موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خيرًا أو ليَصمُتْ)) [5980] رواه البخاري (6475)، ومسلم (47) مطوَّلًا. .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وفي هذا الحديثِ آدابٌ وسُنَنٌ، منها التَّأكيدُ في لُزومِ الصَّمتِ، وقولُ الخيرِ أفضَلُ من الصَّمتِ؛ لأنَّ قولَ الخيرِ غَنيمةٌ، والسُّكوتَ سلامةٌ، والغنيمةَ أفضَلُ من السَّلامةِ) [5981] ((التمهيد)) (21/35). .
وقال النَّوويُّ: (وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فلْيَقُلْ خيرًا أو لِيَصمُتْ)) فمعناه: أنَّه إذا أراد أن يتكلَّمَ؛ فإن كان ما يتكلَّمُ به خيرًا محقَّقًا يثابُ عليه واجبًا أو مندوبًا، فلْيتكلَّمْ، وإن لم يظهَرْ له أنَّه خيرٌ يثابُ عليه فليُمسِكْ عن الكلامِ، سواءٌ ظهَر له أنَّه حرامٌ أو مكروهٌ أو مباحٌ مُستوي الطَّرفَينِ؛ فعلى هذا يكونُ الكلامُ المباحُ مأمورًا بتركِه، مندوبًا إلى الإمساكِ عنه؛ مخافةً من انجرارِه إلى المحرَّمِ أو المكروهِ، وهذا يقعُ في العادةِ كثيرًا أو غالبًا) [5982] ((شرح النووي على مسلم)) (2/18). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن صَمَت نجا)) [5983] رواه الترمذي (2501)، وأحمد (6481). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2501)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6481)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/140)، ووثَّق رواتَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/343)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (11/315). .
قال القاريُّ: (... «مَن صَمَت»: أي: سكَت عن الشَّرِّ. «نجا»: أي: فاز وظَفِر بكلِّ خيرٍ، أو نجا من آفاتِ الدَّارينِ) [5984] ((مرقاة المفاتيح)) (7/3038). .
فمن سكَت عن الشَّرِّ فقد خلَص من جهنَّمَ ومن شَرِّ لِسانِه؛ فإنَّ الرَّجُلَ ربَّما يتكلَّمُ بكلامٍ يلحَقُه ضرَرٌ عظيمٌ في الدُّنيا والآخِرةِ [5985] ((المفاتيح)) للمظهري (5/ 181). .
قال الغزاليُّ: (من تأمَّل جميعَ... آفاتِ اللِّسانِ عَلِم أنَّه إذا أطلق لسانَه لم يسلَمْ، وعند ذلك يعرِفُ سِرَّ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من صمَت نجا))؛ لأنَّ هذه الآفاتِ كُلَّها مهالِكُ ومعاطِبُ، وهي على طريقِ المتكلِّمِ، فإن سكَت سَلِم من الكُلِّ، وإن نطَق وتكلَّم خاطَر بنفسِه، إلَّا أن يوافِقَه لسانٌ فصيحٌ، وعِلمٌ غزيرٌ، وورَعٌ حافظٌ، ومراقَبةٌ لازمةٌ، ويُقَلِّلَ من الكلامِ؛ فعساه يَسلَمُ عِندَ ذلك، وهو مع جميعِ ذلك لا ينفَكُّ عن الخطَرِ، فإن كنتَ لا تقدِرُ على أن تكونَ ممَّن تكلَّم فغَنِم، فكُنْ ممَّن سكت فسَلِم، فالسَّلامةُ إحدى الغنيمتينِ) [5986] (إحياء علوم الدين)) (3/162). .
3- عن سَهلِ بنِ سعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من يَضمَنْ لي ما بَيْنَ لَحْيَيه [5987] هما العظمانِ في جانبَيِ الفَمِ، مُثنى لَحْيٍ، وهو عظمُ الفَكِّ، والمرادُ بما بَيْنَهما اللِّسانُ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن رجب (7/ 16)، ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (23/ 71). وما بَيْنَ رِجلَيه أضمَنْ له الجنَّةَ)) [5988] رواه البخاري (6474). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (في هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ أكبَرَ الكبائِرِ إنَّما هي من الفَمِ والفَرجِ، وما بَيْنَ اللَّحيَينِ الفَمُ، وما بَيْنَ الرِّجلَينِ الفَرجُ، ومن الفَمِ ما يتولَّدُ من اللِّسانِ وهو كَلِمةُ الكُفرِ، وقَذفُ المحصَناتِ، وأخذُ أعراضِ المُسلِمين، ومن الفَمِ أيضًا شُربُ الخَمرِ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ ظُلمًا، ومن الفَرجِ الزِّنا واللِّواطُ) [5989] ((الاستذكار)) (8/ 565). .
قال ابنُ حَجَرٍ في شرحِ هذا الحديثِ: (فالمعنى: من أدَّى الحَقَّ الذي على لسانِه من النُّطقِ بما يجِبُ عليه، أو الصَّمتِ عمَّا لا يَعنيه، ضَمِن له الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجنَّةَ... فإنَّ النُّطقَ باللِّسانِ أصلٌ في حُصولِ كُلِّ مطلوبٍ، فإذا لم ينطِقْ به إلَّا في خيرٍ سَلِم، وقال ابنُ بطَّالٍ: دَلَّ الحديثُ على أنَّ أعظَمَ البلاءِ على المرءِ في الدُّنيا لسانُه وفَرجُه، فمَن وُقِيَ شَرَّهما وُقِي أعظَمَ الشَّرِّ) [5990] ((فتح الباري)) (11/309، 310). .
4- قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهم أو على مَناخِرِهم إلَّا حصائِدُ ألسنَتِهم؟‍)) [5991] أخرجه الترمذي (2616) واللفظ له، وابن ماجه (3973)، وأحمد (22016) من حديثِ معاذِ بنِ جبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (3/156)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/259)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2616). .
وفيه تحريضٌ على جهادِ النَّفسِ وقَمعِها عن الكلامِ فيما يُؤذيها ويُرديها؛ فإنَّه جعَل أكثَرَ دُخولِ النَّاسِ النَّارَ بسبَبِ ألسنَتِهم [5992] ((شرح الأربعين النووية)) لابن دقيق العيد (ص: 76). .

انظر أيضا: