موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من السَّماحةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمحًا في تعامُلِه، وهو المثَلُ الأكمَلُ في السَّماحةِ، يحكي لنا أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه ما وجَده من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من حُسنِ المعاملةِ فيقولُ: ((خدَمْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أفٍّ، ولا: لمَ صنَعْتَ؟ ولا: ألَا صنَعْتَ؟)) [4904] رواه البخاري (6038) واللفظ له، ومسلم (2309). .
- وعنه أيضًا قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فأرسلني يومًا لحاجةٍ، فقلتُ: واللهِ لا أذهَبُ، وفي نَفسي أن أذهَبَ لِما أمَرني به نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، قال: فخرجْتُ حتَّى أمُرَّ على صِبيانٍ وهم يلعَبونَ في السُّوقِ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم قابِضٌ بقَفاي مِن وَرائي، فنظرْتُ إليه وهو يضحَكُ، فقال: يا أُنَيسُ، اذهَبْ حيثُ أمرْتُك، قلْتُ: نعَم، أنا أذهَبُ يا رسولَ اللهِ)) [4905] رواه مسلم (2310). .
- ومن سماحتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضاءُ حوائجِ النَّاسِ؛ فعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (كانت الأَمَةُ من إماءِ أهلِ المدينةِ لتأخُذُ بيَدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتنطَلِقُ به حيثُ شاءت) [4906] رواه البخاري (6072). .
- ومن سماحتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَفْوُه عمَّن أراد قَتْلَه؛ ((فعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه غزا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِبَلَ نَجدٍ، فلمَّا قَفَل [4907] قفل، أي: رجَع. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 543). رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قفل معه، فأدركَتْهم القائلةُ [4908] القائلةُ: أي: وَسَطُ النَّهاِر وشِدَّة الحَرِّ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 427). في وادٍ كثيرِ العِضاهِ [4909] العِضاهُ: كُلُّ شَجَرٍ عظيمٍ له شوكٌ. يُنظَر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ، فنزل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتفَرَّق النَّاسُ يَسْتَظِلُّون بالشَّجَرِ، فنزل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحتَ سَمُرةٍ [4910] سَمُرةَ: أي: شَجَرةٌ كثيرةُ الوَرَقِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/427). ، فعَلَّق بها سيفَه، ونِمنا نومةً، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعونا، وإذا عندَه أعرابيٌّ، فقال: إنَّ هذا اخترط [4911] اختَرَط: أي: سَلَّ. يُنظَر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). عَلَيَّ سيفي وأنا نائِمٌ، فاستيقَظْتُ وهو في يَدِه صَلْتًا [4912] صَلْتًا: أي: مجرَّدًا من غِمدِه. يُنظَر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ، فقال: من يمنَعُك مني؟ قلتُ: اللهُ، ثلاثًا، ولم يعاقِبْه، وجلس)) [4913] رواه البخاري (2910) واللفظ له، ومسلم (843). .
- ومن سماحتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعامُلُه مع الأعرابيِّ الذي جذب رداءَه بشِدَّةٍ؛ ليأمُرَ له بعطاءٍ؛ فعن أنس رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ أمشي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ، فأدركه أعرابيٌّ، فجبَذه [4914] الجَبْذُ: الجَذبُ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/235). بردائِه جبذةً شديدةً، حتَّى نظرْتُ إلى صَفْحةِ عاتِقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قد أثَّرَت بها حاشِيةُ البُردِ مِن شِدَّةِ جَبذتِه! ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، مُرْ لي مِن مالِ اللهِ الذي عندَك، فالتفَت إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ ضحِك، ثُمَّ أمَر له بعَطاءٍ)) [4915] رواه البخاري (5809) واللفظ له، ومسلم (1057). .

انظر أيضا: