موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ التَّجَسُّسِ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ التَّجَسُّسِ والتَّحَسُّسِ
قال أبو هِلالٍ العَسْكَريُّ: (الفَرْقُ بَيْنَ التَّحَسُّسِ والتَّجَسُّسِ: التَّحَسُّسُ -بالحاءِ المُهمَلةِ-: طَلَبُ الشَّيءِ بالحاسَّةِ، والتَّجَسُّسُ -بالجيمِ- مِثلُه. وفي الحديثِ: ((لا تَحَسَّسوا، ولا تَجَسَّسوا)) [1317] رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563) مطوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. . قيل: معناهما واحِدٌ، وعَطفُ أحَدِهما على الآخَرِ لاختِلافِ اللَّفظينِ، كقولِ الشَّاعِرِ:
متى أدْنُ منه يَنْأَ عنِّي ويَبعُدِ
وقيل: التَّجَسُّسُ -بالجيمِ- البحثُ عن عَوراتِ النِّساءِ، وبالحاءِ: الاستماعُ لحديثِ القومِ، ويُروى أنَّ ابنَ عبَّاسٍ سُئِل عن الفَرْقِ بَيْنَهما فقال: (لا يَبعُدُ أحَدُهما عن الآخَرِ: التَّحَسُّسُ في الخيرِ، والتَّجَسُّسُ في الشَّرِّ). قُلتُ: ويؤَيِّدُه قولُه تعالى حكايةً عن يعقوبَ: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ [يوسف: 87] ، بالحاءِ على القراءةِ المشهورةِ؛ فإنَّه كان متوقِّعًا لأن يأتيَه الخَبَرُ بسلامةِ يوسُفَ. وقولُه سُبحانَه: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] ، بالجيمِ؛ فإنَّ المنهيَّ عنه البَحثُ عن معايبِ النَّاسِ وأسرارِهم التي لا يَرضَون بإفشائِها، واطِّلاعِ الغيرِ عليها) [1319] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (117-118). .
وقال بعضُهم: (التَّحَسُّسُ بالحاءِ: أن تستَمِعَ الأخبارَ بنَفسِك، وبالجيمِ: أن تتفَحَّصَ عنها بغَيرِك) [1320] ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين)) لابن النحاس (ص: 45). .
وقال التِّرمِذيُّ الحكيمُ: (التَّحَسُّسُ -يعني بالحاءِ- هو طَلَبُ أخبارِه والفَتشُ عنه؛ شَفَقةً ونُصحًا واحتياطًا، فتَطيبُ نفسُه لطِيبِ أخبارِه، وحُسنِ حالِه، أو ليَرفِدَه إن كان في أمرِه خَلَلٌ بنُصحٍ واحتياطٍ ومعونةٍ، والتَّجَسُّسُ: أن تُفَتِّشَ عن أخبارٍ مُغَطَّاةٍ مكروهةٍ أن تَعلَمَ بها، فتستخرِجَها بفَتْشِك؛ لهَتكِ السُّتورِ، والكَشْفِ عن العَوراتِ والمساوئِ) [1321] ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين)) لابن النحاس (ص: 46). .
وقال ابنُ حبيبٍ: (بالحاءِ: أن تسمَعَ ما يقولُ أخوك فيك، وبالجيمِ: أن تُرسِلَ مَن يسألَ لك عما يُقالُ لك في أخيك من السُّوءِ) [1322] ((عمدة القاري)) للعيني (20/ 133). .
وقيل: (التَّحَسُّسُ بالحاءِ: أن يَطلُبَه لنَفسِه، والتَّجَسُّسُ بالجيمِ: أن يَطلُبَه لغيرِه، ومنه الجاسوسُ) [1323] ((شرح السنة)) للبغوي (13/ 112). .
الفَرْقُ بَيْنَ التَّجَسُّسِ واستِراقِ السَّمعِ:
أنَّ التَّجَسُّسَ: هو التَّنقيبُ عن أمورٍ مُعَيَّنةٍ يبغي المتجَسِّسُ الحصولَ عليها، أمَّا استِراقُ السَّمعِ فيكونُ بحَملِ ما يقَعُ له من معلوماتٍ. وأنَّ التَّجَسُّسَ مَبناه على الصَّبرِ والتَّأنِّي للحُصولِ على المعلوماتِ المطلوبةِ، أمَّا استِراقُ السَّمعِ فإنَّ مَبناه على التَّعَجُّلِ.
ويرى البَعضُ: أنَّ التَّجَسُّسَ يعني البحثَ عن العوراتِ، وأنَّه أكثَرُ ما يُقالُ في الشَّرِّ. أمَّا استِراقُ السَّمعِ فيكونُ فيه حَملُ ما يقعُ له من أقوالٍ، خيرًا كانت أم شَرًّا [1324] ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (3/ 279). .
الفَرْقُ بَيْنَ التَّجَسُّسِ والاستِماعِ والإنصاتِ:
أنَّ الاستماعَ لا يكونُ إلَّا بالسَّمعِ، أمَّا التَّجَسُّسُ فإنَّه يكونُ بالسَّمعِ وبغيرِه، فضلًا عن أنَّ التَّجَسُّسَ يكونُ على سبيلِ الاستخفاءِ، في حينِ أنَّ الاستماعَ يكونُ على سبيلِ الاستخفاءِ أو على سبيلِ المجاهَرةِ.
أمَّا الإنصاتُ فهو السُّكوتُ للاستِماعِ، ويكونُ الاستِماعُ إمَّا لصوتِ الإنسانِ، أو الحيوانِ، أو الجَمادِ [1325] ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (4/ 85). .

انظر أيضا: