موسوعة الأخلاق والسلوك

سادِسًا: دَرَجاتُ الفِراسةِ


جَعَل أبو إسماعيلَ الهَرَويُّ الفِراسةَ على ثَلاثِ دَرَجاتٍ:
الأولى: فِراسةٌ طارِئةٌ نادِرةٌ تَجري على ألسِنةِ الغافِلينَ الذين ليسَت لهم يقَظةُ أربابِ القُلوبِ، ولسانُ هؤلاء وحشيٌّ لم يأنَسْ بذِكرِ اللهِ، فيَسقُطُ على لسانِه مُكاشَفةٌ في العُمرِ مَرَّةً، وذلك نادِرٌ ورَميةٌ مِن غَيرِ رامٍ، وهذا مِن جِنسِ الفألِ.
الدَّرَجةُ الثَّانيةُ: فِراسةٌ تُجنى مِن غَرسِ الإيمانِ، وتَطلُعُ مِن صِحَّةِ الحالِ، وتَلمَعُ مِن نورِ الكَشفِ، وهذا النَّوعُ مِنَ الفِراسةِ مُختَصٌّ بأهلِ الإيمانِ، فيزدادُ وينمو ويزكو على السَّقيِ، ويُؤتي أُكُلَه كُلَّ حينٍ بإذنِ رَبِّه، وأصلُه ثابتٌ في الأرضِ وفُروعُه في السَّماءِ، فمَن غَرسَ الإيمانَ في أرضِ قَلبِه الطَّيِّبةِ الزَّاكيةِ، وسَقى ذلك الغِراسَ بماءِ الإخلاصِ والصِّدقِ والمُتابَعةِ، كان مِن بَعضِ ثَمَرِه هذه الفِراسةُ، وكُلَّما كان الحالُ أصدَقَ وأصَحَّ فالفِراسةُ كذلك.
الدَّرَجةُ الثَّالثةُ: فِراسةٌ شَريفةٌ عاليةٌ يُخبِرُ صاحِبُها عن أُمورٍ مُغَيَّبةٍ، تارةً بالتَّصريحِ وتارةً بالتَّلويحِ، إمَّا سَترًا لحالِه، وإمَّا صيانةً لِما أخبَرَ به عنِ الابتِذالِ ووُصولِه إلى غَيرِ أهلِه، وإمَّا لغَيرِ ذلك مِنَ الأسبابِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ [7218] ينظر: ((منازل السائرين)) لأبي إسماعيل الهروي (ص: 80)، ((مدارج السالكين)) (2/491، 495). .

انظر أيضا: