موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ إفشاءِ السِّرِّ ومَظاهِرُه


1- إفشاءُ أسرارِ المُسلِمين:
لقد نهى الشَّارِعُ الكريمُ عن إفشاءِ أسرارِ المُسلِمين وأمَر بسَتْرِها وكِتمانِها؛ لِما في ذلك مِن حِفظٍ لأعراضِهم؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: 19] ، وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلِمُ أخو المُسلِمِ لا يَظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومَن فَرَّج عن مُسلِمٍ كُربةً فَرَّج اللهُ عنه كُربةً من كُرُباتِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَر مُسلِمًا ستَرَه اللهُ يومَ القيامةِ)) [846] أخرجه البخاري (2442) واللَّفظُ له، ومسلم (2580). .
2- إفشاءُ أسرارِ الدَّولةِ:
إذا كان إفشاءُ أسرارِ الأفرادِ مذمومًا فإفشاءُ أسرارِ الدَّولةِ أشَدُّ ذَمًّا، وأعظَمُ جُرمًا، ويترتَّبُ عليه من المفاسِدِ الشَّيءُ الكثيرُ الذي يُزعزِعُ أمنَ البلَدِ واستِقرارَها، ويُمكِّنُ أعداءَها منها.
3- إفشاءُ الأسرارِ الزَّوجيَّةِ:
لقد جعَل اللهُ سُبحانَه وتعالى لكُلٍّ من الزَّوجَينِ حقوقًا وواجباتٍ، ومن هذه الحُقوقِ حِفظُ الأسرارِ الزَّوجيَّةِ؛ فكُلٌّ من الزَّوجَينِ أمينٌ على أسرارِ الآخَرِ، يجِبُ عليه حِفظُها وعدَمُ إفشائِها، ومن أعظَمِ هذه الأسرارِ وأشَدِّها أسرارُ الجِماعِ وما يجري بَينَ الزَّوجَينِ في الفِراشِ. عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ من أشَرِّ النَّاسِ عِندَ اللهِ مَنزِلةً يومَ القيامةِ الرَّجُلُ يُفضي إلى امرأتِه وتُفضي إليه، ثمَّ ينشُرُ سِرَّها)) [847] أخرجه مسلم (1437). .  قال السَّفَّارينيُّ: (يُكرَهُ لكُلٍّ من الزَّوجَينِ التَّحَدُّثُ بما صار بَينَهما ولو لضَرَّتِها... لأنَّه من السِّرِّ، وإفشاءُ السِّرِّ حرامٌ) [848] يُنظر: ((غذاء الألباب)) (1/118). . وكذلك فكُلٌّ من الزَّوجَينِ مُطالَبٌ بحِفظِ باقي الأسرارِ الأخرى التي تقَعُ في الحياةِ الزَّوجيَّةِ، بل حتَّى بَعدَ الفِراقِ بطَلاقٍ أو غيرِه، لا ينبغي له إفشاءُ ما كان بَينَه وبَينَ زَوجِه من أسرارٍ خاصَّةٍ لا ينبغي إطلاعُ الغيرِ عليها. (يُروى عن بعضِ الصَّالِحين أنَّه أراد طَلاقَ امرأةٍ، فقيل له: ما الذي يَريبُك فيها؟ فقال: العاقِلُ لا يَهتِكُ سِترَ امرأتِه، فلمَّا طَلَّقَها قيل له: لمَ طلَّقْتَها؟ فقال: ما لي ولامرأةِ غَيري؟!) [849] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/56). .
4- إفشاءُ وإعلانُ الذُّنوبِ التي يَرتَكِبُها: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((كُلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرين، وإنَّ من المُجاهَرةِ أن يعمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عَمَلًا، ثمَّ يُصبِحَ وقد ستَرَه اللهُ عليه، فيقولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستُرُه رَبُّه، ويصبِحُ يَكشِفُ سِترَ اللهِ عنه)) [850] أخرجه البخاري (6069) واللَّفظُ له، ومسلم (2990). .
5- إفشاءُ الغاسِلِ حالَ المَيِّتِ:
كأن يرى الغاسِلُ من بَدَنِ الميِّتِ سوادًا، أو تغَيُّرَ رائحةٍ، أو انقِلابَ صُورةٍ؛ حَرُمَ ذِكْرُه؛ لأنَّه غِيبةٌ لِمَن لا يتأتَّى الاستحلالُ منه، بخلافِ ما لو رأى الغاسِلُ مِن بدَنِ الميِّتِ خَيرًا كاستِنارةِ وَجهِه، وطِيبِ رائحتِه، ذكَرَه نَدبًا؛ ليكونَ أدعى لكثرةِ المُصَلِّين عليه، والدُّعاءِ له [851] يُنظر: ((مغني المحتاج)) (2/46). . قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن سَتَر مُسلِمًا ستَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرةِ)) [852] أخرجه مسلم (2699) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه. .
6- إفشاءُ بَعضِ المحامينَ أسرارَ بَعضِ عُمَلائِهم، فيُفشي المحامي سِرَّهم أو يبيعُه للخُصومِ، وهذا فيه خيانةٌ للأمانةِ، وإضرارٌ بالآخَرينَ.
7- إفشاءُ الأصحابِ الأسرارَ التي استأمَن بعضُهم بعضًا عليها، وهذا شائعٌ بَينَ الشَّبابِ الذين يتندَّرون على أصحابِهم، ويَجعَلون إفشاءَ أسرارِهم مَدعاةً للضَّحِكِ والاستهزاءِ فيما بَينَهم.
8- إفشاءُ الأسرارِ الماليَّةِ لعُمَلاءِ المُؤَسَّساتِ الماليَّةِ، مِثلُ البُنوكِ وغَيرِها.
9- إفشاءُ بعضِ شَرِكاتِ الهواتِفِ الأسرارَ ونَشرُها أرقامَ العُمَلاءِ المُسَجَّلين لديهم دونَ الاستئذانِ منهم، وإعطاؤُها بياناتِ العُمَلاءِ لشَرِكاتٍ أُخرى مخصَّصةٍ في الدِّعايةِ والإعلانِ والتَّسويقِ الرَّقْميِّ؛ ممَّا يتسَبَّبُ في مُشكِلاتٍ اجتماعيَّةٍ وإزعاجٍ للنَّاسِ، مع ضياعِ أموالهم.
10- إفشاءُ أسرارِ المُؤَسَّساتِ ونَشْرُها على وسائِلِ التَّواصُلِ الاجتِماعيِّ ومواقِعِ الإنترنتِ.

انظر أيضا: