موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- المُداراةُ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


- عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَسَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقبِيةً [8294] أقبيةٌ: جَمعُ قَباءٍ: وهو الثَّوبُ المُفرجُ المضمومُ وَسَطُه. يُنظر: ((تفسير غريب ما في الصحيحين)) لمحمد ابن فتوح الحَمِيدي (ص: 276). ولم يُعْطِ مَخرَمةَ شيئًا، فقال مَخرَمةُ: يا بُنيَّ، انطَلِقْ بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فانطَلَقْتُ معه، فقال: ادخُلْ فادْعُه لي. قال: فدعَوتُه له، فخرج إليه وعليه قباءٌ منها، فقال: خبَّأتُ هذا لك! قال: فنظَرَ إليه، فقال: رَضِيَ مَخرَمةُ؟)) [8295] رواه البخاري (2599)، ومسلم (1058). .
- وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كان الحَبَشُ يلعَبون بحِرابِهم، فسَتَرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أنظُرُ، فما زِلتُ أنظُرُ حتَّى كنتُ أنا أنصرِفُ، فاقدُروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ، تَسمَعُ اللَّهْوَ) [8296] أخرجه البخاري (5190) واللفظ له، ومسلم (892) .
(هذا الحديثُ يدُلُّ على استحبابِ مُداراةِ النِّساءِ والتَّلطُّفِ بهنَّ) [8297] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 82). .
- عن عبدِ المطَّلِبِ بنِ ربيعةَ بنِ الحارِثِ، قال: ((اجتَمَع ربيعةُ بنُ الحارِثِ والعبَّاسُ بنُ عَبدِ المطَّلِبِ فقالا: واللهِ لو بَعَثْنا هذين الغُلامَينِ -قالا لي وللفَضلِ بنِ عبَّاسٍ- إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكَلَّماه فأمَّرَهما على هذه الصَّدَقاتِ، فأدَّيا ما يؤدِّي النَّاسُ وأصابا ممَّا يُصيبُ النَّاسُ ... فتواكَلْنا الكلامَ، ثُمَّ تكلَّم أحَدُنا، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنت أبَرُّ النَّاسِ وأوصَلُ النَّاسِ، وقد بلَغْنا النِّكاحَ، فجِئْنا لتُؤَمِّرَنا على بَعضِ هذه الصَّدَقاتِ، فنؤدِّيَ إليك كما يؤدِّي النَّاسُ ونُصيبَ كما يُصيبون. قال: فسَكَت طويلًا حتى أرَدْنا أن نكَلِّمَه، قال: وجعَلَت زينبُ تُلمِعُ [8298] تُلمِعُ: أي: تُشيرُ بيَدِها. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (4/271). علينا من وراءِ الحِجابِ أنْ لا تُكَلِّماه، قال: ثُمَّ قال: إنَّ الصَّدَقةَ لا تنبغي لآلِ محمَّدٍ؛ إنما هي أوساخُ النَّاسِ)) [8299] أخرجه مسلم (1072). .
قال ابنُ عُثَيمين: (في هذا الحديثِ تسليةُ آلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ النُّفوسَ مجبولةٌ على الشُّحِّ، وعلى حُبِّ المالِ، فإذا قيلَ لهم: إنَّ هذا لا يحِلُّ لكم، يقولون: كيف النَّاسُ يتمَتَّعون بها، ونحن نُحرَمُ منها. فإذا قيل: ((أوساخ النَّاس)) صار بذلك تسليةً لهم، وهذا من حُسنِ مُداراةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [8300] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) (3/ 152). .
- وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ بعضِ نسائِه، فأرسلت إحدى أمهاتِ المؤمِنين بصَحفةٍ فيها طعامٌ، فضرَبَت التي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِها يدَ الخادِمِ، فسقطت الصَّحفةُ فانفَلَقت! فجمع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِلَقَ الصَّحفةِ، ثمَّ جعَلَ يجمَعُ فيها الطَّعامَ الذي كان في الصَّحفةِ، ويقولُ: غارت أمُّكم)) [8301] أخرجه البخاري (5225). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هذا الحديثِ استحبابُ مُداراةِ النِّساءِ) [8302] ((الإفصاح)) (5/314). .
- وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((ألم تَرَيْ أنَّ قومَكِ لَمَّا بنَوا الكعبةَ اقتَصَروا عن قواعدِ إبراهيمَ؟، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا تَرُدُّها على قواعِدِ إبراهيمَ؟ قال: لولا حِدْثانُ قَومِك بالكُفرِ لفَعَلْتُ)) [8303] أخرجه البخاري (1583) واللفظ له، ومسلم (1333). .
قال ابنُ عُثَيمين: (كان الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُداري في الأمورِ الشَّرعيَّةِ، فيترُكُ ما هو حَسَنٌ لدرءِ ما هو أشَدُّ منه فتنةً وضَرَرًا؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم همَّ أن يبنيَ الكعبةَ على قواعدِ إبراهيمَ، ولكِنْ خاف من الفتنةِ؛ فترك ذلك) [8304] ((شرح رياض الصالحين)) (3/617). .

انظر أيضا: