موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ وبعضِ الصِّفاتِ 


الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والتَّعييرِ:
أنَّ النَّصيحةَ والتَّعييرَ يشترِكانِ في أنَّ كُلًّا منهما ذِكرٌ للإنسانِ بما يكرَهُ ذِكرَه، ويفترِقانِ في أنَّ النَّصيحةَ فيها مصلحةٌ لعامَّةِ المُسلِمينَ أو لخاصَّتِهم، أو مصلحةُ المنصوحِ نَفسِه، أمَّا التَّعييرُ فالمقصودُ منه مُجرَّدُ الذَّمِّ والعيبِ، وإظهارُ السُّوءِ وإشاعتُه وإن ظهَر في قالَبِ النُّصحِ [9142] يُنظر: ((الفرق بين النصيحة والتعيير)) لابن رجب (ص: 7-22). .
الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والوَعظِ:
قال الجُرجانيُّ: (الوَعظُ: التَّذكيرُ بالخيرِ فيما يرِقُّ له القلبُ) [9143] ((التعريفات)) (ص: 253). .
وقيل: (إهزازُ النَّفسِ بموعودِ الجزاءِ ووَعيدِه) [9144] ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص: 339). .
فالوَعظُ نصيحةٌ لكن مقرونةٌ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، وذِكرِ ما يُليِّنُ القلبَ مِن الثَّوابِ والعِقابِ.
الفَرقُ بَينَ التَّواصي والوَصيَّةِ والنَّصيحةِ:
(بَينَ هذه الأمورِ الثَّلاثةِ تقارُبٌ في المعنى، فجميعُها يُراعى فيه إرادةُ الخَيرِ للمنصوحِ أو الموصى، ودُعاؤُه إلى ما فيه صلاحُه، بَيدَ أنَّ النَّصيحةَ يُراعى فيها قَيدُ الإخلاصِ، وضِدُّها الغِشُّ، أمَّا الوَصيَّةُ فيُراعى فيها المحبَّةُ والتَّأكيدُ ومَزيدُ الاهتِمامِ، وكلاهما يقتضي طرفَينِ أحدُهما مُعطٍ والآخَرُ مُتلَقٍّ؛ فالمُعطي هو النَّاصِحُ أو الموصي، أمَّا المُتلقِّي فهو المنصوحُ أو الموصى، أمَّا في التَّواصي فإنَّ كلا الطَّرفَينِ مُعطٍ ومُتلَقٍّ في آنٍ واحِدٍ؛ لأنَّه يوصي غَيرَه، ويوصيه غَيرُه في حالِ حياتِهما) [9145] ((نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)) (8/ 3492). .
الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والتَّأنيبِ:
قال ابنُ القيِّمِ: (والفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والتَّأنيبِ: أنَّ النَّصيحةَ إحسانٌ إلى مَن تنصَحُه بصورةِ الرَّحمةِ له والشَّفقةِ عليه، والغَيرةِ له وعليه، فهو إحسانٌ مَحضٌ يصدُرُ عن رحمةٍ ورقَّةٍ، ومُرادُ النَّاصِحِ بها وَجهُ اللهِ ورِضاه، والإحسانُ إلى خَلقِه، فيتلطَّفُ في بَذلِها غايةَ التَّلطُّفِ، ويحتمِلُ أذى المنصوحِ ولائِمتَه، ويُعامِلُه مُعاملةَ الطَّبيبِ العالِمِ المُشفِقِ للمريضِ المُشبَعِ مَرضًا، وهو يحتمِلُ سوءَ خُلقِه وشَراستَه ونُفرتَه، ويتلطَّفُ في وُصولِ الدَّواءِ إليه بكُلِّ مُمكِنٍ، فهذا شأنُ النَّاصِحِ، وأمَّا المُؤنِّبُ فهو رجُلٌ قَصدُه التَّعييرُ والإهانةُ وذَمُّ مَن يُؤنِّبُه وشَتمُه في صورةِ النُّصحِ؛ فهو يقولُ له: يا فاعِلَ كذا وكذا، يا مُستحِقًّا الذَّمَّ والإهانةَ، في صورةِ ناصِحٍ مُشفِقٍ، وعلامةُ هذا أنَّه لو رأى مَن يُحِبُّه ويُحسِنُ إليه على مِثلِ عَملِ هذا أو شَرٍّ منه لم يعرِضْ له ولم يَقُلْ له شيئًا، ويطلُبُ له وُجوهَ المعاذيرِ، فإن غُلِب قال: وأيُّنا ضُمِنَت له العِصمةُ، والإنسانُ عُرضةٌ للخطأِ، ومحاسِنُه أكثَرُ مِن مساويه، واللهُ غفورٌ رحيمٌ، ونحوُ ذلك؟ فيا عَجبًا! كيف كان هذا لمَن يُحِبُّه دونَ مَن يُبغِضُه، وكيف كان حَظُّ ذلك منك التَّأنيبَ في صورةِ النُّصحِ، وحظُّ هذا منك رَجاءَ العَفوِ والمغفرةِ وطَلبَ وُجوهِ المعاذيرِ؟! ومِن الفُروقِ بَينَ النَّاصِحِ والمُؤنِّبِ أنَّ النَّاصِحَ لا يُعاديك إذا لم تقبَلْ نصيحتَه، وقال: قد وقَع أجري على اللهِ قبِلْتَ أو لم تقبَلْ، ويدعو لك بظَهرِ الغَيبِ، ولا يذكُرُ عُيوبَك، ولا يُبيِّنُها في النَّاسِ، والمُؤنِّبُ بضِدِّ ذلك) [9146] ((الروح)) (ص: 257، 258). .
الفَرقُ بَينَ النَّصيحةِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ:
النَّصيحةُ أعَمُّ مِن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وأشمَلُ؛ فهي أمرٌ بالمعروفِ ونَهيٌ عن المُنكَرِ وزِيادةٌ [9147] ((فقه النصيحة)) للجوهرة بنت صالح (ص: 13). .

انظر أيضا: