موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ


عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الدِّينَ يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غلَبَه؛ فسَدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا، واستَعينوا بالغَدوةِ والرَّوحةِ وشَيءٍ من الدُّلجةِ [1763] الدُّلجةُ: هو سَيرُ اللَّيلِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 129). ) [1764] رواه البخاري (39). .
قال ابنُ المُنيرِ: (في هذا الحَديثِ عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ فقد رَأينا ورَأى النَّاسُ قَبلَنا أنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ في الدِّينِ ينقَطِعُ، وليس المُرادُ مَنعَ طَلَبِ الأكمَلِ في العِبادةِ؛ فإنَّه مِنَ الأُمورِ المَحمودةِ، بل مَنعَ الإفراطِ المُؤَدِّي إلى المَلالِ، أوِ المُبالَغةِ في التَّطَوُّعِ المُفضي إلى تَركِ الأفضَلِ، أو إخراجِ الفَرضِ عن وقتِه، كمَن باتَ يُصَلِّي اللَّيلَ كُلَّه، ويُغالبُ النَّومَ إلى أن غَلَبَته عَيناه في آخِرِ اللَّيلِ، فنامَ عن صَلاةِ الصُّبحِ في الجَماعةِ، أو إلى أن خَرَجَ الوقتُ المُختارُ، أو إلى أن طَلَعَتِ الشَّمسُ فخَرَجَ وقتُ الفريضةِ) [1765] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/94). .
وقال الذَّهَبيُّ: (الدِّينُ يُسرٌ، فواللَّهِ إنَّ تَرتيلَ سُبعِ القُرآنِ في تَهَجُّدِ قيامِ اللَّيلِ مَعَ المُحافظةِ على النَّوافِلِ الرَّاتِبةِ، والضُّحى، وتَحيَّةِ المَسجِدِ، مَعَ الأذكارِ المَأثورةِ الثَّابتةِ، والقَولِ عِندَ النَّومِ واليقَظةِ ودُبُرَ المَكتوبةِ، والسَّحَرِ، مَعَ النَّظَرِ في العِلمِ النَّافِعِ والاشتِغالِ به مُخلِصًا للَّهِ، مَعَ الأمرِ بالمَعروفِ، وإرشادِ الجاهِلِ وتَفهيمِه، وزَجرِ الفاسِقِ، ونَحوِ ذلك، مَعَ أداءِ الفرائِضِ في جَماعةٍ بخُشوعٍ وطُمَأنينةٍ وانكِسارٍ وإيمانٍ، مَعَ أداءِ الواجِبِ، واجتِنابِ الكبائِرِ، وكثرةِ الدُّعاءِ والاستِغفارِ، والصَّدَقةِ وصِلةِ الرَّحِمِ، والتَّواضُعِ، والإخلاصِ في جَميعِ ذلك: لشُغلٌ عَظيمٌ جَسيمٌ، ولمَقامُ أصحابِ اليمينِ وأولياءِ اللَّهِ المُتَّقينَ؛ فإنَّ سائِرَ ذلك مَطلوبٌ.
فمَتى تَشاغَلَ العابدُ بخَتمةٍ في كُلِّ يومٍ فقد خالَف الحَنيفيَّةَ السَّمحةَ، ولم ينهَضْ بأكثَرِ ما ذَكَرْناه، ولا تَدَبَّر ما يتلوه... وكُلُّ مَن لم يُلزِمْ نَفسَه في تَعَبُّدِه وأورادِه بالسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ يندَمُ ويتَرَهَّبُ ويسوءُ مِزاجُه، ويفوتُه خَيرٌ كثيرٌ مِن مُتابَعةِ سُنَّةِ نَبيِّه الرَّؤوفِ الرَّحيمِ بالمُؤمِنينَ، الحَريصِ على نَفعِهم، وما زالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعلِّمًا للأُمَّةِ أفضَلَ الأعمالِ، وآمِرًا بهَجرِ التَّبَتُّلِ والرَّهبانيَّةِ التي لم يُبعَثْ بها، فنَهى عن سَردِ الصَّومِ، ونَهى عنِ الوِصالِ، وعن قيامِ أكثَرِ اللَّيلِ إلَّا في العَشرِ الأخيرِ، ونَهى عنِ العُزبةِ للمُستَطيعِ، ونَهى عن تَركِ اللَّحمِ، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأوامِرِ) [1766] ((سير أعلام النبلاء)) (3/ 84-86). .

انظر أيضا: