موسوعة التفسير

سُورة الأنفالِ
الآيتان (15-16)

ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ

غريب الكلمات:

زَحْفًا: أي: متقاربًا بعضُكم إلى بعضٍ، والزَّحفُ تقارُبُ القَومِ إلى القَومِ في الحَربِ، أو الدُّنوُّ قليلًا قليلًا، وأَصلُ (زحف): يدلُّ على الاندفاعِ، والمُضِيِّ قُدُمًا [207] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 251)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/49)، ((المفردات)) للراغب (ص: 379)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 217). .
فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ: أي: لا تَفِرُّوا مِنهم، وتُعْطوهم ظُهورَكم، ويقال: وَلَّاه دُبُرَه: إذا انهزم، والتولِّي: الإعراضُ بعدَ الإقبالِ، وأصْل الدُّبر: آخِرُ الشيءِ وخلفُه، ضد القُبلِ [208] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/324)، ((المفردات)) للراغب (ص: 887)، ((التبيان)) لابن الهائم (1 /79)، ((الكليات)) للكفوي (1 /28). .
مُتَحَرِّفًا: أي: مائلًا لأجلِ القِتالِ، لا مائلًا هزيمةً؛ بأنْ يُريَهم الفَرَّةَ مكيدةً، وهو يريدُ الكَرَّةَ، وأصلُ (حرف): يدل على العُدُولِ، والانحرافِ عن الشَّيءِ [209] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/42)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/130)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 879). .
مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ: أي: مُنضمًّا إلى جماعةٍ، وأصلُ (حوز) يدلُّ على الجَمعِ والتجمُّعِ [210] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 439)، ((المفردات)) للراغب (ص: 263)، ((تفسير ابن كثير)) (4/28)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 217). .
بَاءَ: أي: رجَع، وانْصَرف، ولا يُقالُ: باء إلَّا موصولًا إمَّا بخيرٍ وإمَّا بشَرٍّ، وأَصلُ (بوأ): يدلُّ على الرُّجوعِ إلى الشَّيءِ [211] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/27) (11/82)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 117)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس(1/312)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 90)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 250 - 252). .
وَمَأْوَاهُ: أي: مصيرُه، ومقامُه، والمأوى مصدرُ أَوَى، يُقال: أَوَى إلى كذا، أي: انضمَّ إليه يأوي أويًا ومأوًى، وأصْلُه: التَّجمُّع [212] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/82)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1 /151)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((تفسير القرطبي)) (7/384). .

المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ المؤمنين إذا ما قابَلوا الكفَّارَ للقتالِ، فاقتَرَب بعضُهم من بعضٍ، ألَّا يُولُّوهم ظُهورَهم فِرارًا منهم، فينهَزِموا عنهم، ولكِن لِيثبُتُوا، وتوعَّدَ مَن يولِّيهم ظَهْرَه في ذلك الوقتِ بأنَّه يرجِعُ بغضَبٍ مِن اللهِ- عزَّ وجلَّ- ومصيرُه جهنَّمُ، وبئس المصيرُ، إلَّا أنْ تكونَ تولِيَتُه ظَهْرَه خِداعًا للعدُوِّ، ومكيدةً له، ثم يكِرُّ عليه، أو يكونَ مِن أجلِ أن يتنحَّى إلى حيِّزِ جماعةٍ أخرى من المُسلمينَ، يُريدونَ العودةَ إلى القتالِ، فيعودُ معهم فيعاوِنُهم ويُعاوِنونَه، فيجوزُ له ذلك حينَها.

تفسير الآيتين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أخبَرَ اللهُ تعالى أنَّه سيُلقِي الرُّعبَ في قُلوبِ الكُفَّارِ، وأمَرَ مَن آمنَ بالضَّربِ فَوقَ أعناقِهم وبَنانِهم؛ حرَّضَهم على الصَّبرِ عند مُكافحةِ العَدُوِّ، ونهاهم عن الانهزامِ [213] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/292). .
وأيضًا لَمَّا قرَّرَ تعالى إهانةَ المُشركينَ في الدُّنيا والآخرةِ؛ حسُنَ أن يُتبِعَ ذلك نهيَ مَن ادَّعى الإيمانَ عَن الفِرارِ منهم، وتهديدَ منَ نكَصَ عنهم بعد هذا البيانِ، وهو يَدَّعي الإيمانَ [214] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/240). .
وأيضًا لَمَّا ذكَّرَ اللهُ المُسلمينَ بما أيَّدَهم يومَ بَدرٍ بالملائكةِ والنَّصرِ مِن عِندِه، وأكرَمَهم بأنْ نَصَرَهم على المُشركينَ الذينَ كانوا أشدَّ منهم، وأكثَرَ عَددًا وعُدَدًا، وأعقَبَه بأنْ أعلَمَهم أنَّ ذلك شأنُه مع الكافرينَ به- اعتَرَض في خلالِ ذلك بتحذيرِهم مِن الوَهَنِ، والفِرارِ منهم [215] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/286). ، فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً.
أي: يا أيُّها المؤمنونَ، إذا قابَلْتم الكفَّارَ، وقد دَنَوْا إليكم لِقِتالِكم، ودَنَوتُم إليهم لقِتالِهم، فاقتَرَب بعضُكم مِن بَعضٍ [216] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/448)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 433)، ((تفسير ابن عطية)) (2/509)، ((تفسير ابن كثير)) (4/27)، ((تفسير السعدي)) (ص: 317). .
فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ.
أي: فحِينذاك لا تُولُّوهم ظُهورَكم فرارًا منهم، فتَنهَزِموا عنهم، ولكنِ اثبُتُوا لقتالِهم [217] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/448)، ((تفسير ابن كثير)) (4/27)، ((تفسير السعدي)) (ص: 317). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال: 45] .
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16).
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ.
أي: ومَن يُوَلِّ الكُفَّارَ ظَهْرَه في ذلك الوَقتِ [218] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/448). .
إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ.
أي: إلَّا مَن يُوَلِّيهم ظَهْرَه، فينعطِفُ وينحَرِفُ عن اتِّجاهِه؛ ليخدَعَ عَدُوَّه ويُوهِمَه- مكيدةً له ومَكرًا به- أنَّه قد فرَّ منه، وخاف وانهزَمَ، ثم يكِرُّ عليه، فيكونُ ذلك أمكنَ له في قِتالِه، أو أنكى لعَدُوِّه، فلا بأسَ عليه في ذلك [219] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/448)، ((تفسير ابن كثير)) (4/27)، ((تفسير السعدي)) (ص: 317). .
أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ.
أي: أو إلَّا مَن يُوَلِّيهم ظَهْرَه؛ ليتنحَّى إلى حيِّزِ جماعةٍ أخرى مِن المُسلِمينَ، يريدونَ العودةَ إلى القِتالِ، فيعودُ معهم فيعاونُهم ويعاونونَه، فيجوزُ له ذلك [220] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/75)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/448-449)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/343-344)، ((تفسير ابن كثير)) (4/27). قال السَّعدي: (فإن كانت الفئةُ في العَسكرِ، فالأمرُ في هذا واضِحٌ، وإن كانت الفِئةُ في غيرِ مَحلِّ المعركةِ كانهزامِ المسلمينَ بين يدي الكافرينَ، والتجائِهم إلى بلدٍ مِن بُلدانِ المُسلِمينَ، أو إلى عسكرٍ آخَرَ مِن عسكَرِ المُسلمين، فقد ورد مِن آثارِ الصَّحابةِ ما يدُلُّ على أنَّ هذا جائزٌ، ولعل هذا يُقَيَّدُ بما إذا ظَنَّ المسلمونَ أنَّ الانهزامَ أحمَدُ عاقبةً، وأبقَى عليهم. أمَّا إذا ظنُّوا غلَبَتَهم للكُفَّارِ في ثباتِهم لقتالِهم، فيَبعُدُ- في هذه الحالِ- أن تكونَ مِن الأحوالِ المُرخَّصِ فيها، لأنَّه- على هذا- لا يُتصَوَّرُ الفِرارُ المنهيُّ عنه، وهذه الآيةُ مُطلقةٌ، وسيأتي في آخِرِ السورةِ تَقييدُها بالعَدَدِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 317). .
فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ.
أي: مَن ولَّاهم الدُّبُرَ بعد الزَّحفِ لقتالٍ، مُنهَزِمًا- بغيرِ نيَّةِ إحدى الخَلَّتينِ اللَّتينِ أباح اللهُ التَّوليَةَ بهما- فقد رَجَعَ بِغَضبٍ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ [221] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/81-82)، ((تفسير ابن كثير)) (4/28)، ((تفسير السعدي)) (ص: 317).  قال الواحدي: (وأكثَرُ المُفَسِّرينَ على أنَّ هذا الوعيدَ خاصٌّ فيمَن انهزَمَ يومَ بَدرٍ، ولم يكُنْ لهم أن ينحازُوا؛ لأنَّه لم يكُن يومَئذٍ في الأرضِ فِئةٌ للمُسلمينَ، فأمَّا بعد ذلك فإنَّ المُسلمينَ بعضُهم فئةٌ لبعضٍ). ((التفسير الوسيط)) (2/449). وقال ابنُ كثير: (وقد ذهب ذاهبونَ إلى أنَّ الفِرارَ إنَّما كان حرامًا على الصَّحابة؛ لأنَّه- يعني الجهادَ-كان فرضَ عَينٍ عليهم. وقيل: على الأنصارِ خاصَّةً؛ لأنهم بايَعُوا على السَّمعِ والطَّاعة في المَنشَطِ والمَكْرَه. وقيل: إنَّما المرادُ بهذه الآيةِ أهلُ بدرٍ خاصَّةً... وحُجَّتُهم في هذا: أنَّه لم تكن عِصابةٌ لها شَوكةٌ يَفِيئونَ إليها سوى عِصابَتِهم تلك، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللهمَّ إنْ تَهلِكْ هذه العِصابةُ، لا تُعبَدْ في الأرضِ»؛ ولهذا قال عبدُ الله بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسَن في قوله: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: ذلك يومَ بدرٍ، فأمَّا اليومَ: فإنِ انحازَ إلى فئةٍ أو مصرٍ- أحسَبُه قال- فلا بأسَ عليه... وهذا كلُّه لا ينفي أن يكونَ الفِرارُ مِن الزَّحفِ حرامًا على غيرِ أهلِ بَدرٍ، وإن كان سببُ النُّزولِ فيهم، كما دلَّ عليه حديثُ أبي هُريرةَ المتقَدِّمُ، من أنَّ الفِرارَ مِن الزَّحفِ مِن المُوبِقاتِ، كما هو مَذهَبُ الجماهيرِ، والله تعالى أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (4/29-30). وقال ابنُ جرير: (وأولى التأويلينِ في هذه الآيةِ بالصَّوابِ عندي قَولُ من قال: حُكمُها مُحكَمٌ، وأنَّها نزلت في أهلِ بَدرٍ، وحُكمُها ثابِتٌ في جميعِ المؤمنين، وأنَّ اللهَ حَرَّمَ على المؤمنينَ إذا لَقُوا العَدُوَّ أن يُوَلُّوهم الدُّبُرَ مُنهَزِمينَ، إلَّا لتحَرُّفٍ لقتالٍ، أو لتحيُّزٍ إلى فئةٍ مِنَ المؤمنينَ، حيث كانت من أرضِ الإسلامِ، وأنَّ مَن ولَّاهم الدُّبُرَ بعد الزَّحفِ لقتالٍ مُنهَزِمًا- بغيرِ نِيَّةِ إحدى الخَلَّتينِ اللَّتينِ أباح اللهُ التَّوليةَ بهما- فقد استوجَبَ مِن اللهِ وَعيدَه، إلَّا أن يتفضَّلَ عليه بِعَفوِه). ((تفسير ابن جرير)) (11/81). .
وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ.
أي: ومَصيرُه الذي يصيرُ إليه يومَ القِيامةِ، ومُنقَلَبُه ومَقَرُّه؛ نارُ جَهنَّمَ [222] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/82)، ((تفسير ابن كثير)) (4/28)، ((تفسير السعدي)) (ص: 317). قال الواحدي: (قَولُه: وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ لا يدلُّ على التَّخليدِ، ومعناه: أنَّ مَرجِعَه إليها إلى وقتِ الرَّحمةِ والشَّفاعةِ). ((التفسير الوسيط)) (2/450). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/384). .
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أي: وبِئسَ الموضِعُ الذي يصيرُ إليه [223] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/82). .
وقال تعالى عمَّن ولَّى من المسلمين دُبرَه فرارًا مِن المشركينَ، يومَ تلاقَى الفريقانِ بأُحُدٍ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران: 155] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اجتَنِبوا السَّبعَ المُوبقاتِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ: وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المُحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ )) [224] رواه البخاري (2766) واللفظ له، ومسلم (89). .

الفوائد التربوية:

في قولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ نهيٌ عن توليةِ العَدُوِّ الأدبارَ، وتضَمَّنَ هذا النَّهيُ الأمرَ بالثَّباتِ والمُصابَرة [225] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/292). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قولِ الله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ عبَّرَ بلَفظِ توليةِ الدُّبُرِ في وعيدِ كلِّ فَردٍ، كما عبَّرَ به في نهيِ الجَماعةِ؛ لتأكيدِ حُرمةِ جريرةِ الفرارِ مِن الزَّحفِ، وكونِ الفَردِ فيها كالجماعةِ [226] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/513). .
2- قولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فيه تحريمُ الفِرارِ مِن الزَّحفِ، وأنَّه مِن الكبائِرِ [227] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 134). .
3- قولُه تعالى: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ فيه رَدٌّ على الجهميَّةِ في إنكارِهم الغضبَ [228] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/464). .
4- قولُ اللهِ تعالى: وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ كأنَّ المُنهزِمَ أراد أن يأوِيَ إلى مكانٍ يأمَنُ فيه من الهَلاكِ، فعُوقِبَ على ذلك بجَعْلِ عاقِبَتِه التي يصيرُ إليها دارَ الهَلاكِ، والعَذابِ الدَّائِمِ، وجُوزِيَ بضِدِّ غَرَضِه مِن مَعصيةِ الفِرارِ [229] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/513). .

بلاغة الآيتين:

1- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ  خِطابٌ لِلمُؤمنينَ بحُكمٍ كُلِّيٍّ جارٍ فيما سيقَعُ مِن الوقائِعِ والحروبِ، جِيءَ به في تضاعيفِ القِصَّةِ؛ إظهارًا للاعتناءِ بِشَأنِه، ومبالغةً في حَضِّهم على المُحافظةِ عليه [230] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/12).
- وأُطلِقَ على مَشيِ المُقاتِلِ إلى عَدُوِّه في ساحةِ القِتالِ (زَحفٌ)؛ لأنَّه يَدنُو إلى العدُوِّ باحتراسٍ، وترَصُّدِ فُرصةٍ، فكأنَّه يزحَفُ إليه [231] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/286). .
- وعبَّرَ عن حالِ لِقائِهم بالمصدَرِ مبالغةً في التَّشبيهِ، فقال: زَحْفًا أي: حالَ كَونِهم زاحفينَ مُحارِبينَ، وهم مِن الكَثرةِ بحيثُ لا يُدرَكُ مِن حَرَكتِهم- وإن كانَت سَريعةً- إلَّا مِثلُ الزَّحفِ [232] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/240). .
2- قوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
- (توليةُ الأدبارِ) كنايةٌ عن الفِرارِ مِن العَدُوِّ بِقَرينةِ ذِكرِه في سياقِ لقاءِ العَدُوِّ؛ فهو مُستعمَلٌ في لازِمِ معناه مع بعضِ المعنى الأصليِّ [233] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/289) . .
- وعَدلَ عن لَفظِ (الظُّهورِ) إلى لَفظِ (الأدبارِ) في قَولِه: فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ؛ تقبيحًا لِفِعلِ الفارِّ، وتبشيعًا لانهزامِه [234] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/292). .
- قوله: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِصِفةٌ لـ غَضَبٍ مؤكِّدةٌ لِما أفادَه التَّنوينُ مِن الفخامةِ والهَولِ بالفخامةِ الإضافيَّةِ، أي: بغضَبٍ كائِنٍ منه تعالى [235] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/13) . .