موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ المُداراةِ


1- الاعتقادُ بأنَّ مُداراةَ أصحابِ الذُّنوبِ والمعاصي بلينِ الكلامِ معهم والرِّفقِ بهم، يدخُلُ فيه السُّكوتُ عن منكراتِهم؛ ظنًّا بأن َّذلك من المجاملةِ المحتَمَلةِ في سبيلِ نُصحِهم وهدايتِهم، وهذا اعتقادٌ خَطَأٌ؛ فإنَّ المجاملةَ لا تكونُ على حسابِ السُّكوتِ على مُنكَرٍ واقعٍ، أو فسادٍ متحَقِّقٍ، ما كان المسلِمُ قادرًا على تغييرِ ذلك، وإنَّما تكونُ باحتمالِ ما قد يصدُرُ منهم في حقِّ ناصِحِهم عند إفهامِهم أو الإنكارِ عليهم، فلا يجامِلِ المسلِمُ أهلَ الباطِلِ أو يسكُتْ عن مُنكَراتِهم؛ فإنَّ ذلك ليس من المُداراةِ المشروعةِ [8324] يُنظَر: ((مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز)) (5/280). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (ظنَّ بعضُهم أنَّ المُداراةَ هي المداهنةُ فغَلِط؛ لأن َّالمُداراةَ مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمةٌ) [8325] ((فتح الباري)) (10/ 528). . ويُنظَرُ ما تقدَّم في الفَرقِ بينهما.
2- الاعتقادُ بأنَّ المُداراةَ نفاقٌ، وأنَّها من أخلاقِ المنافِقين؛ لأنَّها إظهار النَّفسِ عَكسَ ما تُبطِنُ، وهذا خطأٌ؛ فإنَّ اللُّطفَ واللِّينَ مع الفاسِقِ أو صاحِبِ المعصيةِ ليس رضًا بمعصيتِه ولا إقرارًا لها، بل إنَّ مَدعاةَ الرِّفقِ واللِّينِ الرَّغبةُ في رَدِّه عنها وتركِه لها.
قال ابنُ مُفلِحٍ: (قيل لابنِ عَقيلٍ في فُنونِه: أسمَعُ وصيَّةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ يقولُ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] ، وأسمعُ النَّاسَ يَعُدُّون من يُظهِرُ خلافَ ما يُبطِنُ مُنافِقًا، فكيف لي بطاعةِ اللهِ تعالى والتَّخلُّصِ من النِّفاقِ؟
فقال ابنُ عقيلٍ: النِّفاقُ هو: إظهارُ الجميلِ، وإبطانُ القبيحِ، وإضمارُ الشَّرِّ مع إظهارِ الخَيرِ لإيقاعِ الشَّرِّ، والذي تضمَّنَتْه الآيةُ إظهارُ الحَسَنِ في مقابلةِ القبيحِ لاستدعاءِ الحَسَنِ. فخرج من هذه الجُملةِ: أنَّ النِّفاقَ إبطانُ الشَّرِّ وإظهارُ الخيرِ لإيقاعِ الشَّرِّ المُضمَرِ، ومَن أظهَرَ الجميلَ والحسَنَ في مقابلةِ القبيحِ ليَزولَ الشَّرُّ فليس بمنافِقٍ، لكنَّه يستصلِحُ، ألا تسمَعُ إلى قَولِه سُبحانَه وتعالى: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] ، فهذا اكتِسابُ استمالةٍ، ودفعُ عداوةٍ، وإطفاءٌ لنيرانِ الحقائِدِ، واستنماءُ الوُدِّ وإصلاحُ العقائِدِ، فهذا طِبُّ المودَّاتِ واكتسابُ الرِّجالِ) [8326] ((الآداب الشرعية)) (1/51). .   

انظر أيضا: