موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: أخطاءٌ شائِعةٌ حَولَ النَّصيحةِ


1- ليس كُلُّ نصيحةٍ تُقدَّمُ تُقبَلُ، وإنَّما ينبغي النَّظرُ إلى حالِ مَن يبذُلُ النَّصيحةَ، وصِدقِ نيَّتِه في بَذلِها، وترفُّعِه عن تحقيقِ مآرِبِه وأغراضِه، فتأمَّلْ نصيحةَ إبليسَ لآدَمَ وحوَّاءَ عليهما السَّلامُ التي قرَنها بالقَسَمِ، وحمَلَت في ظاهِرِها إرادةَ مَصلَحةِ المنصوحِ ودَلالتَه على ما ينفَعُه، وفي الحقيقةِ هو يُضمِرُ الشَّرَّ لهما، ولا يُريدُ لهما الخيرَ؛ قال تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 20 - 21] .
وكذلك نصيحةُ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ لأبيهم؛ قال تعالى: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [يوسف: 11 - 12] .
فهاهُم يُظهِرونَ حِرصَهم على أخيهم يوسُفَ، وخَوفَهم عليه، ونُصحَهم له، وتعهُّدَهم لأبيهم برِعايتِه، ومعَ ما يحمِلُه كلامُهم مِن طابَعِ النُّصحِ؛ فإنَّهم أرادوا إيقاعَ السُّوءِ بيوسُفَ عليه السَّلامُ!
2- الخَوفُ مِن بَذلِ النَّصيحةِ اعتِقادًا بأنَّه قد يترتَّبُ على بَذلِها آثارٌ سيِّئةٌ، كظنِّ المنصوحِ أنَّ مُرادَ النَّاصِحِ تنقيصُه أو تعييرُه أو تهديدُه بالفضيحةِ، ومِثلُ هذا لا يُعالَجُ بتَركِ النَّصيحةِ، إنَّما بالحِرصِ على مُراعاةِ ضَوابِطِ النَّصيحةِ، وإخراجِها في صورةٍ حَسنةٍ، واختيارِ الوَقتِ المُناسِبِ لإبدائِها والبَوحِ بها، فذلك أدعى للنَّفسِ أن تقبَلَها، وأن تستمِعَ لها بصَدرٍ رَحبٍ، وتقبَلَها ما دام المنصوحُ عاقِلًا عارِفًا محبَّةَ إخوانِه له، وحِرصَهم عليه [9236] ينظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/ 38)، ((مجموع رسائل ابن رجب)) (2/ 412). .
3- الاعتِقادُ بأنَّ النَّصيحةَ تُبذَلُ مرَّةً ولا تُعادُ على المنصوحِ، وإن دعَت الحاجةُ إلى إعادتِها وتَكرارِها،
وهذا خطأٌ؛ فإنَّ على المُسلِمِ أن ينصَحَ ويُكرِّرَ النُّصحَ ويُعيدَه، ولا ييأسَ مِن استِجابةِ المنصوحِ.
4- الاعتقادُ بأنَّ النَّصيحةَ تتعلَّقُ بأمورِ الدِّينِ فحسْبُ، وهذا اعتقادٌ خطأٌ، فلا تتوقَّفُ النَّصيحةُ على أمورِ الدِّينِ، بل تتعدَّاها إلى النُّصحِ في جميعِ المصالِحِ الدُّنيويَّةِ، كأن يستنصِحَك أخوك في الالتِحاقِ بوَظيفةٍ، أو شراءِ سيَّارةٍ، فعلى المُسلِمِ أن يُشيرَ عليه وينصَحَه بما فيه الخيرُ والنَّفعُ له.
5- الاعتِقادُ بأنَّ النُّصحَ بالتَّحذيرِ مِن إنسانٍ بذِكرِ فُجورِه أو ضلالِه أو خِيانتِه؛ أنَّ ذلك يُعَدُّ مِن الغِيبةِ، وهذا خطأٌ، وقد أوضَح ابنُ القيِّمِ الفَرقَ بَينَ النَّصيحةِ والغِيبةِ، فقال: (الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والغِيبةِ أنَّ النَّصيحةَ يكونُ القَصدُ فيها تحذيرَ المُسلِمِ مِن مُبتدِعٍ أو فتَّانٍ أو غاشٍّ أو مُفسِدٍ، فتذكُرُ ما فيه إذا استشارك في صُحبتِه ومُعامَلتِه والتَّعلُّقِ به، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لفاطِمةَ بنتِ قيسٍ وقد استشارَته في نِكاحِ مُعاوِيةَ وأبي جَهمٍ، فقال: ((أمَّا مُعاوِيةُ فصُعلوكٌ، وأمَّا أبو جَهمٍ فلا يضَعُ عَصاه عن عاتِقِه)) [9237] أخرجه مسلم (1480) من حديثِ فاطمةَ بنتِ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنها، بلفظ: ((أمَّا أبو جهمٍ فلا يضَعُ عصاه عن عاتِقِه، وأمَّا معاويةُ فصُعلوكٌ لا مالَ له)). ...، فإذا وقَعَت الغِيبةُ على وَجهِ النَّصيحةِ للهِ ورسولِه وعِبادِه المُسلِمينَ؛ فهي قُربةٌ إلى اللهِ مِن جُملةِ الحَسَناتِ، وإذا وقَعَت على وَجهِ ذَمِّ أخيك وتمزيقِ عِرضِه والتَّفكُّهِ بلَحمِه والغضِّ منه؛ لتضَعَ منزِلتَه مِن قُلوبِ النَّاسِ، فهي الدَّاءُ العُضالُ، ونارُ الحَسَناتِ التي تأكُلُها كما تأكُلُ النَّارُ الحَطبَ) [9238] ((الروح)) (ص: 240). .

انظر أيضا: