موسوعة الأخلاق والسلوك

و- نماذِجُ من السَّماحةِ عندَ العُلَماءِ المعاصِرين


- سماحةُ خُلُقِ عبدِ الرَّحمنِ السَّعديِّ:
قال عبدُ الرَّزَّاقِ عفيفي في مقدِّمةِ تعليقِه على رسالةٍ لعبدِ الرَّحمنِ السَّعديِّ: (فإنَّ العُلماءَ في هذا العصرِ كثيرٌ، ولكِنْ قَلَّ منهم من يَستقي الحُكمَ من مَنبَعِه، ويُسنِدُه إلى أصلِه، ويُتبِعُ القولَ العَمَلَ، ويتحَرَّى الصَّوابَ في كُلِّ ما يأتي ويذَرُ، وإنَّ من ذلك القليلِ -فيما أعتَقِدُ- الشَّيخَ الجليلَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ ناصرِ بنِ سَعديٍّ رحمه اللهُ؛ فإنَّ من قرأ مصنَّفاتِه وتتَّبَع مؤلَّفاتِه، وخالطه وسَبَرَ حالَه أيَّامَ حياتِه، عرف منه الدَّأبَ في خدمةِ العِلمِ اطِّلاعًا وتعليمًا، ووقف منه على حُسنِ السِّيرةِ، وسماحةِ الخُلُقِ، واستقامةِ الحالِ، وإنصافِ إخوانِه وطلَّابِه من نفسِه، وطلَبِ السَّلامةِ فيما يَجُرُّ إلى شَرٍّ أو يُفضي إلى نزاعٍ أو شِقاقٍ؛ فرحمه اللهُ رحمةً واسعةً) [4930] ((الشيخ عبد الرزاق عفيفي حياته العلمية وجهوده الدعوية وآثاره الحميدة)) لمحمد بن أحمد سيد (ص: 257). .
- سماحةُ ابنِ بازٍ:
قال محمَّدُ بنُ موسى: (في يومٍ من الأيَّامِ وقبلَ وفاةِ سماحتِه بأشهُرٍ قليلةٍ، كان معي أوراقٌ كثيرةٌ، ومعامَلاتٌ مهمَّةٌ تحتاجُ إلى أن تُعرَضَ على سماحتِه، وكنتُ مُستَعِدًّا لعَرضِها عليه بعدَ صلاةِ العِشاءِ، وقبل أن أشرَعَ بعَرضِها جاء شابٌّ تونسيٌّ، وقال: يا سماحةَ الشَّيخِ بَينَ يدَيَّ بحثٌ أريدُ قراءتَه على سماحتِكم، فهل تأذنون لي بذلك؟ قال سماحةُ الشَّيخِ: لا بأسَ، فشرع ذلك الشَّابُّ بقراءةِ بحثِه، واستمَرَّ حتى وُضِع العَشاءُ، فذهب الوقتُ كُلُّه دونَ أن أقرأَ ورقةً واحدةً ممَّا بيدي، فقام سماحةُ الشَّيخِ ودعا الحاضرين إلى العَشاءِ، وشعَر بأنَّني قد ضاق صدري لعدَمِ تمكُّني من عَرْضِ بعضِ المعاملاتِ، فقال مُداعبًا: يا أبا موسى، إذا لم تخَفْ من أهلِك فتَعَشَّ معنا! فقُلتُ له: عشَّيْتَني يا سماحةَ الشَّيخِ، فقال: اللَّهُمَّ اهْدِنا فيمن هدَيتَ، نُرضيك يا أبا موسى بعدَ العَشاءِ، فهل تكفيك نصفُ ساعةٍ؟ ثمَّ ذهَبْنا للعَشاءِ جميعًا، وبعدَ العشاءِ أمسَكْتُ بيدِ سماحتِه، وكان مجهَدًا ويريدُ دُخولَ منزلِه، وقبل أن يدخُلَ نظر إليَّ وابتسم قائلًا: زَعِلْتَ يا أبا موسى؟ هل تسمَحُ لي أن أدخُلَ المنزِلَ، أو تريدُ أن أعطيَك وقتًا للقراءةِ؟ فما كان مني إلَّا أن قُلتُ: ومن أنا حتى تعتَذِرَ مني؟! ما أنا إلَّا واحِدٌ من كُتَّابِك، وممَّن هم تحت يَدِك، وما الأوراقُ والمعاملاتُ التي معي إلَّا تابعةٌ لعَمَلِك؛ فانصرف إلى داخِلِ منزِلِه مبتَسِمًا، وانصرَفْتُ والدُّموعُ تُهراقُ من عيني؛ تأثُّرًا بتلك السَّماحةِ التي لم أرَ مِثْلَها!) [4931] ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 232-233). .

انظر أيضا: