موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من الإعراضِ عن الجاهِلينَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((استأذَن رَهطٌ من اليهودِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: السَّامُ عليك، فقُلتُ: بل عليكم السَّامُ واللَّعنةُ! فقال: يا عائِشةُ، إنَّ اللهَ رَفيقٌ يحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه. قُلتُ: أولَم تسمَعْ ما قالوا؟! قال: قُلتُ: وعليكم)) [580] أخرجه البخاري (6927) واللَّفظُ له، ومسلم (2165). .
- وعنِ ابنِ شِهابٍ، حَدَّثَني عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ عائشةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّثَتْه أنَّها قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا رسولَ اللهِ، هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفسي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجهي، فلم أستَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتني، فنَظَرتُ فإذا فيها جِبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ، وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمرِك، فما شِئتَ؛ إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ [581] الأخشَبُ: الجَبَلُ، وأصلُه: الغليظُ. فأمَّا تثنيةُ الأخشَبِ فلأنَّ مكَّةَ بَينَ جَبلَينِ، ومعنى أُطبِقَ: جمَعْتُ بين أعالي الجبلينِ حتَّى يكونَ ذلك لامًّا بينهما عليهم. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 283). ، قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [582] أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795) واللَّفظُ له. .
- وعن أنس بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ أمشي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ، فأدركه أعرابيٌّ فجَذَبه جَذبةً شديدةً، حتى نظرْتُ إلى صفحةِ عاتِقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أثَّرَت به حاشيةُ الرِّداءِ من شِدَّةِ جَذبَتِه! ثمَّ قال: مُرْ لي من مالِ اللهِ الذي عندَك، فالتَفَت إليه فضَحِك، ثم أمَرَ له بعطاءٍ!)) [583] أخرجه البخاري (3149) واللفظ له، ومسلم (1057). .
- وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ نَجدٍ، فلمَّا أدركَتْه القائِلةُ، وهو في وادٍ كَثيرِ العِضاهِ [584] العِضاهُ: كُلُّ شَجَرةٍ ذاتِ شَوكٍ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 44). ، فنَزَل تحتَ شَجرةٍ واستظَلَّ بها وعلَّق سيفَه، فتفرَّق النَّاسُ في الشَّجَرِ يَستَظِلُّون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجِئْنا، فإذا أعرابيٌّ قاعدٌ بَينَ يَدَيه، فقال: إنَّ هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاختَرَط سيفي [585] اخترط السَّيفَ: سَلَّه من غِمْدِه. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 23). ، فاستيقَظْتُ وهو قائِمٌ على رأسي، مختَرِطٌ سيفي صَلْتًا [586] صَلْتًا: مُجَرَّدًا. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 45). ، قال: من يمنَعُك مني؟ قلتُ: اللهُ، فشامَه [587] فشامه: أي: رَدَّه في الغِمْدِ. يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (21/ 269). ثم قَعَد، فهو هذا. قال: ولم يعاقِبْه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [588] أخرجه البخاري (4139) واللَّفظُ له، ومسلم (843). .
- وعن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لَمَّا كان يومُ حُنَينٍ آثَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أناسًا في القِسمةِ، فأعطى الأقرَعَ بنَ حابِسٍ مائةً من الإبِلِ، وأعطى عُيَينةَ مِثلَ ذلك، وأعطى أناسًا من أشرافِ العَرَبِ فآثَرَهم يومَئذٍ في القِسمةِ، قال رجُلٌ: واللهِ إنَّ هذه القِسمةَ ما عُدِل فيها، وما أُريدَ بها وَجهُ اللهِ! فقلتُ: واللهِ لأخبِرَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتيتُه فأخبَرْتُه، فقال: فمَن يَعدِلُ إذا لم يَعدِلِ اللهُ ورسولُه؟! رَحِمَ اللهُ موسى قد أوذِيَ بأكثَرَ من هذا فصَبَر!)) [589] أخرجه البخاري (3150) واللَّفظُ له، ومسلم (1062) .
- عن عُروةَ قال: ((خاصَم الزُّبَيرُ رَجُلًا من الأنصارِ في شَريجٍ من الحَرَّةِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اسْقِ يا زُبَيرُ ثمَّ أرسلِ الماءَ إلى جارِك، فقال الأنصاريُّ : يا رسولَ اللهِ أنْ كان ابنَ عَمَّتِك؟! فتلَوَّن وَجهُه، ثمَّ قال: اسْقِ يا زُبَيرُ، ثمَّ احبِسِ الماءَ حتَّى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ [590] أي: أصل الجدار. يُنظر: ((اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)) للبرماوي (7/ 342). ، ثمَّ أرسِلِ الماءَ إلى جارِك)) [591] أخرجه البخاري (4585) ومسلم (2357). .
و(فيه صبرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الأذى، والاحتمالُ للجَفاءِ) [592] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/ 327). .  
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قيل للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لو أتيتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، قال: فانطَلَق إليه ورَكِبَ حِمارًا وانطَلَق المُسلِمون، وهي أرضٌ سَبخةٌ [593] هي الأرضُ التي تعلوها المُلوحةُ، ولا تكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجَرِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 333). ، فلمَّا أتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إليكَ عنِّي، فواللهِ لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، قال: فقال رجلٌ من الأنصارِ: واللهِ، لحِمارُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أطيَبُ ريحًا منكَ، قال: فغَضِب لعبدِ اللهِ رَجُلٌ من قومِه، قال: فغَضِب لكُلٍّ واحدٍ منهما أصحابُه، قال: فكان بينهم ضَربٌ بالجريدِ وبالأيدي وبالنِّعالِ، قال: فبلَغَنا أنَّها نَزَلت فيهم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9] ) [594] أخرجه البخاري (2691)، ومسلم (1799) واللَّفظُ له. .
 وفي هذا الحديثِ بيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الحِلمِ والصَّفحِ والصَّبرِ على الأذى في اللهِ تعالى [595] ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 159). .

انظر أيضا: