موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مظاهِرُ المَحَبَّةِ وصُوَرُها


1- مَحَبَّةُ الإنسانِ لرَبِّه سُبحانَه، وهي أجَلُّ صُوَرِ المَحَبَّةِ وأصفاها وأعظَمُها، وهذه المَحَبَّةُ شرطٌ من شُروطِ الإيمانِ؛ قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] .
2- مَحَبَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يؤمِنُ أحَدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أجمعين)) [8147] أخرجه البخاري (15) واللفظ له، ومسلم (44) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وعن عبدِ اللهِ بنِ هِشامٍ قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فقال له عُمَرُ: ((يا رسولَ اللهِ، لأنت أحَبُّ إليَّ من كُلِّ شيءٍ إلَّا من نفسي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا، والذي نفسي بيَدِه، حتَّى أكونَ أحبَّ إليك من نفسِك، فقال له عُمَرُ: فإنَّه الآن، واللهِ لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الآن يا عُمَرُ)) [8148] أخرجه البخاري (6632). .
3- مَحَبَّةُ الصَّالحين وأهلِ الخيرِ، لا سيَّما العُلَماءِ؛ فهم وَرَثةُ الأنبياءِ، وهم أئمَّةُ الهُدى الذين يَدعون النَّاسَ إلى الخيرِ والصَّلاحِ، ويُبَيِّنون لهم أمرَ دينِهم ودُنياهم.
4- المَحَبَّةُ بَيْنَ الإخوانِ في اللهِ، وهي رابطةٌ وثيقةٌ تسمو على سائِرِ العلاقاتِ؛ إذ هي مبنيَّةٌ على العقيدةِ، وهي من أقوى الرَّوابطِ. يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يجِدُ أحدٌ حلاوةَ الإيمانِ حتَّى يحِبَّ المرءَ لا يحِبُّه إلَّا للهِ)) [8149] أخرجه البخاري (6041) واللفظ له، ومسلم (43) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال يحيى بنُ مُعاذٍ: (حقيقةُ الحُبِّ في اللهِ ألَّا يزيدَ بالبِرِّ، ولا يَنقُصَ بالجفاءِ)  [8150] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/62). .
والمتحابُّون في اللهِ عزَّ وجَلَّ في ظِلِّه سُبحانَه يومَ القيامةِ؛ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ يقولُ يومَ القيامةِ: أين المتحابُّون بجلالي، اليومَ أُظِلُّهم في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي)) [8151] أخرجه مسلم (2566). .
ولهذه المَحَبَّةِ آثارٌ من التَّعاضُدِ والنُّصرةِ والتَّعاوُنِ والإيثارِ؛ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُؤمِنُ للمُؤمِنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضًا)) [8152] أخرجه البخاري (481)، ومسلم (2585) من حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. . ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ المُؤمِنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثَلُ الجَسَدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)) [8153] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له، من حديثِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. . ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يؤمِنُ أحَدُكم حتَّى يحِبَّ لأخيه ما يحِبُّ لنفسِه)) [8154] أخرجه البخاري (13) واللفظ له، ومسلم (45) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. . (ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ لا يحِبُّ لأخيه ما يحِبُّ لنفسِه حتَّى يكونَ عندَه شُعورٌ نَحوَ أخيه بالمَحَبَّةِ) [8155] ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن الميداني (2/251). .
5- مَحَبَّةُ المساكينِ، فهي مَحَبَّةٌ تُقَرِّبُ إلى اللهِ سُبحانَه؛ إذ المساكينُ لا يملِكون من الدُّنيا ما يوجِبُ محبَّتَهم من أجْلِه، فإنَّما يحبُّهم المرءُ حُبًّا خالصًا للهِ سُبحانَه.
وفي حديثِ اختصامِ الملأِ الأعلى: ((قال: سَلْ. قُلتُ: اللَّهُمَّ إني أسألُك فِعلَ الخيراتِ، وتَركَ المُنكَراتِ، وحُبَّ المساكينِ)) [8156] أخرجه الترمذي (5332) واللفظ له، وأحمد (22109) من حديثِ معاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه البخاري كما في ((سنن الترمذي)) (3235)، والترمذي، وابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/73)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (5323). .
 قال ابنُ رجبٍ: (والمقصودُ أنَّ حُبَّ المساكينِ أصلُ الحُبِّ في اللهِ تعالى؛ لأنَّ المساكينَ ليس عندهم من الدُّنيا ما يوجِبُ محبَّتَهم لأجلِه، فلا يحبُّون إلَّا للهِ عزَّ وجَلَّ) [8157] ((اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى)) (ص: 94). .
6- مَحَبَّةُ الوالِدَينِ؛ فهما من أحَقِّ النَّاسِ بحُسنِ الصُّحبةِ والبرِّ؛ لعظيمِ فَضلِهما، وشِدَّةِ عنايتِهما، وحِرصِهما على راحتِك في جميعِ أطوارِ حياتِك.
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (برُّ الوالِدَين فرضٌ لازمٌ، وهو أمرٌ يسيرٌ على من يسَّره اللهُ له، وبِرُّهما خَفضُ الجَناحِ ولينُ الكلامِ، وألَّا ينظُرَ إليهما إلَّا بعينِ المَحَبَّةِ والإجلالِ) [8158] ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (2/ 1137). .
7- مَحَبَّةُ الأقاربِ وذوي الأرحامِ، ومن مظاهِرِ المَحَبَّةِ الِحرصُ على صِلَتِهم، وتفقُّدُ أحوالِهم، والقيامُ على حاجاتِهم، ومواساتُهم، وقد أمرَ الشَّرعُ بصلةِ الأرحامِ، وحَثَّ عليها، وتوعَّد قاطعَها.
يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تعلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلون به أرحامَكم؛ فإنَّ صِلةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ في الأهلِ، مَثراةٌ في المالِ، مَنسَأةٌ في الأثَرِ)) [8159] أخرجه الترمذي (1979) واللفظ له، وأحمد (8868) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (17/20)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1979)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7490)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8868). ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يدخُلُ الجنَّةَ قاطِعٌ)) [8160] أخرجه البخاري (5984)، ومسلم (2556) من حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
8- مَحَبَّةُ الأولادِ، وهي مَحَبَّةٌ فِطريَّةٌ جَبَل اللهُ سُبحانَه الوالِدَين عليها.
9- المَحَبَّةُ بَيْنَ الزَّوجينِ؛ قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21] .
10- مَحَبَّةُ المُسلِمين ومَحَبَّةُ الخيرِ لجميعِ النَّاسِ.

انظر أيضا: