موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نَماذِجُ مِن عَدلِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنصافِه


(أمَّا عَدلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمانَتُه وعِفَّتُه وصِدقُ لهجَتِه، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آمَنَ النَّاسِ، وأعدَلَ النَّاسِ، وأعَفَّ النَّاسِ، وأصدَقَهم لهجةً مُنذُ كان اعتَرَف له بذلك مُحادُّوه وعِداه) [6264] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) للقاضي عياض (1/ 133). .
- عن عائشةَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ قُرَيشًا أهَمَّهم شَأنُ المَرأةِ المَخزوميَّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: ومن يُكَلِّمُ فيها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقالوا: ومَن يَجتَرِئُ عليه إلَّا أسامةُ بنُ زَيدٍ؛ حِبُّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَلَّمَه أسامةُ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ؟! ثُمَّ قامَ فاختَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهلَكَ الذين قبلَكم أنَّهم كانوا إذا سرَقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطِمةَ بِنتَ مُحمَّدٍ سَرَقَت لَقطَعتُ يَدَها)) [6265] رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688) واللفظ له. . ثمَّ أمَر بتلك المرأةِ التي سرَقَت فقُطِعَت يدُها.
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو أنَّ فاطِمةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَت لقَطَعتُ يدَها)) هذا العَدلُ غايةٌ في عَدلِ البَشَرِ، لا يوجَدُ عَدلٌ يصدُرُ مِن أيِّ بشَرٍ كان مِثلَ هذا العَدلِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ليقَطعَ كُلَّ الحُجَجِ والوساطاتِ والشَّفاعاتِ، وهذا يدُلُّ على كمالِ عَدلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [6266] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 130). .
- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادَ سَفرًا أقرَعَ بَينَ نِسائِه، فأيَّتُهنَّ خَرَجَ سَهمُها خَرَجَ بها مَعَه، وكان يَقسِمُ لكُلِّ امرَأةٍ منهنَّ يومَها وليلتَها، غَيرَ أنَّ سَودةَ بنتَ زَمعةَ وهَبَت يومَها وليلتَها لعائِشةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَبتَغي بذلك رِضا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [6267] أخرجه البخاري (2593) واللفظ له، ومسلم (2770). .
مِن فوائِدِ هذا الحَديثِ: كمالُ عَدلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ووَجهُه: أنَّه كان لا يُسافِرُ حتَّى يُقرِعَ بَينَهنَّ، وإلَّا فمِنَ الجائِز أن يختارَ واحِدةً، ويقولَ: تَخرُجُ معي، ويختارَ الشَّابَّةَ منهنَّ أوِ الخَفيفةَ وتَخرُجُ مَعَه، لكِن لكمالِ عَدلِه يُقرِعُ بَينَهنَّ [6268] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (4/ 646). . ومنه عَدلُه بَينَ نِسائِه في القِسمةِ، فكان يَقسِمُ لكُلٍّ منهنَّ يومَها وليلتَها بالعَدلِ والسَّويَّةِ [6269] ((المنهل الحديث في شرح الحديث)) لموسى شاهين لاشين (3/ 35). .
- وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يسألُ في مَرَضِه الذي ماتَ فيه يقولُ: أينَ أنا غَدًا؟ أينَ أنا غَدًا؟ يُريدُ يومَ عائِشةَ، فأَذِنَ له أزواجُه يكونُ حَيثُ شاءَ، فكان في بَيتِ عائِشةَ حتَّى ماتَ عِندَها)) [6270] أخرجه البخاري (4450)، واللفظ له ومسلم (2443). .
مِن فوائِدِ الحَديثِ: كمالُ عَدلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمِن عَدلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لن يكونَ عِندَ عائِشةَ وحدَها دونَ رِضا زَوجاتِه؛ ولهذا كان في مَرَضِه يقولُ: أينَ أنا غَدًا؟ يُشيرُ إلى أنَّه يرغَبُ أن يكونَ عِندَ عائِشةَ، ولمَّا رَأينَ هَواه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَّ له أن يكونَ عِندَ عائِشةَ [6271] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (4/ 642). .
- اختَصَمَ عليٌّ وزَيدٌ وجَعفَرٌ في ابنةِ حَمزةَ، فقال عليٌّ: أنا أحَقُّ بها وهي ابنةُ عَمِّي، وقال جَعفَرٌ: ابنةُ عَمِّي وخالتُها تَحتي، وقال زَيدٌ: ابنةُ أخي، فقَضى بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لخالتِها، وقال: ((الخالةُ بمَنزِلةِ الأُمِّ)) [6272] أخرجه البخاري (2699). .
فتَنازَعَ فيها ثَلاثٌ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وأخوه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ -وهو زَوجُ خالتِها-، والثَّالثُ زَيدُ بنُ حارِثةَ، وقال: إنَّها ابنةُ أخي؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آخي بَينَه وبَينَ حَمزةَ، تَنازعَ فيها الثَّلاثةُ، فقَضى بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لخالتِها، وأعطاها جَعفَرَ بنَ أبي طالبٍ، قال: ))الخالةُ بمَنزِلةِ الأُمِّ((.
وفي هذا الحَديثِ فوائِدُ، منها: عَدلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإلَّا فمِنَ المَعلومِ أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أفضَلُ الثَّلاثةِ، لكِنْ لعَدلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى بما يقتَضيه العَدلُ [6273] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (5/202، 203). .
- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ دِماءَكم وأموالَكم حَرامٌ عليكم كحُرمةِ يَومِكم هذا في شَهرِكم هذا في بَلَدِكم هذا، ألا كُلُّ شيءٍ مِن أمرِ الجاهِليَّةِ تحتَ قَدَميَّ مَوضوعٌ، دِماءُ الجاهِليَّةِ مَوضوعةٌ، وإنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِن دِمائِنا دَمُ ابنِ رَبيعةَ بنِ الحارِثِ، كانَ مُستَرضِعًا في بَني سَعدٍ فقَتلَته هُذَيلٌ، ورِبا الجاهِليَّةِ مَوضوعٌ، وأوَّلُ رِبًا أضَعُ رِبانا رِبا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوضوعٌ كلُّه)) [6274] أخرجه مسلم (1218). .
والحَديثُ فيه بَيانُ عَدلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو ظاهِرٌ مِن قَولِه: ((ورِبا الجاهليَّةِ مَوضوعٌ، وأوَّلُ رِبًا أضَعُ رِبانَا رِبا عَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ؛ فإنَّه موضوعٌ)) فأوَّل ما قَضى عليه مِن أمرِ الجاهليَّةِ ما كان يتَّصِلُ بأقارِبِه، وهذا كما قال في الحَديثِ الصَّحيحِ: ((وايْمُ اللهِ لو أنَّ فاطِمةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَت لقَطَعتُ يَدَها)) [6275] ((شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) لابن عثيمين (ص: 110). .

انظر أيضا: