موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلين


- مَحَبَّةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لوَلَدِه، وابتلاؤه به:
قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 101 - 107] .
قال ابنُ القيِّمِ: (الخُلَّةُ هي المَحَبَّةُ التي تخلَّلت روحَ المحِبِّ وقَلبَه حتَّى لم يَبْقَ فيه موضعٌ لغيرِ المحبوبِ... وهذا هو السِّرُّ الذي لأجلِه -واللهُ أعلَمُ- أُمِر الخليلُ بذبحِ وَلَدِه وثَمَرةِ فؤادِه وفِلذةِ كَبِدِه؛ لأنَّه لما سأل الولَدَ فأُعطِيَه تعلَّقَت به شُعبةٌ من قَلبِه، والخُلَّةُ مَنصِبٌ لا يقبَلُ الشَّركةَ والقِسمةَ، فغار الخليلُ على خليلِه أن يكونَ في قلبِه موضِعٌ لغيرِه، فأمره بذبحِ الولَدِ؛ ليُخرِجَ المزاحِمَ من قلبِه، فلمَّا وطَّن نفسَه على ذلك وعزم عليه عزمًا جازمًا، حصل مقصودُ الأمرِ، فلم يَبْقَ في إزهاقِ نَفسِ الولَدِ مصلحةٌ، فحال بينه وبينه وفداه بالذِّبحِ العظيمِ، وقيل له: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا أي: عمِلْتَ عَمَلَ المصَدِّقِ إِنَّا كُنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ نجزي من بادَر إلى طاعتِنا فنُقرُّ عينَه كما أقرَرْنا عينَك بامتثالِ أوامِرِنا وإبقاءِ الولَدِ وسلامتِه إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وهو اختبارُ المحبوبِ لمحبِّه، وامتحانُه إيَّاه ليؤثِرَ مَرضاتَه، فيُتِمَّ عليه نِعمَه؛ فهو بلاءُ محنةٍ ومنحةٍ عليه معًا) [8169] ((مدارج السالكين)) (3/30، 31). .
- مَحَبَّةُ يعقوبَ عليه السَّلامُ لولَدَيه يوسُفَ وأخيه:
قال تعالى: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف: 5]
وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [يوسف: 7 - 8] .
قال ابنُ عطيَّة: (قولُهم: وأخوه يريدون به: يامينَ -وهو أصغَرُ من يوسُفَ- ويقالُ له: بِنيامينُ، وقيل: كان شقيقَ يوسُفَ، وكانت أمُّهما ماتت، ويدُلُّ على أنَّهما شقيقانِ تخصيصُ الإخوةِ لهما بـ أَخُوهُ، وهي دلالةٌ غيرُ قاطعةٍ. وكان حُبُّ يعقوبَ ليوسُفَ عليه السَّلامُ ويامينَ لصِغَرِهما وموتِ أمِّهما، وهذا من حبِّ الصَّغيرِ، هي فِطرةُ البَشَرِ) [8170] ((المحرر الوجيز)) (3/221). .
وقال الرَّازيُّ: (يعقوبُ عليه السَّلامُ كان شديدَ الحُبِّ ليوسُفَ وأخيه، فحسَده إخوَتُه لهذا السَّبَبِ، وظهر ذلك المعنى ليعقوبَ عليه السَّلامُ بالأماراتِ الكثيرةِ، فلمَّا ذَكَر يوسُفُ عليه السَّلامُ هذه الرُّؤيا، وكان تأويلُها أنَّ إخوتَه وأبويه يخضَعون له، فقال: لا تخبِرْهم برُؤياك؛ فإنَّهم يَعرِفون تأويلَها، فيَكيدوا لك كَيدًا) [8171] ((مفاتيح الغيب)) (18/420). .
- مَحَبَّةُ يحيى عليه السَّلامُ للنَّاسِ:
قال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا [مريم: 12 - 13] .
(وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا: أي: رحمةً عظيمةً في قلبِ يحيى من عندِنا، وشَفَقةً منه على النَّاسِ، ومَحَبَّةً لهم صادرةً منَّا) [8172] ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من المؤلفين (6/949). .

انظر أيضا: