موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالثَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


الأصلُ في خُلُقِ المُسلِمِ المَحَبَّةُ لا الكراهيةُ:
يقولُ عبدُ الرَّحمنِ المَيدانيُّ: (الذي يكشِفُه التَّحليلُ والتَّبصُّرُ في النُّصوصِ الإسلاميَّةِ أنَّ الأصلَ في خُلُقِ المُسلِمِ الذي يعامِلُ به جميعَ عبادِ اللهِ هو خُلُقُ المَحَبَّةِ، لا خُلُقُ الكراهيةِ؛ فالمُسلِمُ المُؤمِنُ مُشرِقُ القَلبِ دائمًا، منفَتِحُ القَلبِ لكُلِّ عبادِ اللهِ، ويريدُ الخيرَ لكُلِّ عبادِ اللهِ، وإذا أبغَضَ أو كَرِه فإنما يبغِضُ ويَكرَهُ الشَّرَّ والرَّذيلةَ والفسادَ والباطِلَ؛ لأنَّ حُبَّه للحَقِّ وللصَّلاحِ والفضيلةِ والخيرِ يَستلزِمُ حتمًا أن يكرَهَ ويُبغِضَ أضدادَها... فحينما يُبغِضُ المُسلِمُ المُبطِلين، وأهلَ الشَّرِّ، ومُرتَكِبي الكبائِرِ من الإثمِ، ومعادي الحَقِّ والخيرِ والفضيلةِ، فإنما يُبغِضُهم لهذه الصِّفاتِ التي فيهم، وليس يُبغِضُهم لذواتِهم؛ فهم بالنَّظَرِ إلى ذواتِهم خَلقٌ من خَلقِ اللهِ، وعبادٌ من عبادِ اللهِ، يحِبُّ لهم الخيرَ، ويرجو لهم الخيرَ، ويسعى في إصلاحِهم، ويُشفِقُ عليهم للمَصيرِ الوخيمِ الذي يدفَعون أنفُسَهم إليه، لكِنَّهم لمَّا حَمَلوا الأمراضَ الوبائيَّةَ التي حمَلوها، وتعَذَّر علاجُهم، لأنَّهم رفضوا بإراداتِهم كُلَّ وسائِلِ العلاجِ؛ كان لا بُدَّ من معاملتِهم بالبُغضِ والكراهيةِ لذلك. ومتى صحَّ أيُّ واحدٍ منهم مِن مَرَضِه الوبائيِّ الخطيرِ، عاد إلى منزلتِه الأصليَّةِ، وهي منزلةُ الأُخوَّةِ، واتَّجه قَلبُ المُؤمِنِ له بالمَحَبَّةِ) [8203] ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن الميداني (2/252-253). .
ضابطُ المَحَبَّةِ والبُغضِ:
العبدُ يجتَمِعُ فيه سببُ الوَلايةِ وسَبَبُ العداوةِ، والحُبِّ والبُغضِ؛ فيكونُ محبوبًا من وجهٍ مبغوضًا من وجهٍ، فالحُبُّ والبغضُ بحَسَبِ ما فيه من خِصالِ الخيرِ والشَّرِّ؛ فمَن كان مُؤمِنًا وجَبَت موالاتُه من أيِّ صِنفٍ كان، ومن كان كافِرًا وجبت معاداتُه من أيِّ صنفٍ كان، ومن كان فيه إيمانٌ وفيه فجورٌ أعطِيَ من الموالاةِ والمَحَبَّةِ بحَسَبِ إيمانِه، ومن البُغضِ بحَسَبِ فُجورِه [8204] يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (28/228)، ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (2/547). .
المَحَبَّةُ أفضَلُ من المهابةِ:
المَحَبَّةُ (أفضَلُ من المهابةِ؛ لأنَّ المهابةَ تُنَفِّرُ، والمَحَبَّةَ تُؤَلِّفُ، وقد قيل: طاعةُ المَحَبَّةِ أفضَلُ من طاعةِ الرَّهبةِ، لأنَّ طاعةَ المَحَبَّةِ من داخلٍ، وطاعةَ الرَّهبةِ من خارجٍ، وهي تزولُ بزوالِ سببِها) [8205] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: 257). .
مَحَبَّةُ زوجةٍ أكثَرَ من الأُخرى:
قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء: 129] هذا العَدلُ الذي ذَكَر تعالى هنا أنَّه لا يُستطاعُ: هو العَدلُ في المَحَبَّةِ، والميلِ الطَّبيعيِّ؛ لأنَّه ليس تحتَ قُدرةِ البَشَرِ، بخِلافِ العَدلِ في الحقوقِ الشَّرعيَّةِ؛ فإنَّه مستطاعٌ [8206] ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 317). . وفي ذلك عُذرٌ للرِّجالِ فيما يقعُ من التَّفاوتِ في الميلِ القلبيِّ والمَحَبَّةِ؛ فإنَّ العدلَ بينَهنَّ في ذلك محالٌ، خارجٌ عن حدِّ الاستطاعةِ [8207] يُنظر: ((البحر المحيط)) لأبي حيان (4/88). ؛ لأنَّ اللهَ جعَل حُسنَ المرأةِ وخُلُقَها مؤثِّرًا أشَدَّ التَّأثيرِ في مَحَبَّةِ الزَّوجِ وَميلِه إلى بعضِ أزواجِه، ولو كان حريصًا على إظهارِ العَدلِ بينَهنَّ؛ فلذلك قال: وَلَوْ حَرَصْتُمْ، وأقام اللهُ ميزانَ العَدلِ بقَولِه: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [8208] يُنظر: ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (5/218). .

انظر أيضا: