موسوعة التفسير

سورةُ لُقمانَ
الآيات (1-5)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ

المعنى الإجماليُّ:

افتتَح الله تعالى هذه السُّورةَ ببعضِ الحروفِ المقطَّعةِ، وتقدَّم الكلامُ عن الحروفِ المُقطَّعةِ في تَفسيرِ أوَّلِ سُورةِ الرُّومِ. ثمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ تلك الآياتِ آياتُ الكِتابِ الحَكيمِ، حالَ كَونِها هُدًى مِن كُلِّ ضَلالةٍ، ورَحمةً للمُحسِنينَ الَّذين يؤَدُّون الصَّلَواتِ تامَّةً، ويؤدُّونَ الزَّكاةَ للمُستحِقِّينَ لها، ويُؤمِنونَ بالآخِرةِ وما يكونُ فيها إيمانًا جازمًا، أولئك على هُدًى مِن رَبِّهم، وأولئك هم الفائِزونَ في الدُّنيا والآخرةِ.

تَفسيرُ الآياتِ:

الم (1).
تقدَّم الكلامُ عن هذه الحروفِ المُقطَّعةِ في تفسيرِ أوَّلِ سُورةِ الرُّومِ.
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2).
أي: تلك الآياتُ العاليةُ الرُّتبةِ، العَظيمةُ الشَّأنِ: آياتُ الكتابِ المُشتَمِلِ على الحِكمةِ، المحكَمِ في ألفاظِه ومعانيه، فلا نَقصَ فيه، ولا تناقُضَ، ولا خلَلَ [4] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/50)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/141)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 13-15). قيل: الإشارةُ هنا تعودُ إلى جميعِ آياتِ القُرآنِ الكريمِ. وهو ظاهرُ اختيارِ السعديِّ، واختيار ابنِ عثيمين. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 13). وقيل: الإشارةُ هنا ترجِعُ إلى آياتِ هذه السُّورةِ؛ سورةِ لُقمانَ. وممَّن قال بهذا: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/140). قال الشوكاني: (والْحَكِيمِ إمَّا أن يكونَ بمعنَى مُفْعَلٍ، أو بمعنَى فاعلٍ، أو بمعنَى ذي الحكمةِ أو الحكيمِ قائلُه). ((تفسير الشوكاني)) (4/269). وقال ابن عطية: (والْحَكِيمِ يَصِحُّ أن يكونَ مِنَ الحكمةِ، ويصِحُّ أن يكونَ مِنَ الحُكمِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/345). وقال الفيروزابادي: (وإذا وُصِف القرآنُ بالحكمةِ فلِتَضَمُّنِه الحكمةَ، نحو: الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1] . وقيل: معنى الحكيمِ: المحكَمُ، نحو: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ [هود: 1] . وكِلا المعنيَينِ صحيحٌ). ((بصائر ذوي التمييز)) (2/491). .
كما قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] .
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3).
أي: تلك آياتُ الكتابِ حالَ كَونِها هُدًى مِن كُلِّ ضَلالةٍ، ورَحمةً في الدُّنيا والآخرةِ للمُحسِنينَ في عبادةِ اللهِ، المُحسِنينَ إلى عبادِ اللهِ [5] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/531، 532)، ((تفسير السمرقندي)) (3/20)، ((البسيط)) للواحدي (18/91)، ((تفسير ابن كثير)) (6/330)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 16، 17). .
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4).
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ.
أي: أولئك المُحسِنونَ هم الَّذين يُؤَدُّونَ الصَّلَواتِ تامَّةً مُستقيمةً على الوجهِ الَّذي شرَعَه اللهُ تعالى، ويؤدُّونَ زكاةَ أموالِهم لأهلِها المُستَحِقِّينَ لها، كما فرَضَ اللهُ تعالى [6] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/532)، ((تفسير ابن كثير)) (6/330)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 19، 20). .
وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
أي: وهم يُؤمِنونَ إيمانًا جازِمًا لا شكَّ فيه بالآخِرةِ، وما يكونُ فيها مِن ثوابٍ وعِقابٍ، وبَعثٍ ونُشورٍ وغَيرِ ذلك [7] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/532)، ((تفسير السمرقندي)) (3/20)، ((تفسير ابن كثير)) (6/330)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 20). .
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5).
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ.
أي: أولئك المتَّصِفونَ بتلك الصِّفاتِ: على هُدًى حاصِلٍ لهم مِن رَبِّهم الَّذي لولا إحسانُه إليهم وتَربيتُه الخاصَّةُ لهم لَمَا تمكَّنوا مِن هُداه [8] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/532)، ((تفسير ابن كثير)) (6/330)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/145)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646). .
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
أي: وأولئك هم الفائِزونَ في الدُّنيا والآخِرةِ [9] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/532)، ((تفسير ابن كثير)) (6/330)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/145)، ((تفسير السعدي)) (ص: 646)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 22، 23). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ أنَّ الإحسانَ سببٌ لِنَيلِ العِلمِ والعَمَلِ الصَّالحِ؛ فالله تعالى جَعَل القرآنَ هُدًى ورَحمةً للمُحسِنينَ، هدًى في العِلمِ، ورحمةً في العملِ [10] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 18). ، وأنَّه كُلَّما ازدادَ إحسانُ العبدِ ازدادَ عِلمُه وعمَلُه الصالحُ؛ لأنَّ الحُكمَ إذا عُلِّقَ على وَصفٍ ازدادَ بزيادتِه، ونَقَصَ بنَقصِه [11] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 18). .
2- في قَولِه تعالى: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ حَثٌّ على إقامةِ الصَّلاةِ؛ يُؤخَذُ ذلك مِن ثناء اللهِ تعالى على المقيمينَ لها، والثَّناءُ لا يكونُ إلَّا على فِعْلِ شَيءٍ محبوبٍ مَرغوبٍ مِن اللهِ تعالى [12] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 21). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قال الله تعالى: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ مِن إحكامِ آياتِ الكِتابِ: أنَّها جاءت بأجَلِّ الألفاظِ وأفصَحِها وأبيَنِها، الدَّالَّةِ على أجَلِّ المعاني وأحسَنِها.
ومِن إحكامِها: أنَّها مَحفوظةٌ مِنَ التَّغييرِ والتَّبديلِ، والزِّيادةِ والنَّقصِ والتَّحريفِ.
ومِن إحكامِها: أنَّ جميعَ ما فيها مِنَ الأخبارِ السَّابِقةِ واللَّاحِقةِ والأمورِ الغَيبيَّةِ: كُلُّها مُطابِقةٌ للواقِعِ، مُطابِقٌ لها الواقِعُ، لم يخالِفْها كِتابٌ مِنَ الكُتُبِ الإلهيَّةِ، ولم يُخبِرْ بخلافِها نبيٌّ مِنَ الأنبياءِ، ولم يأتِ ولن يأتيَ عِلمٌ مَحسوسٌ ولا مَعقولٌ صَحيحٌ يناقِضُ ما دلَّت عليه.
ومِن إحكامِها: أنَّها ما أمَرَت بشَيءٍ إلَّا وهو خالِصُ المَصلَحةِ أو راجِحُها، ولا نَهَت عن شَيءٍ إلَّا وهو خالِصُ المَفسَدةِ أو راجِحُها، وكثيرًا ما يجمَعُ بيْنَ الأمرِ بالشَّيءِ مع ذِكرِ حِكمتِه وفائِدتِه، والنَّهيِ عن الشَّيءِ مع ذِكرِ مَضَرَّتِه.
ومِن إحكامِها: أنَّها جَمَعت بينَ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ، والوَعظِ البَليغِ الَّذي تعتَدِلُ به النُّفوسُ الخَيِّرةُ وتحتَكِمُ، فتَعمَلُ بالحَزمِ.
ومِن إحكامِها: أنَّك تجِدُ آياتِه المتكَرِّرةَ -كالقَصَصِ والأحكامِ ونَحوِها- قد اتَّفَقَت كُلُّها وتواطأَتْ، فليس فيها تناقُضٌ ولا اختِلافٌ؛ فكلَّما ازداد بها البَصيرُ تدَبُّرًا، وأعمَل فيها العَقلَ تفكُّرًا؛ انبهَرَ عَقلُه، وذَهَل لُبُّه مِن التَّوافُقِ والتَّواطُؤِ، وجَزَم جزمًا لا يُمترى فيه أنَّه تنزيلٌ مِن حكيمٍ حَميدٍ [13] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 646). .
2- قال تعالى: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ القرآنُ الكريمُ جمعَ الخيرَ كلَّه، فهو هدايةٌ ورحمةٌ، مَن تمسَّك به نجا واهتدَى، فمَنْ أراد العِلمَ النَّافعَ فعليه بالقرآنِ؛ لأنَّه هدًى، ومَن أراد الرَّحمةَ فعليه بالقرآنِ؛ لأنَّه رحمةٌ، ولا تُنالُ الرحمةُ إلَّا بالعملِ الصَّالحِ [14] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 18). .
3- إقامةُ الصَّلاةِ مِن الإحسانِ؛ لأنَّ قَولَه سُبحانَه: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ  بيانٌ لقولِه: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ [15] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 21). .
4- قَولُ الله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ وصَفَهم اللهُ تعالى بالعَمَلِ، وخَصَّ مِن العَمَلِ عمَلَينِ فاضِلَينِ: الصَّلاةَ المُشتَمِلةَ على الإخلاصِ، ومُناجاةِ الله تعالى، والتعبُّدِ العامِّ للقَلبِ واللِّسانِ والجوارحِ المُعِينةِ على سائِرِ الأعمالِ؛ والزَّكاةَ الَّتي تُزَكِّي صاحِبَها مِن الصِّفاتِ الرَّذيلةِ، وتنفَعُ أخاه المُسلِمَ وتسُدُّ حاجتَه، ويَبينُ بها أنَّ العَبدَ يُؤْثِرُ محبَّةَ الله على محبَّتِه للمالِ، فيُخرِجُ محبوبَه مِن المالِ لِما هو أحَبُّ إليه، وهو طَلَبُ مَرضاةِ الله [16] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 646). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
- صُدِّرَت هذه السُّورةُ بالتَّنويهِ بهَدْيِ القرآنِ؛ لِيَعلَمَ النَّاسُ أنَّه لا يَشتمِلُ إلَّا على ما فِيه هُدًى وإرشادٌ للخيَرِ، ومُثُلُ الكَمالِ النَّفسانيِّ؛ فلا الْتِفاتَ فيه إلى أخبارِ الجَبابرةِ، وأهْلِ الضَّلالِ إلَّا في مقامِ التَّحذيرِ ممَّا همْ فيه ومِن عواقِبِه؛ فكان صدْرُ هذه السُّورةِ تَمْهيدًا لقِصَّةِ لُقمانَ [17] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/138، 139). .
- قولُه: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ في اسمِ الإشارةِ تِلْكَ تَنْبيهٌ على تَعظيمِ قَدْرِ تلك الآياتِ بما دَلَّ عليه اسمُ الإشارةِ مِن البُعدِ المُستعمَلِ في رِفعةِ القَدْرِ، وبما دلَّتْ عليه إضافةُ (الآيات) إلى (الكِتاب) الموصوفِ بأنَّه الحكيمُ، وأنَّه هدًى ورحمةٌ وسبَبُ فلاحٍ [18] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/408)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/140). .
- في قولِه: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ وصَفَ الكِتابَ بالحَكيمِ؛ لاشتمالِه على الحِكَمِ، أو لأنَّه كلامٌ حَكيمٌ، أو مُحكَمٌ آياتُه لم يُنسَخْ شَيءٌ منها. ويجوزُ أنْ يكونَ الأصلُ: الْحَكِيمِ قائلُه؛ فحُذِفَ المضافُ، وأُقِيمَ المضافُ إليه مُقامَه [19] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/489)، ((تفسير البيضاوي)) (3/104)، ((تفسير أبي حيان)) (8/408)، ((تفسير أبي السعود)) (7/68)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/140)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/529). .
- وفي وصْفِ الكِتابِ بهذا الوصْفِ الْحَكِيمِ بَراعةُ استهلالٍ للغرَضِ مِن ذِكرِ حِكْمةِ لُقمانَ [20] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/140). .
2- قوله تعالى: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ
- في قولِه: هُدًى وَرَحْمَةً زِيادةُ وصْفِ الكِتابِ بـ (رَحْمة) بعدَ (هُدًى)؛ لأنَّه لَمَّا كان المقصدُ مِن هذه السُّورةِ قِصَّةَ لُقمانَ، نبَّه على أنَّ ذِكْرَ القصَّةِ رحمةٌ لِمَا تَتضمَّنُه مِن الآدابِ والحِكمةِ؛ لأنَّ في ذلك زِيادةً على الهُدَى: أنَّه تخلَّقَ بالحِكمةِ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [21] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/141). [البقرة: 269] .
- قولُه: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ خُصَّ المُحسِنونَ؛ لأنَّهم هم الَّذين انتَفَعوا به، ونَظَروه بعَينِ الحَقيقةِ [22] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/409). .
3- قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بَيانٌ لِمَا عَمِلَ المُحسِنونَ مِن الحسناتِ، إنْ أُريدَ بقولِه: لِلْمُحْسِنِينَ: العاملونَ للحَسَناتِ المشهورةِ المعهودةِ في الدِّينِ. وإنْ أُريدَ بها جَميعُ الحَسناتِ، فهو تَخصيصٌ لهذه الثَّلاثِ (إقامة الصَّلاة- إيتاء الزَّكاة- الإيقان بالآخِرة) بالذِّكرِ مِن بينِ سائِرِ شُعَبِها؛ لإظهارِ فَضْلِها وعُلوِّها على غَيرِها، وفيه إيجازٌ بليغٌ [23] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/489، 490)، ((تفسير البيضاوي)) (4/212)، ((تفسير أبي السعود)) (7/68)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/141)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/529). .
- قَولُه: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ قَدَّمَ الصَّلاةَ على إيتاءِ الزَّكاةِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ أحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى؛ ومع أنَّ إيتاءَ الزَّكاةِ فيه نَفعٌ مُتَعَدٍّ للغيرِ، ولكِنَّ الصَّلاةَ أحَبُّ إلى الله تعالى منها وأفضَلُ [24] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 21). .
- قولُه: وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ فيه تكريرُ الضَّميرِ (هم)؛ للتَّوكيدِ، ولأنَّه فُصِلَ بيْنَه وبيْنَ خَبَرِه [25] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/141). .
4- قوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
- عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أتَى بـ «على» الدَّالَّةِ على الاستِعلاءِ، يعني: أنَّهم على هدًى يَسيرونَ عليه، وهم به عالونَ مرتفعونَ؛ لارتفاعِ مَرتبتِهم [26] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 22). .
- قولُه: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كرَّرَ الإشارةَ إليهم؛ تنْبيهًا على عِظَمِ قَدْرِهم [27] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/409). .
- والحصرُ في قولِه: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أفاد أنَّه لا سبيلَ إلى الفَلاحِ إلَّا بما سَبق [28] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 23). .