موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- سلامةُ القَلبِ من الأحقادِ:
القلبُ السَّليمُ سبَبٌ من أسبابِ النَّجاةِ يومَ القيامةِ؛ قال اللهُ تعالى حكايةً عن إبراهيمَ: وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 87-89] ، والقَلبُ السَّليمُ هو الذي سَلِم من الشِّركِ والنِّفاقِ، ومن الغِلِّ والحِقْدِ والحَسَدِ.
ووصَف اللهُ عزَّ وجَلَّ أهلَ الجنَّةِ بسَلامةِ القَلبِ، فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر 47]، و(ليس أروَحُ للمَرءِ ولا أطرَدُ لهُمومِه ولا أقَرُّ لعَينِه من أن يعيشَ سَليمَ القَلبِ، مُبَرَّأً من وساوِسِ الضَّغينةِ، وثَوَرانِ الأحقادِ، إذا رأى نعمةً تنساقُ لأحَدٍ رَضِيَ بها، وأحسَّ فَضلَ اللهِ فيها، وفَقْرَ عبادِه إليها، وإذا رأى أذًى يَلحَقُ أحَدًا من خَلقِ اللهِ رثى له، ورجا اللهَ أن يُفَرِّجَ كَرْبَه، ويَغفِرَ ذَنبَه... وبذلك يحيا المُسلِمُ ناصِعَ الصَّفحةِ، راضيًا عن اللهِ وعن الحياةِ، مستريحَ النَّفسِ مِن نَزَعاتِ الحِقْدِ الأعمى؛ فإنَّ فسادَ القَلبِ بالضَّغائِنِ داءٌ عَياءٌ، وما أسرَعَ أن يتسَرَّبَ الإيمانُ من القَلبِ المغشوشِ، كما يتسَرَّبُ السَّائِلُ من الإناءِ المثْلومِ!... والإسلامُ يحارِبُ الأحقادَ ويَقتُلُ جُرثومتَها في المَهْدِ، ويرتقي بالمجتَمَعِ المُؤمِنِ إلى مستوًى رفيعٍ من الصَّدَاقاتِ المتبادَلةِ، أو المعامَلاتِ العادِلةِ، وقد عَدَّ الإسلامُ مِن دلائِلِ الصَّغارِ وخِسَّةِ الطَّبيعةِ أن يرسُبَ الغِلُّ في أعماقِ النَّفسِ، فلا يخرُجَ منه، بل يظَلُّ يموجُ في جوانِبِها كما يموجُ البُركانُ المكتومُ، وكثيرٌ من أولئك الذين يحتَبِسُ الغِلُّ في أفئدتِهم، يتلَمَّسون متنَفَّسًا له في وُجوهِ من يقَعُ معهم، فلا يستريحون إلَّا إذا أرغَوا وأزبَدوا، وآذَوا وأفسَدوا) [2868] ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (74-77) بتصرُّفٍ. .
أحوالُ المحقودِ:
قال الغَزاليُّ: (للمَحقودِ ثلاثةُ أحوالٍ عِندَ القُدرةِ:
أحَدُها: أن يستوفيَ حَقَّه الذي يستحِقُّه من غيرِ زيادةٍ أو نقصانٍ، وهو العَدلُ.
الثَّاني: أن يُحسِنَ إليه بالعَفوِ والصِّلةِ، وذلك هو الفَضلُ.
الثَّالِثُ: أن يَظلِمَه بما لا يستَحِقُّه، وذلك هو الجَورُ، وهو اختيارُ الأراذِلِ، والثَّاني هو اختيارُ الصِّدِّيقينَ، والأوَّلُ هو مُنتهى دَرَجاتِ الصَّالِحين) [2869] ((إحياء علوم الدين)) (3/181). .
- الألفاظُ المترادِفةُ للحِقْدِ:
هناك ألفاظٌ عديدةٌ وردت بمعنى الحِقْدِ بمعناه الاصطِلاحيِّ، فيُقالُ مَثَلًا: (في صَدْرِه: حِقدٌ، وضِغْنٌ، وضَغينةٌ، وإحْنةٌ، ودِمْنةٌ، وغِلٌّ، وغِمْرٌ، ووَغْرٌ، ووَغْمٌ، وحَزازةٌ، وطائِلةٌ، وغائِلةٌ، وحَسيفةٌ، وحَسيكةٌ، وسَخيمةٌ) [2870] ((نجعة الرائد)) لليازجي (1/272). .
- حِقدُ السُّلطانِ عَجْزٌ:
 قال ابنُ المقَفَّعِ: (ليس للمَلِكِ أن يَغضَبَ؛ لأنَّ القُدرةَ مِن وراءِ حاجتِه، وليس له أن يَكذِبَ؛ لأنَّه لا يَقدِرُ أحَدٌ على استكراهِه على غيرِ ما يريدُ، وليس له أن يَبخَلَ؛ لأنَّه أقَلُّ النَّاسِ عُذرًا في تخوُّفِ الفَقرِ، وليس له أن يكونَ حَقودًا؛ لأنَّ خَطَرَه قد عَظُم عن مجاراةِ كُلِّ النَّاسِ) [2871] ((الأدب الكبير)) (ص: 75)، ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 404). .
 ونازع عبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ خالِدِ بنِ الوليدِ، فأربى عليه! فقيل له: اشْكُه إلى عَمِّك معاويةَ؛ لينتَقِمَ لك منه، فقال: مِثلي لا يشكو، ولا يُعَدُّ انتقامُ غيري لي انتقامًا. فلمَّا استُخلِفَ قيل له في ذلك، فقال: (حِقدُ السُّلطانِ عَجْزٌ) [2872] ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان التوحيدي (7/ 143)، ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (2/ 97). .
- نارُ الحِقْدِ:
- وقيل: (لكُلِّ حريقٍ مُطفِئٌ: فللنَّارِ الماءُ، وللسُّمِّ الدَّواءُ، وللحُزنِ الصَّبرُ، ونارُ الحِقْدِ لا تخبو أبدًا) [2873] ((كليلة ودمنة)) (ص: 212)، ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 27)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 309). .

انظر أيضا: