موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- عِزَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


عن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((لَقِينا المُشرِكين يومَئذٍ، وأجلس النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جيشًا من الرُّماةِ، وأمَّر عليهم عبدَ اللهِ، وقال: لا تَبْرَحوا، إن رأيتُمونا ظَهَرْنا عليهم فلا تَبْرَحوا، وإن رأيتُموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا، فلمَّا لقينا هَرَبوا حتَّى رأيتُ النِّساءَ يشتَدِدنَ في الجبلِ رفَعْنَ عن سُوقِهنَّ، قد بدَت خَلاخِلُهنَّ، فأخذوا يقولون: الغنيمةَ الغنيمةَ! فقال عبدُ اللَّهِ: عَهِد إليَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن لا تبرحوا، فأبَوا، فلمَّا أبوا صَرَف وجوهَهم، فأصيبَ سبعون قتيلًا! وأشرف أبو سفيانَ فقال: أفي القومِ محمَّدٌ؟ فقال: لا تجيبوه، فقال: أفي القومِ ابنُ أبي قُحافةَ؟ قال: لا تجيبوه، فقال: أفي القومِ ابنُ الخطَّابِ؟ فقال: إنَّ هؤلاء قُتِلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا، فلم يملِكْ عُمَرُ نفسَه، فقال: كذَبْتَ يا عدُوَّ اللهِ، أبقى اللهُ عليك ما يُخزيك! قال أبو سفيانَ: اعْلُ هُبَلُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أجيبوه، قالوا: ما نقولُ؟ قال: قولوا: اللهُ أعلى وأجَلُّ، قال أبو سفيانَ: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أجيبوه قالوا: ما نقولُ؟ قال: قولوا: اللهُ مولانا، ولا مولى لكم، قال أبو سفيانَ: يومٌ بيومِ بَدرٍ، والحَربُ سِجالٌ، وتجِدون مُثْلةً لم آمُرْ بها ولم تَسُؤْني)) [6431] أخرجه البخاري (4043). .
- عن المِسْوَرِ بنِ مَخرَمةَ ومَروانَ يُصَدِّقُ كُلُّ واحدٍ منهما حديثَ صاحِبِه، قال: ((خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَمَن الحُدَيبيةِ حتَّى إذا كانوا ببَعضِ الطَّريقِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ خالدَ بنَ الوليدِ بالغميمِ [6432] موضعٌ قريبٌ من مكَّةَ بَيْنَ رابغٍ والجُحفةِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 443). في خَيلٍ لقُرَيشٍ طليعةٌ، فخُذوا ذاتَ اليمينِ، فواللهِ ما شَعَر بهم خالدٌ حتَّى إذا هم بقَتَرةِ [6433] أي: غبارِه الأسوَدِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 443). الجيشِ، فانطلق يركُضُ نذيرًا لقريشٍ، وسار النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى إذا كان بالثَّنيَّةِ [6434] هي طريقٌ في الجَبَلِ تُشرِفُ على الحُدَيبيَةِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 335). التي يهبِطُ عليهم منها بركَت به راحلتُه، فقال النَّاسُ: حَلْ حَلْ [6435] زجرٌ للرَّاحِلةِ إذا حملها على السَّيرِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 443). فألحَّت [6436] أي: تمادت في البُروكِ فلم تبرَحْ من مكانِها. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 443). ، فقالوا: خلَأتِ [6437] أي: امتنعَت من المشيِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 113). القَصواءُ [6438] اسمُ ناقةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 335). ، خلأتِ القَصواءُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما خلأتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ [6439] أي: ما هو من عادتِها. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 51). ، ولكن حبَسَها حابِسُ الفيلِ [6440] أي: حبسها اللهُ عن دخولِ مكَّةَ كما حبَس الفيلَ عن مكَّةَ؛ لأنهم لو دخلوا مكَّةَ على تلك الهيئةِ وصَدَّهم قريشٌ عن ذلك لوقع بَيْنَهم ما يُفضي إلى سَفكِ الدِّماءِ ونهبِ الأموالِ، لكن سبق في العِلمِ القديمِ أنَّه يدخُلُ في الإسلامِ منهم جماعاتٌ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 444). ، ثمَّ قال: والذي نفسي بيَدِه، لا يسألوني خُطَّةً [6441] خُطَّةٌ، أي: خَصلةٌ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 336). يُعَظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أعطيتُهم إيَّاها، ثمَّ زجَرَها فوثبَت، قال: فعَدَل عنهم حتَّى نزل بأقصى الحُدَيبيَةِ على ثَمَدٍ [6442] أي: حفيرةٌ فيها ماءٌ مثمودٌ، أي: قليلٌ، وقوله: قليلُ الماءِ. تأكيدٌ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 336). قليلِ الماءِ، يتبَرَّضُه النَّاسُ تبَرُّضًا [6443] أي: يأخذونه قليلًا قليلًا. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 52). ، فلم يُلبِثْه النَّاسُ حتى نزحوه، وشُكِي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العَطَشُ، فانتزع سَهمًا من كنانتِه [6444] أي: جَعبتِه التي فيها النَّبلُ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 444). ، ثمَّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللهِ ما زال يجيشُ [6445] أي: يفورُ ويرتفعُ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 444). لهم بالرِّيِّ حتى صدَروا [6446] أي: رجَعوا رِواءً بعدَ وِرْدِهم. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 337). عنه! فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيلُ بنُ وَرقاءَ الخُزاعيُّ في نفَرٍ من قومِه من خزاعةَ، وكانوا عَيبةَ [6447] أي: موضِعَ سِرِّه وِثقتِه. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 52). نُصحِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ تِهامةَ، فقال: إني تركتُ كَعبَ بنَ لُؤَيٍّ، وعامِرَ بنَ لُؤَيٍّ نزلوا أعدادَ [6448] أعداد: جمعُ عدٍّ، وهو الماءُ الذي لا انقطاعَ لمادَّتِه كالعَينِ والبِئرِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 445). مياهِ الحُدَيبيةِ، ومعهم العُوذُ المطافيلُ [6449] العُوذُ: جمعُ عائذٍ، وهي النَّاقةُ ذاتُ اللَّبَنِ، والمطافيلُ: الأمَّهاتُ اللاتي معها أطفالُها، يريدُ أنَّهم خرجوا معهم بذواتِ الألبانِ من الإبِلِ؛ ليتزوَّدوا بألبانِها ولا يرجِعوا حتى يمنَعوه، أو كنى بذلك عن النِّساءِ معهن الأطفالُ، والمرادُ أنَّهم خرجوا معهم بنِسائِهم وأولادِهم لإرادةِ طُولِ المُقامِ، وليكونَ أدعى إلى عَدَمِ الفرارِ، ويحتَمِلُ إرادةَ المعنى الأعَمِّ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 338). ، وهم مقاتِلوك وصادُّوك عن البيتِ، فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّا لم نجئْ لقتالِ أحدٍ، ولكِنَّا جِئْنا معتَمِرين، وإنَّ قريشًا قد نهكَتْهم [6450] أي: أضرَّت بهم وأثَّرت فيهم. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 53). الحربُ، وأضرَّت بهم، فإن شاءوا مادَدْتُهم مُدَّةً [6451] أي: جعَلْتُ بيني وبَيْنَهم مدَّةً معيَّنةً أترُكُ قتالَهم فيها. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/445). ، ويُخَلُّوا بيني وبين النَّاسِ، فإن أظهَرْ فإن شاءوا أن يدخُلوا فيما دخل فيه النَّاسُ فَعَلوا، وإلَّا فقد جمُّوا [6452] أي: استراحوا. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 53). ، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيدِه لأقاتِلَنَّهم على أمري هذا حتى تنفَرِدَ سالفتي [6453] أي: حتى تنفَصِلَ رقَبتي، أي: حتى أموتَ وأبقى منفَرِدًا في قبري. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/445). ، وليُنفِذَنَّ اللهُ أمرَه...)) [6454] أخرجه البخاري (2731) و(2732). .

انظر أيضا: