موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من حُسْنِ الظَّنِّ عِندَ السَّلَفِ


مَرِض الشَّافعيُّ رحمه اللهُ، فأتاه بعضُ إخوانِه يعودُه -قيل: هو الرَّبيعُ-، فقال للشَّافعيِّ: قوَّى اللهُ ضَعْفَك! فقال الشَّافعيُّ: لو قوَّى ضَعفي لقَتَلني! قال: واللهِ ما أردتُ إلَّا الخيرَ! فقال الشَّافعيُّ: أعلَمُ أنَّك لو سبَبْتَني ما أرَدْتَ إلَّا الخيرَ [3225] ((آداب الشافعي ومناقبه)) لابن أبي حاتم (ص 209). !
قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ الشَّافعيَّ نظر إلى حقيقةِ اللَّفظِ، وهو نفسُ الضَّعفِ، والرَّبيعُ قَصَد أن يُسَمِّيَ الضَّعيفَ ضعفًا كما يُسَمَّى العادِلُ عَدلًا، ثمَّ لمَّا علم الشَّافعيُّ بحُسنِ قَصدِه أوجَب أن يقولَ: لو سبَبْتَني صريحًا -أي صريحًا في اللُّغةِ- لعَلِمتُ أنَّك لم تقصِدْ إلَّا خيرًا، فقدَّم عليه عِلمَه بحُسنِ قَصدِه ولم يجعَلْ سوءَ العبارةِ مُنقِصًا، وقد يسبِقُ اللِّسانُ بغيرِ ما قصَد القلبُ، كما يقولُ الدَّاعي من الفرَحِ: "اللَّهُمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك"، ولم يؤاخِذْه اللهُ) [3226] ((الرد على البكري)) (ص: 375). .
- وعن الزُّبَيرِ بنِ بكَّارٍ قال: سأل أميرُ المُؤمِنين (الرَّشيدُ) عبدَ اللهِ بنَ مُصعَبٍ عن سَعيدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ، وهو يومَئذٍ قاضيه، فقال: (يا أميرَ المُؤمِنين، إنِّي أحسَبُ سعيدَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ لو دخل المسجِدَ الحرامَ فنظر إلى رجُلٍ وامرأةٍ على فاحشةٍ ما ظَنَّ بهما إلَّا خيرًا؛ لبُعدِه من الآفاتِ) [3227] ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (10/ 98). .
- وقال عبدُ الوهَّابِ بنُ الوردِ أبو أميَّةَ لرجُلٍ: (إن استطَعْتَ ألَّا يدخُلَ أحدٌ من هذا البابِ إلَّا أحسَنْتَ به الظَّنَّ فافعَلْ) [3228] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 156). .
- و(حُكِي عن بنتِ عبدِ الله بنِ مطيعٍ أنَّها قالتْ لزوجِها طلحةَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ الزهريِّ، وكان أجودَ قريشٍ في زمانِه: ما رأيتُ قومًا ألأمَ مِن إخوانِك، قال: مَهْ، ولمَ ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرْتَ لزِموكَ، وإذا أعسرْتَ ترَكوكَ. قال: هذا واللهِ مِن كرمِهم، يأتوننا في حالِ القوةِ بنا عليهم، ويَتركونَنا في حالِ الضَّعفِ بنا عنهم)
قال الماوردي: (فانظُرْ كيفَ تأوَّل بكرمِه هذا التأويلَ حتَّى جعَل قبيحَ فعلِهم حسنًا، وظاهرَ غدرِهم وفاءً. وهذا محضُ الكرمِ ولبابِ الفضلِ، وبمثلِ هذا يلزمُ ذَوي الفضلِ أنْ يتأوَّلوا الهفواتِ مِن إخوانِهم) [3229] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 180). .

انظر أيضا: