موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- الصَّبرُ على الجَفاءِ:
قال ابنُ حزمٍ الأندَلُسيُّ: (الصَّبرُ على الجَفاءِ ينقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ:
1- فصَبرٌ عمَّن يقدِرُ عليك، ولا تَقدِرُ عليه.
2- وصَبرٌ عمَّن تقدِرُ عليه، ولا يَقدِرُ عليك.
3- وصَبرٌ عمَّن لا تَقدِرُ عليه، ولا يَقدِرُ عليك.
فالأوَّلُ: ذُلٌّ ومهانةٌ، وليس من الفضائِلِ، والرَّأيُ لمن خَشِيَ ما هو أشدُّ ممَّا يصبرُ عليه المتاركةُ والمباعَدةُ. والثَّاني: فَضلٌ وبِرٌّ، وهو الحِلمُ على الحقيقةِ، وهو الذي يوصَفُ به الفُضَلاءُ، والثَّالِثُ ينقَسِمُ قِسمَينِ:
أ- إمَّا أن يكونَ الجَفاءُ ممَّن لم يقَعْ منه إلَّا على سبيلِ الغَلَطِ، ويعلَمُ قُبحَ ما أتى به، ويندَمُ عليه؛ فالصَّبرُ عليه فَضلٌ وفَرضٌ، وهو حِلمٌ على الحقيقةِ.
ب- وأمَّا من كان لا يدري مقدارَ نَفسِه، ويظُنُّ أنَّ لها حقًّا يستطيلُ به، فلا يندَمُ على ما سَلَف منه؛ فالصَّبرُ عليه ذُلٌّ للصَّابِرِ، وإفسادٌ للمصبورِ عليه؛ لأنَّه يزيدُ استشراءً، والمقارَضةُ [2572] المقارَضةُ: تكونُ في العَمَلِ السَّيِّئِ والقولِ السَّيِّئِ يَقصِدُ الإنسانُ به صاحِبَه. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/217). له سُخْفٌ، والصَّوابُ إعلامُه بأنَّه كان ممكِنًا أن ينتَصِرَ منه، وأنَّه إنَّما تَرَك ذلك استرذالًا له فقط، وصيانةً عن مراجعتِه، ولا يُزادُ على ذلك، وأمَّا جَفاءُ السَّفِلةِ فليس جزاؤُه إلَّا النَّكالَ وَحْدَه) [2573] ((الأخلاق والسير)) (26، 27). .
- جفاءُ الإخوانِ والأصدِقاءِ:
- قال ابنُ الجَوزيِّ: (كان لنا أصدِقاءُ وإخوانٌ أعتَدُّ بهم، فرأيتُ منهم من الجَفاءِ وتَرِك شُروطِ الصَّداقةِ والأُخُوَّةِ عَجائِبَ، فأخَذْتُ أعتِبُ، ثمَّ انتبَهْتُ لنفسي، فقُلتُ: وما ينفَعُ العتابُ؟! فإنَّهم إن صلَحوا فللعِتابِ لا للصَّفاء، فهَمَمْتُ بمقاطعتِهم، ثمَّ تفكَّرْتُ، فرأيتُ النَّاسَ بَيْنَ معارِفَ وأصدِقاءَ في الظَّاهِرِ، وإخوةً مُباطِنينَ، فقُلتُ: لا تَصلُحُ مُقاطعتُهم، إنَّما ينبغي أن تنقُلَهم من ديوانِ الأُخُوَّةِ إلى ديوانِ الصَّداقةِ الظَّاهِرةِ، فإنْ لم يصلُحوا لها نقَلْتَهم إلى جملةِ المعارِفِ، وعامَلْتَهم معاملةَ المعارِفِ، ومِنَ الغَلَطِ أن تعاتِبَهم؛ فقد قال يحيى بنُ مُعاذٍ: بِئسَ الأخُ أخٌ تحتاجُ أن تقولَ له: اذكُرْني في دُعائِك!) [2574] ((صيد الخاطر)) (ص: 391). .
- انتهارُ شَريكٍ بعضَ مَن ظهَر منه الجَفاءُ:
 عن يحيى بنِ أيُّوبَ قال: (كنَّا عِندَ شَريكٍ يومًا، فظهر من أصحابِ الحَديثِ جَفاءٌ، فانتَهَر بعضَهم، فقال له رَجُلٌ: يا أبا عبدِ اللهِ، لو رفَقْتَ! فوضَعَ شَريكٌ يَدَه على رُكبةِ الشَّيخِ، وقال: النُّبلُ عونٌ على الدِّينِ) [2575] رواه ابنُ الجعد في ((المسند)) (2427)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (9/285) واللفظ لهما، ووكيع في ((أخبار القضاة)) (3/155). .
- المحبَّةُ الحقيقيَّة:
- وقال يحيى بنُ مُعاذٍ: (حقيقةُ المحبَّةِ لا يزيدُها البِرُّ، ولا يَنقُصُها الجَفاءُ) [2576] ذكره الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ في ((محاضرات الأدباء)) (2/411). . وقد قيل:
إنَّ مَحْضَ الوُدِّ لا يُزري به طُولُ التَّنائي
وانقِطاعٌ من كِتابٍ وتراخٍ مِن لِقاءِ
إنَّما الوامِقُ من يحمِلُ أثقالَ الجَفاءِ
والذي تُضجِرُه الجَفوةُ مَدخولُ الإخاءِ [2577] ((محاضرات الأدباء)) للراغب (2/ 37). .

انظر أيضا: