موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


نهى النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن الإطراءِ في مواطِنَ؛ منها:
1- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سمع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا يُثني على رجلٍ ويُطريه في مدحِه، فقال: أهلَكْتُم -أو قطَعْتُم - ظَهْرَ الرَّجُلِ)) [414] أخرجه البخاري (2663) واللفظ له، ومسلم (3001). .
في هذا الحديثِ نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المبالغةِ في مدحِ الرَّجُلِ بما ليس فيه؛ فيدخُلُه من ذلك الإعجابُ، ويظنُّ أنَّه في الحقيقةِ بتلك المنزلةِ؛ ولذلك قال: قطعتُم ظَهرَ الرَّجُلِ، حين وصفتُموه بما ليس فيه، فربَّما حمله ذلك على العُجبِ والكِبرِ، وعلى تضييعِ العَمَلِ، وتَركِ الازديادِ من الفَضلِ [415] ((شرح البخاري)) لابن بطال (9/ 253). .
2-عن ابنِ عبَّاسٍ سمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ على المِنبرِ: ((سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: لا تُطْروني كما أطْرَتِ النَّصارى ابنَ مريمَ؛ فإنَّما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورَسولُه)) [416] أخرجه البخاري (3445). .
في هذا الحديثِ نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المبالغةِ في مدحِه؛ لأنَّ النَّصارى أفرَطوا في مدحِ عيسى عليه السَّلامُ وإطرائِه بالباطِلِ، حتَّى جعلوه ولدًا للهِ تعالى، فمنَعهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أن يُطْروه بالباطِلِ لذلك [417] ((شرح السنة)) للبغوي (13/ 246). ، وفى هذا من الفقهِ أنَّ من رفع امرأً فوقَ حَدِّه، وتجاوزَ به مقدارَه بما ليس فيه، فمُعتَدٍ آثمٌ؛ لأنَّ ذلك لو جاز في أحدٍ لكان أَولى الخلقِ بذلك رسولَ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [418] ((شرح البخاري)) لابن بطال (9/ 254، 255). .
3- عن همَّامِ بنِ الحارِثِ: (أنَّ رجلًا جعل يمدَحُ عثمانَ، فعمَد المقدادُ فجَثا على ركبَتَيه، وكان رجلًا ضخمًا، فجعل يحثو في وَجهِه الحَصباءَ، فقال له عثمانُ: ما شأنُك؟ فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إذا رأيتُم المدَّاحينَ فاحْثُوا في وجوهِهم التُّرابَ) [419] أخرجه مسلم (3002). قال النووي: (هذا الحديثُ قد حمله على ظاهِرِه المقدادُ -الذي هو راويه- ووافقه طائفةٌ، وكانوا يحثُون الترابَ في وجهِه حقيقةً، وقال آخرون: معناه: خيِّبوهم فلا تعطوهم شيئًا لمدحِهم، وقيل: إذا مُدِحتم فاذكروا أنَّكم من ترابٍ، فتواضَعوا ولا تعجَبوا. وهذا ضعيفٌ). شرح النووي على مسلم (18/ 128). .
في هذا الحديثِ أمرَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بحِرمانِ المدَّاحين، وهم الذين اتَّخذوا مدحَ النَّاسِ عادةً، وجعلوه بضاعةً يستأكِلون به الممدوحَ ويَفتِنونه، فيُحرَمُ هؤلاء من العطاءِ الذي يبالغونَ في مدحِ النَّاسِ من أجلِه؛ زجرًا لهم ولغيرِهم عن القيامِ بذلك [420] ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 111). .
4- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكْرةَ، عن أبيه، قال: ((أثنى رجلٌ على رجلٍ عند النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: وَيْلَك! قطَعْتَ عُنُقَ أخيك، ثلاثًا، من كان منكم مادِحًا لا محالةَ، فليقُلْ: أحسَبُ فلانًا، واللهُ حسيبُه، ولا أزكِّي على اللهِ أحدًا، إن كان يعلَمُ)) [421] أخرجه البخاري (6162) واللفظ له، ومسلم (3000). .
في هذا الحديثِ أمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن لا يقطَعَ المرءُ بتزكيةِ من لا يطَّلِعُ على باطنِه [422] ((اللامع الصبيح)) للبرماوي (8/ 208). ، واعتبر تزكيةَ الرَّجُلِ إذا اقتصَد المادحُ؛ لأنَّه لم يعِبْ عليه إلَّا الإسرافَ والتَّغاليَ في المدحِ [423] ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 111). .

انظر أيضا: