٌ [4246] ((صيد الخاطر)) (ص: 183). ، وقال الخطيبُ البغداديُّ: (ولْيَعلَمِ الطَّالبُ أنَّ شهوةَ السَّماعِ لا تنتهي، والنَّهْمةَ مِن الطَّلبِ لا تنقضي، والعِلمَ كالبِحارِ المُتعذِّرِ كَيلُها؛ فلا ينبغي له أن يشتغِلَ إلَّا بما يستحِقُّ) [4247] ((الجامع لأخلاق الراوي)) (2/ 245). ، وقد تحمِلُ الشَّراهةُ صاحِبَها على ما لا ينبغي؛ لذا قال ابنُ الصَّلاحِ: (ولا يحمِلَنَّه الحِرصُ والشَّرَهُ على التَّساهُلِ في السَّماعِ والتَّحمُّلِ، والإخلالِ بما يُشترَطُ عليه في ذلك) [4248] ((أنواع علوم الحديث)) (ص: 354). .

انظر أيضا: