موسوعة التفسير

سورةُ الأحزابِ
الآيات (18-20)

ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الْمُعَوِّقِينَ: أي: المُثَبِّطينَ الصَّارِفينَ عن طَريقِ الخَيرِ، يُقالُ: عاقه واعتاقَه وعَوَّقه: إذا صَرَفه عن الوَجهِ الَّذي يُريدُه، والتَّعويقُ: ترغيبُ النَّاسِ عن الخيرِ [327] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (18/205)، ((المفردات)) للراغب (ص: 597)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 298). .
هَلُمَّ: أي: تَعالَوا إلينا، وهي كَلِمةٌ تدُلُّ على دَعوةٍ إلى شَيءٍ [328] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/50)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 494)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/60)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 299)، ((تفسير القرطبي)) (14/152). .
الْبَأْسَ: أي: القِتالَ والحَربَ، وأصلُ (بأس): يدُلُّ على الشِّدَّةِ وما ضاهاها [329] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 70، 154))، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/328)، ((المفردات)) للراغب (ص: 153)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 299)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 249). .
أَشِحَّةً: أي: بُخلاءَ ليس فيهم خَيرٌ، والشُّحُّ: بُخلٌ مع حِرصٍ، وأصلُ (شحح): يدُلُّ على مَنعٍ [330] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 74)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/178)، ((المفردات)) للراغب (ص: 446)، ((تفسير القرطبي)) (14/152)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 340)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 121). .
سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ: أي: آذَوكم بالكَلامِ بألسِنةٍ سَليطةٍ، والسَّلقُ: قُوَّةُ الصَّوتِ والصِّياحِ، وبَسطُ اللِّسانِ [331] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 349)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 266)، ((البسيط)) للواحدي (18/208)، ((المفردات)) للراغب (ص: 420)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/298). .
الْأَحْزَابُ: أي: الجماعاتِ، وهم كفَّارُ قريشٍ، ومَن معهم، جمعُ حِزبٍ، والحزبُ: الجماعةُ مِن النَّاسِ، أو: جماعةٌ فيها غِلَظٌ، أو: كلُّ طائفةٍ هواهم واحدٌ، يُقالُ: تحزَّب القومُ: إذا تجمَّعوا فصاروا أحزابًا، والطَّائفةُ مِن كُلِّ شَيءٍ حِزْبٌ، وأصلُ (حزب): تَجَمُّعُ الشَّيءِ [332] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/56)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/55)، ((البسيط)) للواحدي (18/211)، ((المفردات)) للراغب (ص: 231)، ((تفسير ابن جزي)) (2/148). .
بَادُونَ: أي: مُقيمونَ في الباديةِ، يقالُ: بَدا يَبْدو بَداوةً: إذا خرَجَ إلى الباديةِ، والبَدْوُ: ضِدُّ الحَضَرِ؛ سُمِّيَ بَدْوًا لأنَّ سُكَّانَه بادُونَ، أي: ظاهِرونَ لكُلِّ واردٍ؛ إذ لا تَحجُبُهم جُدرانٌ، ولا تُغلَقُ عليهم أبوابٌ، وأصلُ (بدو): يدُلُّ على الظُّهورِ والبُروزِ [333] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/57)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/212)، ((المفردات)) للراغب (ص: 113)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/58). .
الْأَعْرَابِ: جَمعُ أعرابيٍّ، وهم أهلُ البَدْوِ، وأصلُ (عرب): يدُلُّ على إبانةٍ وإفصاحٍ [334] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/57)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/299)، ((المفردات)) للراغب (ص: 556)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 340). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مهدِّدًا هؤلاءِ المنافقينَ، ومبَيِّنًا أنَّ عِلمَه محيطٌ بهم، وأنَّهم لن يُفلِتوا مِن عِقابِه: قد يَعلَمُ اللهُ المثبِّطينَ الَّذين يَصُدُّونَ النَّاسَ عن الخُروجِ للجِهادِ، والقائِلينَ لإخوانِهم: أقبِلوا إلينا ودَعُوا الجِهادَ، ولا يَشهَدونَ الحَربَ إلَّا زَمَنًا قليلًا رياءً وسُمْعةً.
ثمَّ يَذكُرُ الله تعالى بعضَ صفاتِ المنافقينَ، فيقولُ: أشِحَّةً على المؤمِنينَ، بُخلاءَ بكُلِّ خَيرٍ يَصِلُ إليهم، فإذا جاء القِتالُ رأيتَ المنافِقينَ مِن شِدَّةِ خَوفِهم يَنظُرونَ إليك -يا مُحمَّدُ- تدورُ أعينُهم كدَوَرانِ عَينِ مَن يُغشَى عليه عندَ مَوتِه، فإذا ذهَبَ الخَوفُ وأمِنَ المنافِقونَ، تكَلَّموا بكلامٍ شَديدٍ قَوِيٍّ، بُخلاءَ بكلِّ ما فيه للمؤمنينَ مَنفعةٌ. أولئك المنافِقونَ لم يُؤمِنوا فأبطَل اللهُ أعمالَهم، وكان إحباطُ اللهِ أعمالَهم سَهلًا عليه سُبحانَه.
يظُنُّ أولئك المنافِقونَ -لشِدَّةِ خَوفِهم- أنَّ الكُفَّارَ المتحَزِّبينَ عليكم ما زالوا حوْلَ المدينةِ ولم يذهَبوا، وإن يرجِعِ الكُفَّارُ مَرَّةً أخرى لقِتالِكم يَوَدَّ أولئك المنافِقونَ -مِن شِدَّةِ خَوفِهم- لو كانوا في الباديةِ يَسألونَ النَّاسَ عن أخبارِكم -أيُّها المسلِمونَ-، ولو كان المنافِقونَ معكم ما قاتَلوا إلَّا قِتالًا قليلًا؛ رياءً وسُمْعةً.

تَفسيرُ الآياتِ:

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أخبَرَ اللهُ سُبحانَه بما عَلِمَ ممَّا أوقَعَه المنافِقونَ مِن أسرارِهم، وأمَرَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بوَعظِهم؛ حذَّرَهم بدوامِ عِلمِه لِمَن يَخونُ منهم، فقال محقِّقًا مُقَرِّبًا مِن الماضي، ومُؤْذِنًا بدَوامِ هذا الوَصفِ له [335] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/313). :
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ.
أي: قد يَعلَمُ اللهُ المثَبِّطينَ منكم [336] قال ابنُ عثيمين: (الخِطابُ للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ والصَّحابةِ). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 142). الَّذين يَصُدُّونَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن الخُروجِ معه للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ [337] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/50)، ((تفسير القرطبي)) (14/151)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/313، 314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 660). قال مقاتل: (يعني: عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ وأصحابَه). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/481). وقال ابنُ تيميَّةَ: (الخِطابُ لِمَن كان في الظَّاهِرِ مُسلِمًا مُؤمِنًا وليس مُؤمِنًا... فهو منكم في الظَّاهرِ لا الباطِنِ؛ ولهذا لَمَّا استُؤذِنَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قَتلِ بَعضِ المنافِقينَ قال: «لا يتحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحمَّدًا يقتُلُ أصحابَه»؛ فإنَّهم من أصحابِه في الظَّاهِرِ عندَ مَن لا يعرِفُ حقائِقَ الأمورِ، وأصحابُه الَّذين هم أصحابُه ليس فيهم نِفاقٌ). ((مجموع الفتاوى)) (7/419). .
وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا.
أي: ويَعلَمُ القائِلينَ [338] قال ابن عاشور: (يجوزُ أن يكونَ القائلونَ لإخوانِهم: هَلُمَّ إِلَيْنَا هم المعوِّقينَ أنفُسَهم، فيكونَ مِن عَطفِ صِفاتِ الموصوفِ الواحدِ... ويجوزُ أن يكونوا طائفةً أخرى). ((تفسير ابن عاشور)) (21/294). وممَّن قال بأنَّهم طائفتانِ: القرطبيُّ، وابنُ تيميَّةَ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/151)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/456). لإخوانِهم [339] قيل: المرادُ بهم: أصحابُهم وعُشَراؤُهم، وخُلَطاؤُهم وأولياؤُهم. وممَّن قال بهذا: السمرقندي، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/52)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390). وقيل: المراد: لإخوانِهم مِن ساكِني المدينةِ مِن أنصارِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ. وممَّن اختار ذلك في الجملةِ: الزَّجَّاجُ، والزمخشري، والبيضاوي، والرسعني، والقاسمي. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/220)، ((تفسير الزمخشري)) (3/529)، ((تفسير البيضاوي)) (4/227)، ((تفسير الرسعني)) (6/121)، (تفسير القاسمي)) (8/57). قال ابن عثيمين: (سُمُّوا إخوانَهم في النَّسَبِ، وليسوا إخوانَهم في الدِّينِ، اللَّهمَّ إلَّا أن يُرادَ الأُخُوَّةُ الظَّاهرةُ؛ فإنَّ هؤلاء يَتظاهَرون بأنَّهم مؤمنون). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 143). : أقبِلوا إلينا، وتَعالَوا إلى ما نحنُ فيه مِنَ الرَّاحةِ والنَّعيمِ، ودَعُوا محمَّدًا، واترُكوا الجِهادَ معه؛ فإنَّا نخافُ عليكم الهَلاكَ [340] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/50)، ((تفسير القرطبي)) (14/151)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390)، ((تفسير السعدي)) (ص: 660)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 143، 144). قال ابن تيميَّةَ: (قال العُلَماءُ: كان مِنَ المنافِقينَ مَن يرجِعُ مِنَ الخندقِ فيَدخُلُ المدينةَ، فإذا جاءهم أحدٌ قالوا له: ويْحَكَ، اجلِسْ فلا تخرُجْ! ويَكتُبون بذلك إلى إخوانِهم الَّذين بالعَسكرِ: أن ائتُونا بالمدينةِ فإنَّا ننتظِرُكم؛ يُثَبِّطونَهم عن القتالِ. وكانوا لا يأتون العَسكرَ إلَّا ألَّا يجِدوا بُدًّا، فيأتون العَسكَرَ لِيَرى النَّاسُ وُجوهَهم، فإذا غُفِل عنهم عادوا إلى المدينةِ... فوصَفَ المثَبِّطينَ عن الجهادِ -وهم صنفانِ- بأنَّهم إمَّا أن يكونوا في بلدِ الغُزاةِ أو في غيرِه؛ فإن كانوا فيه عَوَّقوهم عن الجِهادِ بالقَولِ أو بالعَمَلِ أو بهما، وإن كانوا في غيرِه راسَلوهم أو كاتَبوهم بأن يخرُجوا إليهم مِن بلدِ الغُزاةِ؛ لِيَكونوا معهم بالحُصونِ أو بالبُعدِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/455، 456). .
وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا.
أي: ولا يَشهَدونَ الحَربَ أو مَكانَها إلَّا زَمنًا قليلًا؛ رياءً وسُمعةً [341] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/50)، ((الوسيط)) للواحدي (3/463)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/314)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/295). .
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها انتِقالٌ مِنَ القَولِ الَّذي أُمِرَ الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأن يَقولَه لهم، إلى كَشفِ أحوالِهم للرَّسولِ والمُسلِمينَ [342] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/295). .
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ.
أي: أشِحَّةً على المؤمِنينَ بكُلِّ ما فيه مَنفَعةٌ لهم، حريصينَ على مَنعِ كُلِّ خَيرٍ مِنَ الوُصولِ إليهم [343] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/52، 53)، ((تفسير ابن عطية)) (4/375)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/590، 591) و (28/456)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/314)، ((تفسير الشوكاني)) (4/310)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 147). قال ابنُ جرير: (اختَلف أهلُ التَّأويلِ في المعنى الَّذي وَصَف اللهُ به هؤلاء المنافقينَ في هذا الموضِعِ مِن الشُّحِّ؛ فقال بعضُهم: وصَفَهم بالشُّحِّ عليهم في الغنيمةِ... وقال آخَرون: بل وصَفهم بالشُّحِّ عليهم بالخَيرِ. وقال غيرُه: معناه: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بالنَّفقةِ على ضُعَفاءِ المؤمنينَ منكم. والصَّوابُ مِن القَولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إنَّ اللهَ وصَفَ هؤلاء المنافِقينَ بالجُبنِ والشُّحِّ، ولم يَخْصُصْ وَصْفَهم مِن معاني الشُّحِّ بمعنًى دونَ معنًى؛ فهم -كما وصَفهم اللهُ به- أشِحَّة على المؤمِنينَ بالغنيمةِ والخَيرِ والنَّفَقةِ في سَبيلِ الله، على أهلِ مَسكَنةِ المُسلِمينَ). ((تفسير ابن جرير)) (19/51). وقال ابن جُزي: (معناه: يَشِحُّون بأنفُسهم فلا يُقاتِلون. وقيل: يَشِحُّون بأموالِهم. وقيل: معناه: أشِحَّةً عليكم وقْتَ الحربِ، أي: يُشفِقون أن يُقتَلوا). ((تفسير ابن جزي)) (2/148). .
فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.
أي: فإذا جاء القِتالُ فحضَرَ الخَوفُ، رأيتَ المنافِقينَ -يا محمَّدُ- يَنظُرونَ إليك وأعينُهم تَدورُ سَريعًا مُحَملِقةً في الجِهاتِ المحيطةِ؛ مِن شِدَّةِ جُبنِهم وخَوفِهم مِنَ القَتلِ، كدَوَرانِ عَينِ مَن يُغمَى عليه بسَبَبِ النَّزعِ عندَ مَوتِه [344] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/53)، ((تفسير ابن عطية)) (4/375)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/456)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/314، 315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/297). !
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ.
أي: فإذا انقطَعَت الحَربُ فذهَبَ الخَوفُ، واطمأنَّ المنافِقونَ وأمِنوا؛ تكَلَّموا بكلامٍ شَديدٍ قَوِيٍّ [345] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 349)، ((تفسير ابن جرير)) (19/53 - 55)، ((تفسير ابن جزي)) (2/148)، ((تفسير ابن كثير)) (6/390)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661). قال الماوَرْدي: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ فيه وجهانِ: أحدُهما: أي: رفَعوا أصواتَهم عليكم بألْسِنةٍ حِدادٍ، أي: شديدةٍ ذَرِبةٍ. الثَّاني: معناه: آذَوْكم بالكلامِ الشَّديدِ. والسَّلْقُ: الأذَى، قاله ابنُ قُتَيْبةَ). ((تفسير الماوردي)) (4/385). ويُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 349). وقال ابن تيميَّةَ: (وهذا السَّلْقُ بالألسنةِ الحادَّةِ يكونُ بوُجوهِ: تارَةً يقولُ المنافقونَ للمؤمنينَ: هذا الَّذي جَرَى علينا بشُؤْمِكم؛ فإنَّكم أنتم الَّذينَ دعوتُم النَّاسَ إلى هذا الدِّينِ وقاتَلْتُم عليه وخالَفْتُموهم؛ فإنَّ هذه مقالَةُ المنافقينَ للمؤمنينَ مِن الصَّحابةِ. وتارَةً يقولونَ: أنتم الَّذين أشَرْتُم علينا بالمقامِ هنا والثَّباتِ بهذا الثَّغْرِ إلى هذا الوقتِ، وإلَّا فلو كُنَّا سافَرْنا قبْلَ هذا لَمَا أصابَنا هذا. وتارَةً يَقولونَ: أنتم مع قِلَّتِكم وضَعْفِكم تُريدونَ أنْ تكسِروا العدُوَّ وقد غَرَّكم دينُكم، كما قال تعالَى: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 49]. وتارَةً يقولونَ: أنتم مجانينُ لا عقلَ لكم، تُريدونَ أنْ تُهْلِكوا أنفسَكم والنَّاسَ معَكم. وتارَةً يَقولونَ أنواعًا مِن الكلامِ المُؤذي الشَّديدِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/457، 458). وقال ابن كثير: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أي: فإذا كان الأمنُ، تَكَلَّموا كلامًا بليغًا فصيحًا عالِيًا، وادَّعَوا لأنفُسِهم المقاماتِ العاليةَ في الشَّجاعةِ والنَّجْدةِ، وهم يَكذِبونَ في ذلكَ). ((تفسير ابن كثير)) (6/390). وقال ابنُ جرير: (وقد اختلَف أهلُ التَّأويلِ في المعنى الَّذي وصَفَ -تعالى ذِكْرُه- هؤلاء المنافقين أنَّهم يَسْلُقون المؤمنينَ به؛ فقال بعضُهم: ذلك سَلْقُهم إيَّاهم عندَ الغنيمةِ بمسألتِهم القَسْمَ لهم... وقال آخَرون: بل ذلك سَلْقُهم إيَّاهم بالأذى... وقال آخَرون: بل معنى ذلك: أنَّهم يَسْلُقونَهم مِن القَولِ بما تُحِبُّونَ؛ نِفاقًا منهم). ((تفسير ابن جرير)) (19/54، 55). .
أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ.
أي: بُخلاءَ بكلِّ ما فيه للمؤمنينَ مَنفعةٌ، فليس فيهم خيرٌ [346] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/375)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/458)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661). قال الماوَرْدي: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ فيه ثلاثةُ أوجُهٍ؛ أحدُها: على قِسمةِ الغَنيمةِ. قاله يحيى بنُ سلام. الثَّاني: على المالِ يُنفِقونَه في سبيلِ اللهِ. قاله السُّدِّيُّ. الثَّالثُ: على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بظَفَرِه). ((تفسير الماوردي)) (4/386). ويُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/708). ممَّن اختار القولَ الأوَّلَ، وأنَّ المرادَ: أنَّهم حريصونَ على الأموالِ والغنائِمِ الَّتي ظَفِرَ بها المؤمِنونَ، فيُطالِبونَهم بنَصيبٍ منها: ابنُ جرير، والرَّسْعَني، وابنُ تيميَّةَ، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/55)، ((تفسير الرسعني)) (6/125)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/458)، ((تفسير العليمي)) (5/351)، ((تفسير الشوكاني)) (4/311). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: قَتادةُ، والسُّدِّيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/51)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/581). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: أنَّهم شَحيحون بالمالِ الَّذي عندَهم: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (15/315). وقيل: المرادُ أنَّهم أشِحَّةٌ على فِعلِ الخَيرِ. وممَّن اختاره: ابنُ جُزَي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/148)، ((تفسير القاسمي)) (8/57). وممَّن اختار العمومَ: ابنُ عطية، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/375)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661). قال ابنُ عطية: (وهذا الشُّحُّ قيل: هو بأنفُسِهم يَشُحُّونَ على المؤمِنينَ بها، وقيل: هو بإخوانِهم، وقيل: بأموالِهم في النَّفَقاتِ في سَبيلِ الله، وقيل: بالغنيمةِ عندَ القَسمِ. والصَّوابُ: تعميمُ الشُّحِّ أن يكونَ بكُلِّ ما فيه للمؤمنينَ مَنفعةٌ). ((تفسير ابن عطية)) (4/375). .
كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: 58].
أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا وصَفَهم سُبحانَه بهذه الدَّنايا؛ أخبَرَ بأنَّ أساسَها وأصْلَها الَّذي نشأتْ عنه عَدَمُ الوُثوقِ باللهِ؛ لعَدَمِ الإيمانِ، فقال [347] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/320). :
أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ.
أي: أولئك المنافِقونَ البُغَضاءُ البُعَداءُ لم يُؤمِنوا بقُلوبِهم وإن أقرَّت ألسِنَتُهم، ولم يُخلِصوا في أعمالِهم؛ فأبطَلَها اللهُ سُبحانَه، فلا يُثيبُهم عليها في الآخِرةِ [348] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/55)، ((تفسير القرطبي)) (14/154)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/320)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661). .
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا.
أي: وكان إحباطُ اللهِ لأعمالِ المُنافِقينَ سَهلًا عليه، ولا يَعبَأُ بهم [349] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/56)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/320)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/300)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 151). .
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ حالَ المنافِقينَ والَّذين في قُلوبِهم مَرَضٌ؛ مِن فِتنتِهم في المُسلِمينَ، وأذاهم حينَ مَجيءِ جُنودِ الأحزابِ، وحينَ زاغَت الأبصارُ وبلَغَتِ القُلوبُ الحناجِرَ- ثَنى عِنانَ الكلامِ الآنَ إلى حالِهم حينَ أنعَمَ اللهُ على المُسلِمينَ بانكِشافِ جُنودِ الأحزابِ عنهم [350] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/300). .
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا.
أي: يَظُنُّ المنافِقونَ -بسَبَبِ جُبنِهم وشِدَّةِ خَوفِهم- أنَّ الكُفَّارَ المتحَزِّبينَ ما زالوا حوْلَ المدينةِ لم يَنصَرِفوا عنها [351] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/56)، ((تفسير القرطبي)) (14/154)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/459)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 156، 159). قال ابنُ تيميَّة: (هذه حالُ الجبانِ الَّذي في قَلبِه مَرَضٌ؛ فإنَّ قَلبَه يُبادِرُ إلى تصديقِ الخبرِ المَخُوفِ، وتكذيبِ خَبَرِ الأمنِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/459). .
وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ.
أي: وإنْ يَرجِعِ الكُفَّارُ مَرَّةً أخرى للقِتالِ أو حِصارِ المدينةِ يَتمَنَّ المنافِقونَ -مِن شِدَّةِ جُبنِهم وخَوفِهم- أنَّهم غائِبونَ في الباديةِ مع البَدْوِ [352] قال البِقاعي: (الَّذين هم عِندَهم في محَلِّ النَّقصِ، وممَّن تُكرَهُ مُخالَطتُه، ولو كان تمنِّيهم في ذلك الحينِ مُحالًا). ((نظم الدرر)) (15/322). يَسألونَ النَّاسَ عن أخبارِكم أيُّها المُسلِمونَ [353] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/57)، ((تفسير القرطبي)) (14/154)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/459)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((تفسير السعدي)) (ص: 661). قال البقاعي: (يَسْأَلُونَ كُلَّ وَقتٍ عَنْ أَنْبَائِكُمْ العَظيمةِ معهم؛ جريًا على ما هم عليه مِنَ النِّفاقِ؛ لِيُبقوا لهم عندَكم وَجهًا، كأنَّهم مُهتَمُّونَ بكم، يُظهِرونَ بذلك تحرُّقًا على غَيبتِهم عن هذه الحَربِ، أو لِيُخفُوا غَيبتَهم ويُظهِروا أنَّهم كانوا بيْنَكم في الحَربِ، بأمارةِ أنَّه وقَعَ لكم في وقتِ كذا أو مكانِ كذا- كذا، ويُكابِروا على ذلك مِن غيرِ استحياءٍ؛ لأنَّ النِّفاقَ صار لهم خُلُقًا لا يَقدِرونَ على الانفِكاك عنه، ويُرشِدُ إلى هذا المعنى قراءةُ يعقوبَ [مِن روايةِ رُوَيْسٍ] يَسْأَلُونَ بالتَّشديدِ). ((نظم الدرر)) (15/322). وقيل: السُّؤالُ عن الأنباءِ لقَصدِ التَّجَسُّسِ على المُسلِمينَ للمُشرِكينَ، ولِيَسُرَّهم ما عسى أن يَلحَقَ المُسلِمينَ مِن الهزيمةِ. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/301). وقال الشوكاني: (والمعنَى: أنَّهم يَتَمَنَّوْنَ أنَّهم بعيدٌ عنكم، يَسألونَ عن أخبارِكم مِن غيرِ مشاهَدةٍ للقتالٍ؛ لفَرْطِ جُبْنِهم، وضَعفِ نِيَّاتِهم). ((تفسير الشوكاني)) (4/311). .
وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا.
أي: ولو كان المنافِقونَ حاضِرينَ معكم حينَ يأتي الكُفَّارُ مَرَّةً أُخرى، فلن يُقاتِلوهم إلَّا قِتالًا قَليلًا؛ رياءً وسُمْعةً، بلا احتِسابٍ منهم للأجرِ [354] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/57)، ((تفسير القرطبي)) (14/155)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/459)، ((تفسير ابن كثير)) (6/391)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/302). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قولُ الله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ... فيه التَّحذيرُ مِن هذه الصِّفاتِ الَّتي يتَّصِفُ بها المنافِقُ حتَّى وإنْ كان الإنسانُ مُؤمِنًا؛ لِقَولِه سُبحانَه وتعالى: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ لأنَّها صِفاتُ غيرِ المؤمِنينَ، والمؤمِنُ مَنهيٌّ عن الاتِّصافِ بصِفاتِ غيرِ المؤمِنينَ [355] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 153). .
2- قَولُ الله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ هذا شَرُّ ما في الإنسانِ: أن يكونَ شَحيحًا بما أُمِرَ به، شَحيحًا بمالِه أن يُنفِقَه في وَجهِه، شَحيحًا في بَدَنِه أن يُجاهِدَ أعداءَ اللهِ أو يدعُوَ إلى سَبيلِ اللهِ، شَحيحًا بجاهِه، شَحيحًا بعِلمِه ونَصيحتِه ورَأيِه [356] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 660). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- إنَّ الاسمَ الواحدَ يُنْفَى ويُثْبَتُ بحسَبِ الأحكامِ المتعلِّقةِ به، فلا يجبُ إذا أُثْبِتَ أو نُفِيَ في حُكمٍ أنْ يكونَ كذلك في سائرِ الأحكامِ! وهذا في كلامِ العربِ وسائرِ الأممِ؛ لأنَّ المعنى مفهومٌ، فالمنافقونَ قد يُجعلونَ مِن المؤمنينَ في مَوضعٍ، وفي موضعٍ آخَرَ يُقالُ: «ما هم منهم»، فقولُه تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ إلى قوله سُبحانَه: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [الأحزاب: 19] فهنا جَعَل هؤلاء المنافقينَ الخائفينَ مِن العدوِّ، النَّاكِلينَ عن الجهادِ، النَّاهينَ لغيرِهم، الذَّامِّينَ للمؤمنينَ- منهم. وقال في آيةٍ أخرى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ [التوبة: 56] ، فكَذَّبَهم اللهُ، وقال: وَمَا هُمْ مِنْكُمْ، وهناك قال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ، فالخِطابُ لِمَن كان في الظاهرِ مسلمًا مؤمنًا وليس مؤمنًا؛ بأنَّ «منكم» مَن هو بهذه الصِّفةِ وليس مؤمنًا! بل أحْبَطَ اللهُ عملَه، فهو منكم في الظَّاهرِ لا الباطنِ [357] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/418). .
2- في قَولِه تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا إحاطةُ عِلْمِ اللهِ سُبحانَه وتعالى بكلِّ شَيءٍ؛ فقَولُ هؤلاء: هَلُمَّ إِلَيْنَا وتعويقُهم: فَردٌ مِن أفرادِ العالَمِ، ومَسألةٌ جزئيَّةٌ منه، ومع ذلك يَعلَمُه اللهُ سُبحانَه وتعالى، والعالِمُ بالدَّقيقِ عالِمٌ بالجَليلِ مِن بابِ أَولى؛ ففيها إثباتُ إحاطةِ عِلمِ اللهِ تعالى بكلِّ شَيءٍ جملةً وتَفصيلًا، وعِلْمِه بالمستقبلِ؛ لأنَّه قال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ بصيغةِ المضارعِ [358] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 145). .
3- قَولُ الله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ سُنَّةُ اللهِ في أنَّ كُلَّ مَن عامَلَ النَّاسَ بالخِداعِ، كان قليلَ الثَّباتِ عندَ القِراعِ [359] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/315). .
4- قَولُ الله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ البُخلُ شَبيهُ الجُبنِ، فلمَّا ذكَرَ البُخلَ بيَّن سَبَبَه وهو الجُبنُ، والَّذي يدُلُّ عليه هو أنَّ الجبانَ يَبخَلُ بمالِه، ولا يُنفِقُه في سبيلِ اللهِ؛ لأنَّه لا يتوقَّعُ الظَّفَرَ، فلا يرجو الغنيمةَ، فيقولُ: هذا إنفاقٌ لا بدَلَ له، فيتوقَّفُ فيه، وأمَّا الشُّجاعُ فيتيقَّنُ الظَّفَرَ والاغتِنامَ، فيهونُ عليه إخراجُ المالِ في القتالِ؛ طمعًا فيما هو أضعافُ ذلك، وأمَّا بالنَّفسِ والبَدنِ فكذلك [360] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (??/???). .
5- في قَولِه تعالى: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ شِدَّةُ محبَّةِ المنافِقينَ للحَياةِ؛ لأنَّهم إنَّما بلَغوا هذا المَبلَغَ مِن الخَوفِ حِرصًا على الحياةِ، وخَوفًا مِن الموتِ بالقِتالِ [361] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 152). .
6- أنَّ للموتِ سكَراتٍ، لقولِه تعالى: كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ -وهذا بالنِّسبةِ للموتِ العاديِّ-؛ أمَّا الموتُ المُباغِتُ فقد لا يكونُ فيه سكَراتٌ، فقد يموتُ الإنسانُ بَغْتةً كالَّذي يَحْدُثُ بالحوادثِ وسكتاتِ القلوبِ وما أشْبَهَها [362] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 152). .
7- قَولُ الله تعالى: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ فيه سؤالٌ: هل يَثبُتُ للمُنافِقِ عَمَلٌ حتَّى يَرِدَ عليه الإحباطُ؟
الجوابُ: لا، ولكِنَّه تعليمٌ لِمَن عسَى يظُنُّ أنَّ الإيمانَ باللِّسانِ إيمانٌ، وإنْ لم يُواطِئْه القَلبُ، وأنَّ ما يَعمَلُ المنافِقُ مِن الأعمالِ يُجدي عليه؛ فبيَّن أنَّ إيمانَه ليس بإيمانٍ، وأنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُوجَدُ منه: باطِلٌ [363] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/530). قال الزمخشريُّ بعدَه: (وفيه بعثٌ على إتقانِ المكلَّفِ أساسَ أمرِه؛ وهو الإيمانُ الصحيحُ). قال الطِّيبي معلِّقًا عليه: (يريدُ أنّ إحباطَ العملِ إنما يُتصَوَّرُ إذا وُجِدَ هناك عَملٌ، والمنافِقُ لا عَمَلَ له حتَّى يُحْبَطَ، لكنَّ وُرودَ هذا الأسلوبِ على التَّعريضِ بمَنْ له عَملٌ، والحثِّ له على الاحتياطِ والإتقانِ فيه؛ لئلَّا يَؤُولَ إلى الإحباطِ). ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/399، 400). .
وأيضًا فإنَّ المرادَ بأعمالِهم الأعمالُ الَّتي صُورَتُها صورةُ الطَّاعةِ، وإلَّا فلا عَمَلَ لِكافِرٍ.
 أو يكونُ المرادُ بها ما كانوا قد عَمِلوا مِنَ الخَيرِ قبلَ الرِّدَّةِ.
أو يكونُ المرادُ بقوله: فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ أي: أظْهَر بُطلانَها؛ لأنَّها لم تَكُنْ لهم أعمالٌ تَقْتَضي الثَّوابَ حتَّى يُبْطِلَها الله [364] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/311) و (5/48). .
8- في قَولِه تعالى: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا عِلْمُ اللهِ سُبحانَه وتعالى بما في القلوبِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ لنا أنَّهم مؤمنونَ، لكنَّ الواقعَ أنَّهم غيرُ مؤمنينَ [365] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 153). .
9- في قَولِه تعالى: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ أنَّ الكُفرَ مُحبِطٌ للعَمَلِ سواءٌ كان ظاهِرًا أم باطِنًا، فالرَّكيزةُ الأصليَّةُ للأعمالِ هي الإيمانُ [366] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 153، 154). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا استِئنافٌ بَيانيٌّ ناشئٌ عن قولِه: مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ [الأحزاب: 17] ؛ لأنَّ ذلك يُثِيرُ سُؤالًا يَهجِسُ في نُفوسِهم أنَّهم يُخْفُون مَقاصدَهم عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلا يَشعُرُ بمُرادِهم مِن الاستئذانِ؛ فأُمِرَ أنْ يقولَ لهم: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ، وقد جُعِلَ هذا الاستِئنافُ تَخلُّصًا لذِكرِ فَريقٍ آخَرَ مِن المعوِّقينَ [367] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/293). .
- قولُه: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ (قدْ) مُفيدٌ للتَّحقيقِ؛ لأنَّهم لِنَفاقِهم ومرَضِ قُلوبِهم يَشُكُّون في لازمِ هذا الخبرِ، وهو إنباءُ اللهِ رسولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بهم، أو لأنَّهم لِجَهلِهم النَّاشئِ عن الكُفرِ يَظُنُّون أنَّ اللهَ لا يَعلَمُ خَفايَا القُلوبِ [368] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/293). والقاعدةُ: أن (قد) إذا دخَلت على الفعلِ المضارعِ المسنَدِ إلى الله تعالى، فهي للتَّحقيقِ دائمًا. يُنظر: ((قواعد التفسير)) للسبت (ص: 395). . وقيل: لعلَّه عبَّر هنا بـ (قد) الَّتي رُبَّما أفْهَمَتْ في هذه العِبارةِ التَّقليلَ؛ إشارةً إلى أنَّه يَكفي مَن له أدْنى عقْلٍ -في الخَوفِ مِن سَطوةِ المُتهَدِّدِ- احتِمالُ عِلْمِه [369] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/313)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 142). .
- قَولُه: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا تهديدٌ وتَحذيرٌ مِن التَّعويقِ عن القِتالِ؛ وجْهُه قَولُه تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ، وهذا مِن أجْلِ تهديدِهم؛ حتَّى لا يَفعَلوا ذلك [370] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 145). .
- والتَّضعيفُ في الْمُعَوِّقِينَ؛ للشِّدَّةِ والتَّكثيرِ [371] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/294). .
2- قوله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
- الخِطابُ في رَأَيْتَهُمْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يَقْتضي أنَّ هذا حِكايةُ حالةٍ وَقَعَتْ لا فرْضُ وُقوعِها؛ ولهذا أُتِيَ بفِعلِ رَأَيْتَهُمْ، ولم يَقُلْ: فإذا جاء الخَوفُ يَنظُرون إليك [372] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/296، 297). .
- قولُه: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ جِيءَ بصِيغةِ المُضارعِ؛ لِيَدُلَّ على تَكرُّرِ هذا النَّظرِ وتَجدُّدِه. وخُصَّ نَظَرُهم بأنَّه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَقُلْ: (يَنظُرون إليكم)؛ لأنَّ نظَرَهم إليه نظَرُ المُتفرِّسِ في ماذا يَصنَعُ، ولِسانُ حالِهم يقولُ: ألَسْنا قد قُلْنا لكم: إنَّكم لا قِبَلَ لكمْ بقِتالِ الأحزابِ، فارْجِعوا، وهمْ يُرُونَه أنَّهم كانوا على حقٍّ حِينَ يُحذِّرونه قِتالَ الأحزابِ [373] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/297). .
- قولُه: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جُملةُ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ حالٌ مِن ضَميرِ يَنْظُرُونَ؛ لِتَصويرِ هَيئةِ نَظرِهم نظَرَ الخائفِ المَذعورِ الَّذي يُحدِقُ بعَيْنَيهِ إلى جِهاتٍ يَحذَرُ أنْ تأْتِيَه المصائبُ مِن إحداها [374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/297). . وشَبَّه نظَرَهم بنَظرِ الَّذي يُغْشى عليه بسَببِ النَّزعِ عندَ المَوتِ؛ فإنَّ عَيْنَيه تَضْطَرِبانِ [375] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/297). .
- وفي قولِه: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ المُبالَغةُ في وَصْفِ المنافقينَ بالخَوفِ والجُبنِ؛ حيثُ أخبَرَ عنهم أنَّهم تَدورُ أعينُهم حالةَ المُلاحظةِ كحالةِ مَن يُغْشى عليه مِن الموتِ، ولو اقتصَرَ على قولِه: كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ لَكان كافيًا بالمقصودِ، ولكنَّه زاد شيئًا بقولِه: مِنَ الْمَوْتِ؛ إذ إنَّ حالةَ المَغْشيِّ عليه مِن الموتِ أشَدُّ وأنْكَى مِن حالةِ المَغْشيِّ عليه مِن غيرِ الموتِ، ولو جاء سُبحانه في مَوضعِ الموتِ بالخَوفِ، لَكان الكلامُ بليغًا لا مَحالةَ، غيرَ أنَّ ما جاء في التَّنزيلِ أبلَغُ، وهو مع ذلك خارجٌ مَخرَجَ الحقِّ، مُتنزِّلٌ مَنزلةَ الصِّدقِ؛ فإنَّ مَن كان قوِيَّ النَّفْسِ شُجاعَ القلْبِ لا يَرْضى بالنِّفاقِ، بل يُظهِرُ ما يُبطِنُه الخائفُ؛ لأنَّه لا يُبالي بالموتِ [376] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/619). .
- قولُه: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ جِيءَ باسمِ الإشارةِ أُولَئِكَ؛ لِقَصْدِ تَمييزِهم بتلك الصِّفاتِ الذَّميمةِ الَّتي أُجرِيَتْ عليهم مِن قبْلُ، وللتَّنبيهِ على أنَّهم أحرياءُ بما سيَرِدُ مِن الحُكْمِ بعدَ اسمِ الإشارةِ، وقد أُجرِيَ عليهم حُكمُ انتفاءِ الإيمانِ عنهم بقولِه: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ كشْفًا لِدَخائلِهم؛ لأنَّهم كانوا يُوهِمون المسلِمينَ أنَّهم منهم، كما قال تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا [377] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/298). [البقرة: 14] .
- قولُه: وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا خبَرٌ مُستعمَلٌ في لازمِه؛ وهو تَحقيرُهم، وأنَّ اللهَ لمَّا أخرَجَهم مِن حَظيرةِ الإسلامِ فأحبَطَ أعمالَهم، لم يَعبَأْ بهم، ولا عَدَّ ذلك ثُلْمةً في جَماعةِ المسلمينَ [378] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/300). .
- ويَسِيرًا أي: هَيِّنًا، وتَخصيصُ يُسْرِه بالذِّكْرِ -مع أنَّ كلَّ شَيءٍ عليه تعالى يَسيرٌ-؛ لِبَيانِ أنَّ أعمالَهم حَقيقةٌ بالإحباطِ، تَدْعو إليه الدَّواعي، ولا يَصرِفُ عنه صارفٌ [379] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/530)، ((تفسير أبي السعود)) (7/96). .
3- قوله تعالى: يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا
- قولُه: وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ... الوُدُّ هنا مُستعمَلٌ كِنايةً عن السَّعيِ لحُصولِ الشَّيءِ المَودودِ؛ لأنَّ الشَّيءَ المحبوبَ لا يَمنَعُ مِن تَحصيلِه إلَّا مانعٌ قاهرٌ؛ فهو لازمٌ للوُدِّ [380] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/301). .