موسوعة الأخلاق والسلوك

نماذِجُ من العَفْوِ عِندَ العُلَماءِ


عفوُ ابنِ تَيميَّةَ:
قال القاضي جمالُ الدِّينِ بنُ القَلانِسيِّ: (سِمعتُ الشَّيخَ تَقيَّ الدِّينِ يَذكُرُ ما كان بينه وبين السُّلطانِ من الكلامِ لمَّا انفردا في ذلك الشُّبَّاكِ الذي جلسَا فيه، وأنَّ السُّلطانَ استفتى الشَّيخَ في قتلِ بَعضِ القُضاةِ بسَبَبِ ما كانوا تكلَّموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضِهم بعَزلِه من المُلكِ ومبايعةِ الجاشَنْكيرِ، وأنَّهم قاموا عليك وآذَوك أنت أيضًا، وأخذ يحثُّه بذلك على أن يُفتيَه في قَتلِ بعضِهم، وإنما كان حَنَقُه عليهم بسَبَبِ ما كانوا سَعَوا فيه من عزلِه ومبايعةِ الجاشَنْكِيرِ، ففهم الشَّيخُ مُرادَ السُّلطانِ، فأخذ في تعظيمِ القضاةِ والعُلماءِ، ويُنكِرُ أن ينالَ أحدًا منهم سُوءٌ، وقال له: إذا قتَلْتَ هؤلاء لا تجِدُ بَعدَهم مِثْلَهم، فقال له: إنَّهم قد آذوك وأرادوا قَتْلَك مرارًا! فقال الشَّيخُ: من آذاني فهو في حِلٍّ، ومن آذى اللهَ ورسولَه فاللهُ ينتَقِمُ منه، وأنا لا أنتَصِرُ لنفسي. وما زال به حتى حَلُمَ عنهم السُّلطانُ وصَفَح) [7068] يُنظَر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (18/ 94). .
-وكان قاضي المالكيَّةِ ابنُ مخلوفٍ يقولُ: (ما رأينا مثلَ ابنِ تيميَّةَ، حَرَّضْنا عليه، فلم نقدِرْ عليه، وقَدَر علينا فصَفَح عنَّا وحاجَجَ عنَّا) [7069] يُنظَر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (18/ 95). .
- وقال ابنُ عبدِ الهادي: (لمَّا كان في رابعِ شَهرِ رَجَبٍ من سَنةِ إحدى عَشرةَ وسَبعِمائةٍ جاء رجلٌ -فيما بلغني- إلى أخيه الشَّيخِ شَرَفِ الدِّينِ وهو في مَسكَنِه بالقاهرةِ، فقال له: إنَّ جماعةً بجامِعِ مِصرَ قد تعصَّبوا على الشَّيخِ وتفَرَّدوا به وضَرَبوه، فقال: حَسْبُنا اللَّهُ ونِعمَ الوكيلُ! وكان بعضُ أصحابِ الشَّيخِ جالِسًا عِندَ شَرَفِ الدِّينِ، قال: فقُمتُ مِن عندِه وجِئتُ إلى مِصرَ فوجَدْتُ خَلقًا كثيرًا من الحُسَينيَّةِ وغَيرِها رجالًا وفرسانًا يسألون عن الشَّيخِ، فجِئتُ فوجَدْتُه بمَسجِدِ الفَخرِ -كاتِبِ المماليكِ على البَحرِ- واجتَمَع عنده جماعةٌ، وتتابع النَّاسُ وقال له بعضُهم: يا سَيِّدي، قد جاء خَلقٌ من الحُسَينيَّةِ، ولو أمَرْتَهم أن يَهدِموا مِصرَ كُلَّها لفَعلوا! فقال لهم الشَّيخُ: لأيِّ شيءٍ؟! قالوا: لأجْلِك. فقال لهم: هذا ما يَحِقُّ. فقالوا: نحن نذهَبُ إلى بيوتِ هؤلاء الذين آذَوك فنقتُلُهم ونُخرِّبُ دُورَهم؛ فإنَّهم شَوَّشوا على الخَلقِ وأثاروا هذه الفِتنةَ على النَّاسِ، فقال لهم: هذا ما يَحِلُّ. قالوا: فهذا الذي قد فعَلوه معك يحِلُّ؟! هذا شيءٌ لا نصبرُ عليه، ولا بدَّ أن نروحَ إليهم ونقاتِلَهم على ما فعلوا! والشَّيخُ ينهاهم ويزجُرُهم، فلمَّا أكثَروا في القولِ قال لهم: إمَّا أن يكونَ الحَقُّ لي أو لكم أو للهِ؛ فإن كان الحَقُّ لي فهم في حِلٍّ منه، وإن كان لكم فإنْ لم تسمَعوا منِّي ولا تستفتوني فافعَلوا ما شِئتُم، وإن كان الحَقُّ للهِ فاللَّهُ يأخُذُ حَقَّه إن شاء كما يشاءُ!) [7070] يُنظَر: ((العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية)) (ص: 301-303). .

انظر أيضا: