موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


ترتيبُ أوصافِ البخيلِ:
يقالُ: رجلٌ بخيلٌ، ثمَّ مِسِّيكٌ: إذا كان شديدَ الإمساكِ لمالِه، ثمَّ لَحِزٌ: إذا كان ضَيِّقَ النَّفسِ شديدَ البُخلِ، ثمَّ شَحيحٌ: إذا كان مع شِدَّةِ بُخلِه حريصًا، ثمَّ فاحِشٌ: إذا كان متشَدِّدًا في بُخلِه، ثمَّ حِلِزٌّ: إذا كان في نهايةِ البُخلِ [1109] يُنظَر: ((فقه اللغة)) للثعالبي (ص: 111). .
البخيلُ يذهَبُ إلى ما منه يَهرُبُ:
فقد قيل: (عَجَبًا للبخيلِ المتعَجِّلِ للفقرِ الذي منه هَرَب، والمؤخِّرِ للسَّعةِ التي إيَّاها طَلَب! ولعَلَّه يموتُ بَيْنَ هَرَبِه وطَلَبِه، فيكونُ عَيشُه في الدُّنيا عيشَ الفُقَراءِ، وحسابُه في الآخرةِ حِسابَ الأغنياءِ، مع أنَّك لم تَرَ بخيلًا إلَّا غيرُه أسعَدُ بمالِه منه؛ لأنَّه في الدُّنيا مهتَمٌّ بجَمعِه، وفي الآخرةِ آثمٌ بمنعِه، وغيرُه آمِنٌ في الدُّنيا من همِّه، وناجٍ في الآخِرةِ من إثمِه) [1110] يُنظَر: ((الآداب الشرعية)) لابن مُفلِح (3/ 16). .
إذا بَخِل الزَّوجُ بالنَّفَقةِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قالت هندٌ امرأةُ أبي سفيانَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، وليس يُعطيني ما يكفيني ووَلَدي إلَّا ما أخذتُ منه وهو لا يَعلَمُ، قال: خُذي ما يكفيكِ وولَدَكِ بالمعروفِ)) [1111] أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714). .
فأذِنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهندٍ أن تأخُذَ من مالِ زوجِها أبي سفيانَ بغيرِ عِلمِه ما يكفيها ويكفي ولَدَها، ولكِنْ بالمعروفِ، يعني لا تزيدُ على ذلك، فدَلَّ هذا على أنَّه يجوزُ لمن له النَّفقةُ على شخصٍ وامتنَع مَن عليه النَّفقةُ مِن بَذلِ النَّفقةِ، أن يأخُذَ من مالِه بقَدْرِ النَّفَقةِ، سواءٌ عَلِم أم لم يعلَمْ، وسواءٌ أذِنَ أم لم يأذَنْ، فللمرأةِ مَثَلًا أن تأخُذَ من مالِ زَوجِها ما يكفيها ويكفي أولادَها، سواءٌ عَلِم أم لم يَعلَمْ [1112] يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 143). .
حَدُّ البُخلِ والسَّخاءِ:
قد تكلَّم النَّاسُ في حدِّ البُخلِ والسَّخاءِ؛ فذهب قومٌ إلى أنَّ حَدَّ البُخلِ منعُ الواجِبِ، وأنَّ من أدَّى ما يجبُ عليه فليس ببخيلٍ، وهذا غيرُ كافٍ؛ فإنَّ من لم يُسَلِّمْ إلى عيالِه إلَّا القَدْرَ الذي يَفرِضُه الحاكِمُ، ثمَّ يضايقُهم في زيادةِ لُقمةٍ أو ثمَرةٍ، فإنَّه معدودٌ من البُخلاءِ؛ فالصَّحيحُ أنَّ البراءةَ من البُخلِ تحصُلُ بفِعلِ الواجِبِ في الشَّرعِ واللَّازِم بطريقِ المروءةِ مع طِيبِ القَلبِ بالبَذلِ؛ فأمَّا الواجِبُ بالشَّرعِ فهو الزَّكاةُ، ونفقةُ العيالِ. وأمَّا اللَّازمُ بطريقِ المروءةِ فهو تَركُ المضايقةِ والاستِقصاءِ عن المحَقَّراتِ؛ فإنَّ ذلك يُستقبَحُ، ويختَلِفُ ذلك باختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ؛ فقد يُستقبَحُ من الغَنيِّ ما لا يُستقبَحُ من الفقيرِ، ويُستقبَحُ من الرَّجُلِ المضايقةُ لأهلِه وأقارِبِه وجيرانِه ما لا يُستقبَحُ من الأجانبِ؛ فالبخيلُ: الذي يمنَعُ ما لا ينبغي أن يُمنَعَ، إمَّا بحُكمِ الشَّرعِ أو لازمِ المروءةِ. ومن قام بواجِبِ الشَّرعِ ولازِمِ المروءةِ فقد تبرَّأ من البُخلِ، لكنْ لا يتَّصِفُ بصفةِ الجودِ ما لم يَبذُلْ زيادةً على ذلك [1113] ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (3/ 74). .
مقالةُ اليهودِ الشَّنيعةُ في اللهِ جلَّ وعلا:
قال اللهُ تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة: 64] ، يخبِرُ تعالى عن مقالةِ اليهودِ الشَّنيعةِ وعقيدتِهم الفظيعةِ، فقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، أي: عن الخيرِ والإحسانِ والبِرِّ. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا، وهذا دعاءٌ عليهم بجِنسِ مقالتِهم؛ فإنَّ كلامَهم متضَمِّنٌ لوصفِ اللهِ الكريمِ، بالبُخلِ وعَدَمِ الإحسانِ، فجازاهم بأنْ كان هذا الوصفُ مُنطَبِقًا عليهم، فكانوا أبخَلَ النَّاسِ وأقَلَّهم إحسانًا، وأسوَأَهم ظنًّا باللهِ، وأبعَدَهم اللهُ عن رحمتِه التي وَسِعَت كُلَّ شيءٍ، وملأَت أقطارَ العالَمِ العُلويِّ والسُّفليِّ؛ ولهذا قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [1114] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 238). .

انظر أيضا: