موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذجُ في العِزَّةِ عِندَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم


عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (ما زِلْنا أعِزَّةً منذُ أسلم عُمَرُ) [6455] أخرجه البخاري (3684). .
- عن طارقِ بنِ شِهابٍ، قال: (خرج عُمَرُ بنُ الخطَّابِ إلى الشَّامِ ومعنا أبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ، فأتوا على مخاضةٍ، وعُمَرُ على ناقةٍ له، فنزل عنها وخلَع خفَّيه فوضعَهما على عاتِقِه، وأخذ بزمامِ ناقتِه فخاض بها المخاضةَ، فقال أبو عُبَيدةَ: يا أميرَ المُؤمِنين، أنت تفعلُ هذا، تخلَعُ خُفَّيك وتضعُهما على عاتقِك، وتأخُذُ بزمامِ ناقتِك، وتخوضُ بها المخاضةَ! ما يسُرُّني أنَّ أهلَ البَلَدِ استشرَفوك. فقال عُمَرُ: أَوَّه [6456] هي كَلِمةُ توجُّعٍ وتحزُّنٍ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 22). ! لو يَقولُ ذا غيرُك أبا عبيدةَ جعَلْتُه نكالًا لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! إنَّا كنَّا أذَلَّ قومٍ، فأعزَّنا اللَّهُ بالإسلامِ، فمهما نطلُبِ العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللَّهُ به أذلَّنا اللَّهُ) [6457] رواه الحاكم (207). صحَّحه على شرط الشيخين: الحاكم والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/117). .
- قال الشَّعبيُّ: (كانت دِرَّةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أهيَبَ من سَيفِ الحَجَّاجِ، ولمَّا جيء بالهُرمُزانِ -ملِكِ خوزستانَ- أسيرًا إلى عُمَرَ، لم يَزَلْ الموكَّلُ به يقتفي أثَرَ عُمَرَ، حتَّى عثر عليه في المسجِدِ نائمًا متوسِّدًا دِرَّتَه، فلمَّا رآه الهُرْمُزانُ قال: هذا هو المَلِكُ؟! واللهِ إني خدَمْتُ أربعةً من الملوكِ الأكاسِرةِ أصحابِ التِّيجانِ، فما هِبتُ أحدًا منهم كهَيبتي لصاحِبِ هذه الدِّرَّةِ) [6458] ذكره ابن حمدون في ((التذكرة الحمدونية)) (3/188)، وجار الله الزمخشري في ((ربيع الأبرار)) (4/13)، والنويري في ((نهاية الأرب)) (6/36). !
أسامةُ بنُ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ قال: ((كان محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَبَّ رجُلٍ من النَّاسِ إليَّ في الجاهليَّةِ، فلمَّا نُبِّئ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخرج إلى المدينةِ، شَهِد حكيمٌ الموسِمَ وهو كافِرٌ، فوجد حُلَّةً [6459] هي ثوبانِ: إزارٌ ورداءٌ، سُمِّيت بذلك لأنَّ أحدَهما يحُلُّ على الآخَرِ، وقيل: لا تكونُ إلَّا الثَّوبَ الجديدَ الذي يُحَلُّ مِن طَيِّه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (18/ 136). لذي يَزَنٍ تُباعُ، فاشتراها ليُهديَها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقَدِم بها عليه المدينةَ، فأراده على قبضِها هَديَّةً، فأبى، فقال: إنَّا لا نقبَلُ من المُشرِكين شيئًا، ولكِنْ إن شئتَ أخَذْتُها منك بالثَّمَنِ، فأعطيتُه إيَّاها حينَ أبى عليَّ الهديَّةَ، فلَبِسَها، فرأيتُها عليه على المنبرِ، فلم أرَ شيئًا أحسَنَ منه يومَئذٍ، ثمَّ أعطاها أسامةَ بنَ زيدٍ، فرآها حكيمٌ على أسامةَ، فقال: يا أسامةُ، أنت تَلبَسُ حُلَّةَ ذي يَزَنٍ؟! فقال: نعم، واللهِ لأنا خيرٌ من ذي يَزَنٍ، ولأبي خيرٌ من أبيه! قال حكيمٌ: فانطلَقْتُ إلى أهلِ مكَّةَ، أُعَجِّبُهم بقولِ أسامةَ)) [6460] رواه أحمد (15323)، والطبراني (3/202) (3125) واللفظ له، والحاكم (6050). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2294)، وصحَّح إسنادَه الحاكم، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15323)، ووثَّق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/154). .
عبدُ اللَّهِ بنُ حُذافةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
عن أبي رافعٍ قال: وجَّه عُمَرُ جيشًا إلى الرُّومِ، فأسَروا عبدَ اللَّهِ بنَ حُذافةَ، فذهبوا به إلى مَلِكِهم، فقالوا: إنَّ هذا من أصحابِ محمَّدٍ. فقال: هل لك أن تتنصَّرَ، وأعطيَك نصفَ مُلكي؟ قال: لو أعطيتَني جميعَ ما تملِكُ، وجميعَ مُلكِ العَرَبِ، ما رجَعْتُ عن دينِ محمَّدٍ طَرفةَ عَينٍ! قال: إذًا أقتُلَك. قال: أنت وذاك!
فأمَرَ به، فصُلِب، وقال للرُّماةِ: ارموه قريبًا من بَدَنِه، وهو يَعرِضُ عليه ويأبى، فأنزله ودعا بقِدرٍ، فصَبَّ فيها ماءً حتى احترقت، ودعا بأسيرينِ من المسلِمين، فأمَر بأحَدِهما، فألقِيَ فيها، وهو يَعرِضُ عليه النَّصرانيَّةَ، وهو يأبى! ثمَّ بكى. فقيل للمَلِكِ: إنَّه بكى. فظنَّ أنَّه قد جَزِع، فقال: ردُّوه.
ما أبكاك؟ قال: قُلتُ: هي نفسٌ واحدةٌ تُلقى السَّاعةَ فتذهَبُ، فكنتُ أشتهي أن يكونَ بعَدَدِ شَعري أنفُسٌ تُلقى في النَّارِ في اللَّهِ! فقال له الطَّاغيةُ: هل لك أن تُقَبِّلَ رأسي، وأخَلِّيَ عنك؟
فقال له عبدُ اللَّهِ: وعن جميعِ الأُسارى؟ قال: نعم. فقَبَّل رأسَه، وقَدِم بالأسارى على عُمَرَ، فأخبَرَه خبَرَه.
فقال عُمَرُ: حَقٌّ على كُلِّ مُسلمٍ أن يُقَبِّلَ رأسَ ابنِ حُذافةَ، وأنا أبدأُ، فقبَّل رأسَه [6461] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (2/ 14). !

انظر أيضا: