موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نَماذِجُ مِن قوَّةِ الصَّحابةِ في الحَقِّ


1- يتَعَرَّضُ المُسلِمونَ في خِلافةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه لفِتَنٍ كادَت تَعصِفُ بالأُمَّةِ جَميعِها، وعلى رَأسِ هذه الفِتَنِ فِتنةُ المُرتَدِّينَ ومانِعي الزَّكاةِ، فإذا بأبي بَكرٍ يُظهِرُ قوَّتَه في الحَقِّ وثَباتَه عليه، ولم يخشَ في اللَّهِ لَومةَ لائِمٍ، ويُبَيِّنُ ذلك ما رَواه أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِف أبو بكرٍ، وكَفَر من كَفَر من العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد عَصَم منِّي مالَه ونَفْسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو منَعوني عَناقًا كانوا يُؤَدُّونها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ) [7836] أخرجه البخاري (1399، 1400) واللفظ له، ومسلم (20). وقد صَوَّرَ ابنُ القَيِّمِ قوَّةَ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه في الحَقِّ، فقال: (فشَمَّر الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه من جِدِّه عن ساقٍ غيرِ خَوَّارٍ، وانتضى سيفَ عزمِه الذي هو ثاني ذي الفَقارِ، وامتطى من ظهورِ عزائمِه جوادًا لم يكُنْ يكبو يومَ السِّباقِ، وتقدَّم جنودَ الإسلامِ فكان أفرَسُهم إنما همُّه اللَّحاقُ، وقال: واللهِ لأجاهِدَنَّ أعداءَ الإسلامِ جُهدي، ولأصْدُقَنَّهم الحربَ حتى تنفَرِدَ سالفتي، أو أُفرَدَ وحدي، ولأدخِلَنَّهم في البابِ الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهم إلى الحقِّ الذي رغِبوا عنه، فثبَّت اللهُ بذلك القلبِ -الذي لو وُزِن بقلوبِ الأمَّةِ لرَجَحَها- جيوشَ الإسلامِ، وأذَلَّ بها المُنافِقين والمرتدِّين، وأهلَ الكتابِ وعَبَدةَ الأصنامِ، حتَّى استقامت قناةُ الدِّينِ من بعدِ اعوجاجِها، وجرت المِلَّةُ الحنيفيَّةُ على سَنَنِها ومنهاجِها، وتولَّى حزبُ الشَّيطانِ وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذِّنُ الإيمانِ على رؤوسِ الخلائقِ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 56] ) [7837] ((الفروسية)) (ص: 502). .
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنِّي لفي الصَّفِّ يومَ بَدرٍ، إذ التفَتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيانِ حديثا السِّنِّ، فكأنِّي لم آمَنْ بمكانِهما، إذ قال لي أحَدُهما سِرًّا من صاحِبِه: يا عمِّ أرِني أبا جهلٍ. فقُلتُ: يا ابنَ أخي، وما تصنَعُ به؟ قال: عاهَدْتُ اللهَ إنْ رأيتُه أن أقتُلَه أو أموتَ دونَه. فقال لي الآخَرُ سِرًّا من صاحِبِه مِثلَه، فما سَرَّني أني بَينَ رجُلينِ مكانَهما، فأشَرْتُ لهما إليه، فشَدَّا عليه مِثلَ الصَّقرينِ حتَّى ضَرَباه، وهما ابنا عَفراءَ) [7838] أخرجه البخاري (3988) واللفظ له، ومسلم (1752). .
4- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غاب عمِّي أنسُ بنُ النَّضرِ عن قِتالِ بَدرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبتُ عن أوَّلِ قِتالٍ قاتَلْتَ المشركين! لئنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المُشرِكين ليرَينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كان يومُ أحُدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللَّهُمَّ إني أعتَذِرُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المُشرِكين-، ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجنَّةَ ورَبِّ النَّضرِ، إني أجِدُ ريحَها من دونِ أحُدٍ! قال سعدٌ: فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع، قال أنسٌ: فوجَدْنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسَّيفِ، أو طعنةً برُمحٍ، أو رميةً بسَهمٍ، ووجَدْناه قد قُتِل وقد مَثَّل به المُشرِكون، فمَّا عرفه أحدٌ إلَّا أختُه ببَنانِه! قال أنسٌ: كنَّا نُرى، أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزلت فيه وفي أشباهِه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ)) [7839] أخرجه البخاري (2805) واللفظ له، ومسلم (1903). .
5- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ سيفًا يومَ أحُدٍ فقال: مَن يأخُذُ مني هذا؟ فبسطوا أيديَهم كُلُّ إنسانٍ منهم يقولُ: أنا أنا. قال: فمَن يأخُذُه بحَقِّه؟ قال: فأحجَمَ القومُ، فقال سِماكُ بنُ خَرَشةَ أبو دُجانةَ: أنا آخُذُه بحَقِّه. قال: فأخذه ففَلَق به هامَ المُشرِكينَ)) [7840] أخرجه مسلم (2470). .

انظر أيضا: