موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّة


1- عن عَمرِو بنِ ميمونٍ الأوديِّ، قال: كان سعدٌ يُعَلِّمُ بنيه هؤلاء الكَلِماتِ كما يُعلِّمُ المعلِّمُ الغِلمانَ الكتابةَ، ويقولُ: ((إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتعوَّذُ منهنَّ دُبُرَ الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك من الجُبْنِ، وأعوذُ بك أن أُرَدَّ إلى أرذَلِ العُمُرِ، وأعوذُ بك من فتنةِ الدُّنيا، وأعوذُ بك من عذابِ القَبرِ)) [2174] رواه البخاري (2822). .
(قال المُهَلَّبُ: أمَّا استعاذتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الجُبْنِ، فإنَّه يؤدِّي إلى عذابِ الآخرةِ؛ لأنَّه يفِرُّ من قِرنِه [2175] القِرنُ: الكُفءُ والنَّظيرُ في الشَّجاعةِ والحَربِ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 55). في الزَّحفِ، فيَدخُلُ تحتَ وعيدِ اللهِ؛ لقَولِه: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ [الأنفال: 16] الآيةَ، وربَّما يُفتَنُ في دينِه فيرتَدُّ لجُبنٍ أدركَه) [2176] ((شرح البخاري)) لابن بطال (5/35). .
2- عن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه بينما هو يسيرُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومعه النَّاسُ مَقفَلَه [2177] مُقْفَلَه: يعني زمانَ رُجوعِه. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/35). من حنينٍ، فعَلِقَه النَّاسُ يسألونه حتَّى اضطرُّوه إلى سَمُرةٍ [2178] اضطرُّوه إلى سَمُرةٍ: أي: ألجؤوه إلى شَجَرةٍ من شَجَرِ الباديةِ ذاتِ شَوكٍ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/35). ، فخَطِفَت رداءَه، فوقف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عددُ هذه العِضاهِ [2179] العِضاهُ: كُلُّ شَجَرٍ عظيمٍ له شَوكٌ. يُنظَر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). نَعَمًا [2180] النَّعَمُ واحِدُ الأنعامِ، وهي الأموالُ الرَّاعيةُ، وأكثَرُ ما يقعُ على الإبِلِ. يُنظَر: ((اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)) للبرماوي (8/ 420). لقسَمْتُه بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا ولا كَذوبًا ولا جَبانًا) [2181] رواه البخاري (2821). .
(فأشار صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَمِ الجُبْنِ إلى كمالِ القُوَّةِ الغَضَبيَّةِ، وهي الشَّجاعةُ) [2182] ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 571). .
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ، وغَلَبةِ الرِّجالِ)) [2183] أخرجه البخاري (6369) واللفظ له، ومسلم (2706). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فاستعاذ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من ثمانيةِ أشياءَ، كُلُّ اثنينِ منها قرينانِ... والجُبْنُ والبُخلُ قرينانِ؛ لأنَّهما عَدَمُ النَّفعِ بالمالِ والبَدَنِ، وهما من أسبابِ الألمِ؛ لأنَّ الجبانَ تفوتُه محبوباتٌ ومُفرِحاتٌ وملذوذاتٌ عظيمةٌ لا تُنالُ إلَّا بالبذلِ والشَّجاعةِ، والبُخلُ يحولُ بينه دونها أيضًا، فهذان الخُلُقانِ من أعظَمِ أسبابِ الآلامِ) [2184] ((بدائع الفوائد)) (2/ 207). .
3- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((شرُّ ما في رجُلٍ شُحٌّ هالعٌ، وجُبنٌ خالعٌ)) [2185] أخرجه أبو داود (2511)، وأحمد (8010). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (3250)، وابن تَيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (28/437)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2511)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2511)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1406). .
قال ابنُ القَيِّمِ في شرحِه للحديثِ: (هنا أمرانِ: أمرٌ لفظيٌّ، وأمرٌ معنويٌّ؛ فأمَّا اللَّفظيُّ: فإنَّه وصْفُ الشُّحِّ بكونِه هالِعًا، والهالِعُ صاحبُه، وأكثَرُ ما يُسَمَّى هَلوعًا، ولا يقالُ: هالِعٌ له؛ فإنَّه لا يتعَدَّى، وفيه وجهانِ:
أحدُهما: أنَّه على النَّسَبِ، كقَولِهم: ليلٌ نائمٌ، وشرٌّ قائمٌ، ونهارٌ صائمٌ، ويومٌ عاصفٌ. كلُّه عِندَ سيبَوَيهِ على النَّسَبِ، أي: ذو كذا.
والثَّاني: أنَّ اللَّفظةَ غُيِّرت عن بابِها؛ للازدواجِ مع خالِعِ، وله نظائِرُ.
وأمَّا المعنويُّ: فإنَّ الشُّحَّ والجُبْنَ أردى صفتينِ في العبدِ، ولا سيَّما إذا كان شُحُّه هالعًا، أي: مُلْقٍ له في الهَلَعِ، وجُبنُه خالِعًا، أي: قد خلع قلبه من مكانِه؛ فلا سماحةَ ولا شجاعةَ، ولا نفعَ بمالِه ولا ببَدنِه، كما يقالُ: لا طعنةَ ولا جَفنةَ، ولا يَطرُدُ ولا يَشرُدُ، بل قد قمَعَه وصَغَّره وحَقَّره ودسَّاه الشُّحُّ والخوفُ والطَّمَعُ والفَزَعُ) [2186] ((عدة الصابرين)) (ص: 275). .
4- وعن يعلى العامِريِّ رَضِيَ الله عنه قال: ((جاء الحسَنُ والحُسَينُ يسعيانِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فضمَّهما إليه، وقال: إنَّ الولَدَ مَبخَلةٌ مَجبَنةٌ)) [2187] رواه ابنُ ماجه (3666) واللفظ له، وأحمد (17562) مطوَّلًا. صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (3/179) وقال: على شرط مسلم، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3666)، وصحَّح إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/99)، وقوَّاه الذهبي في ((المهذب)) (8/4210). .
(أي: سبَبٌ لبُخلِ الأبِ وجُبنِه، ويحمِلُ أبويه على البُخلِ، وكذلك على الجُبْنِ؛ فإنَّه يتقاعَدُ من الغزَواتِ والسَّرايا بسَبَبِ حُبِ الأولادِ، ويمسِكُ مالَه لهم) [2188] ((شروح سنن ابن ماجه)) للسيوطي (2/1338). .

انظر أيضا: