موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: ضوابِطُ المُزاحِ المحمودِ


1- ألَّا يكونَ فيه استهزاءٌ بشيءٍ من أمورِ الدِّينِ:
فالاستهزاءُ بالدِّينِ يُعَدُّ ناقِضًا من نواقِضِ الإسلامِ، ومخرِجًا لصاحِبِه من المِلَّةِ؛ قال سُبحانَه وتعالى:وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66] .
2- ألَّا يتضَمَّنَ المُزاحُ سُخريَّةً أو استهزاءً بالآخَرينَ:
وما أكثَرَ هذه الآفةَ في المَزَّاحينَ! ولا يخفى أنَّ السُّخريَّةَ بالآخَرينَ تُعدُّ كبيرةً من الكبائِرِ؛ قال سُبحانَه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] .
3- أن يكونَ هذا المُزاحُ بصِدقٍ:
فلا يُدخِلُ المازِحُ فيه الكَذِبَ من أجلِ إضحاكِ مَن حَولَه، فقد جعل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا ضابِطًا لمَزْحِه الذي يجِبُ علينا أن نتأسَّى به فيه، وذلك عندما قال له الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم: ((يا رسولَ اللهِ، إنَّك تُداعِبُنا! قال: إنِّي لا أقولُ إلَّا حَقًّا)) [8580] أخرجه الترمذي (1990)، وأحمد (8723) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1990)، وحسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (6/547)، وحسَّن إسنادَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/20)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8723)، وجوَّده ابنُ الملقن في ((شرح البخاري)) (24/607). . وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((وَيْلٌ للذي يحَدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ به القومَ، وَيلٌ له، وَيلٌ له!)) [8581]أخرجه أبو داود (4990)، وأحمد (20046) واللفظ لهما، والترمذي (2315) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/74)، وحسَّنه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4990)، وقوَّى إسنادَه ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (446)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4990). .
4- ألَّا يترَتَّبَ عليه ضرَرٌ على الآخَرينَ:
وذلك مِثلُ ترويعِ الشَّخصِ بقَصدِ المُزاحِ معه؛ فقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، قال: ((حدَّثنا أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم كانوا يسيرون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنام رجلٌ منهم، فانطلق بعضُهم إلى حَبلٍ معه فأخَذه، ففَزِع، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يحِلُّ لمُسلِمٍ أن يُرَوِّعَ مُسلِمًا)) [8582] أخرجه أبو داود (5004) واللفظ له، وأحمد (23064). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5004)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1470)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5004)، ووثَّق رواتَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/64)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (6/62): إسنادُه لا بأسَ به. .
5- ألَّا يتَّخِذَ المرءُ المُزاحَ دَيدَنَه وعادتَه:
وإنَّما يكونُ كالمِلْحِ في الطَّعامِ، وكان يقالُ: (المَزْحُ في الكلامِ كالمِلْحِ في الطَّعامِ) [8583] ((اللطائف والظرائف)) للثعالبي (ص: 151). . وذلك لأنَّ الإكثارَ من المُزاحِ مُذهِبٌ للمُروءةِ، ويُفقِدُ الشَّخصَ الهَيبةَ، وقد يؤدِّي إلى أن يجعَلَ الشَّخصَ عُرضةً لسُخريَّةِ الآخَرين منه، كما ينبغي عليه ألَّا يبالِغَ في المُزاحِ، ولا يُطيلَ فيه.
6- أن يُراعيَ الشَّخصَ الذي يمزَحُ معه:
فما كُلُّ أحدٍ يُمزَحُ معه، ولا بُدَّ من إنزالِ النَّاسِ منازِلَهم في المُزاحِ؛ فقد قيل: (لا تمازِحِ الشَّريفَ فيَحقِدَ عليك، ولا الدَّنيءَ فيجترئَ عليك) [8584] ((التمثيل والمحاضرة)) للثعالبي (ص: 448). . فلا يكونُ مع من لا يليقُ بهم المَزحُ ممَّن يحرِجُهم لمكانتِهم، ولا يكونُ مع السُّفَهاءِ؛ حتَّى لا يجتَرِئوا على المازِحِ.
7- أن يخلوَ من المعاصي التي كثيرًا ما تصاحِبُ المُزاحَ غيرَ المُنضَبِطِ:
وذلك كالغِيبةِ والهَمْزِ واللَّمْزِ.
8- اختيارُ الوَقتِ المناسِبِ للمُزاحِ:
وهذا من الضَّوابطِ المُهِمَّةِ للمَزْحِ؛ فليس كُلُّ وقتٍ يَصلُحُ للمُزاحِ، ولا كُلُّ زمانٍ تليقُ فيه الدُّعابةُ.

انظر أيضا: