موسوعة التفسير

سُورةُ يُوسُفَ
الآيات (54-57)

ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ

غريب الكلمات:

أَسْتَخْلِصْهُ: أي: أجعَلْه مِن خُلَصائي دونَ غيري، أو أُفوِّضْ إليه أمرَ مَملكتي، وأصْلُ (خلص): يدلُّ على تنقيةِ الشَّيءِ وتهذيبِه [658] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/215)، ((مقاييس اللغة)) (2/208). .
مَكِينٌ: أي: مُتمكِّنٌ ممَّا أردتَ، نافذُ القولِ، أو: ذو مَكانةٍ ومنزِلةٍ خاصَّةٍ [659] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/216)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 418)، ((تفسير القرطبي)) (9/212)، ((تحفة الأريب)) لأبي حيَّان (ص: 285)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 275). .
يَتَبَوَّأُ: أي: يَنزِلُ، وأصْلُ (بوأ): يدلُّ على الرُّجوعِ إلى الشَّيءِ [660] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/220)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/312)، ((المفردات)) للراغب (ص: 158). .

المعنى الإجمالي:

يخبرُ الله تعالى أنَّ مَلِكَ مصرَ قال حين عَلِمَ بَراءةَ يوسُفَ: جيئُوني به أجعَلْه مِن خُلَصائي وأهلِ مَشورتي، فلَمَّا جاء يوسُفُ، وكلَّمَه المَلِكُ، وعرَفَ براءتَه، وعظيمَ أمانتِه، وحُسنَ خُلُقِه؛ قال له: إنَّك اليومَ عندنا عظيمُ المَكانةِ، ومُؤتمَنٌ على كلِّ شَيءٍ، وأراد يوسُفُ أن ينفعَ العبادَ، ويُقيمَ العدلَ بينهم، فقال للمَلِكِ: اجعَلْني واليًا على خزائنِ مِصرَ؛ فإنِّي خازِنٌ أمينٌ، ذو عِلمٍ وبصيرةٍ بما أتولَّاه، وكما أنعَمَ اللَّهُ على يوسُفَ بالخَلاصِ مِن السِّجنِ، مكَّنَ له في أرضِ مصرَ ينزِلُ منها أيَّ مَنزِلٍ شاءَه، يُصيبُ اللهُ برَحمتِه مَن يشاءُ مِن عبادِه المتَّقينَ، ولا يُضيعُ أجرَ مَن أحسَنَ شيئًا مِن العمَلِ الصَّالحِ، ولَثوابُ الآخرةِ عندَ اللهِ لأهلِ الإيمانِ والتَّقوى- الَّذين يخافونَ عِقابَ اللهِ، ويُطيعونَه في أمرِه ونَهيِه- أعظَمُ مِن ثوابِ الدُّنيا.

تفسير الآيات :

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (54).
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي.
أي: وقال ملِكُ مصرَ لَمَّا عَلِمَ بَراءةَ يوسُفَ، وعرَفَ فضْلَه وعِلْمَه، وحِكمتَه وحُسْنَ خُلُقِه، وصَبْرَه وعِفَّتَه: ائْتوني بيوسُفَ مِن السِّجنِ أجعَلْه مِن خاصَّتي وأهلِ مَشورَتي، خالِصًا لنَفْسي لا يُشاركُني فيه أحدٌ [661] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/215)، ((تفسير القرطبي)) (9/210، 212)، ((تفسير ابن كثير)) (4/395)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/7). .
فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ.
أي: فلَمَّا كلَّمَه الملِكُ، ورَأى فضْلَه وخِصالَه الحميدةَ، زادت مكانتُه لديه، فقال له: إنَّك قد صِرْتَ عندنا ذا مَكانةٍ وأمانةٍ، مُتمكِّنًا ممَّا أردْتَ، أمينًا على ما نأْتَمِنُك عليه [662] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/216)، ((تفسير ابن كثير)) (4/395)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401). وقال القرطبيُّ: (مَكِينٌ أَمِينٌ: أي: متمكِّنٌ، نافذُ القولِ، أَمِينٌ: لا تخافُ غدرًا). ((تفسير القرطبي)) (9/212). .
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قبلها:
أنَّه لَمَّا وصَفَه الملِكُ بالتَّمكُّنِ عنده والأمانةِ، طلَبَ مِن الأعمالِ ما يُناسِبُ هذينِ الوصفينِ [663] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/291). .
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ.
أي: قال له يوسُفُ طلبًا للمصلحَةِ العامَّةِ: وكِّلْني على خَزائنِ الأموالِ والطَّعامِ في أرضِ مصرَ؛ لحفْظِها وتدْبيرِها [664] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/218)، ((تفسير السمعاني)) (3/40)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401). .
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
أي: إنِّي حافظٌ وخازنٌ، أمينٌ للخَزائنِ الَّتي استودعْتَني، ذو عِلْمٍ وبصَرٍ بما أتولَّاه منها، فأعْلَمُ كيفيَّةَ تدْبيرِها والتَّصرُّفِ فيها، دون أنْ يضيعَ شيءٌ منها في غيرِ مَحَلِّه [665] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/219)، ((تفسير القرطبي)) (9/211)، ((تفسير ابن كثير)) (4/395)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401). .
وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56).
وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء.
القراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ نَشَاءُ بالنُّونِ، بجَعلِ الفِعلِ للَّهِ تعالى [666] قرأ بها ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/295). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجَّة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 196)، ((الكشف عن وجوه القراءات السبع)) لمكي بن أبي طالب (2/11). .
2- قِراءةُ يَشَاءُ بالياءِ، بجَعلِ الفِعلِ لِيوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [667] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/295). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 196). قال ابنُ عاشورٍ: (قرأ الجمهورُ حَيْثُ يَشَاءُ بياءِ الغَيبةِ، وقرأ ابنُ كثيرٍ حَيْثُ نَشَاءُ بنونِ العظمةِ، أي: حيث يشاءُ اللهُ، أي: حيث نأمرُه أو نُلهمُه، والمعنى متَّحدٌ؛ لأنَّه لا يشاء إلَّا ما شاءه اللهُ). ((تفسير ابن عاشور)) (13/10). .
وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء.
أي: ومثْلَ ما أنعَمْنا على يوسُفَ بإنْجائِه مِن السِّجنِ، وتقْريبِه إلى قلْبِ الملِكِ، أقْدَرْناه في أرضِ مصرَ، يتَّخذُ منها منزِلًا حيث يشاءُ [668] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/220)، ((تفسير القرطبي)) (9/217)، ((تفسير ابن كثير)) (4/396). .
نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء.
أي: نُصيبُ برحْمتِنا في الدُّنيا والآخِرةِ مَن نشاءُ مِن عِبادِنا، كما رَحِمْنا يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [669] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/220)، ((تفسير البيضاوي)) (3/168)، ((تفسير الشوكاني)) (3/43). .
وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
أي: ولا نُبْطِلُ جَزاءَ الَّذينَ أحْسَنوا أعمالَهم بالطَّاعةِ، وترْكِ المَعصيةِ، فنُثيبُهم في الدُّنيا والآخِرةِ كما أثَبْنا يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [670] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/220)، ((تفسير ابن كثير)) (4/396)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401). قال ابنُ كثيرٍ: (وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي: وما أضَعْنا صبْرَ يُوسفَ على أذى إخوتِه، وصبْرَه على الحبسِ بسببِ امرأةِ العزيزِ؛ فلهذا أعقَبَه اللهُ عزَّ وجلَّ السَّلامةَ والنَّصرَ والتَّأييدَ). ((تفسير ابن كثير)) (4/396). .
كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ النحل: 30.
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا الكهف: 30.
وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (57).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قبلها:
لَمَّا كان عِزُّ الدُّنيا لا يُعَدُّ في الحقيقةِ إلَّا إنْ كان موصولًا بنَعيمِ الآخِرةِ؛ نبَّهَ على ما له في الآخِرةِ ممَّا لا يُعَدُّ هذا في جنْبِه شيئًا، فقال تعالى [671] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/133). :
وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (57).
أي: ولَثوابُ اللَّهِ في الآخِرةِ خيرٌ مِن ثَوابِ الدُّنيا، للمُؤمنينَ المتَّقينَ، الَّذينَ يُؤمنونَ بِما وجَبَ عليهم الإيمانُ به، ويمتثِلونَ ما أمَرَ اللَّهُ تعالى به، ويجْتنِبونَ ما نهَى عنه [672] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/222)، ((تفسير القرطبي)) (9/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 401). .

الفوائد التربوية :

1- قولُ اللَّهِ تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فيه فَضيلةُ العِلْمِ؛ عِلْمِ الأحكامِ والشَّرعِ، وعِلْمِ تعْبيرِ الرُّؤيا، وعِلْمِ التَّدبيرِ والتَّربيةِ، وأنَّه أفضَلُ مِن الصُّورةِ الظَّاهِرةِ، ولو بلَغَ الشَّخصُ في الحُسْنِ جَمالَ يوسُفَ؛ فإنَّ يوسُفَ- بسَبَبِ جَمالِه- حصَلَت له تلك المِحنةُ والسِّجنُ، وبسَبَبِ عِلْمِه حصَلَ له العِزُّ والرِّفعَةُ والتَّمكينُ في الأرضِ؛ فإنَّ كلَّ خيرٍ في الدُّنيا والآخِرةِ مِن آثارِ العِلْمِ وموجِباتِه [673] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 407). .
2- قال اللَّهُ تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ هذه الآيةُ أصْلٌ لوُجوبِ عرْضِ المَرءِ نفسَه لوِلايةِ عمَلٍ مِن أمورِ الأُمَّةِ إذا علِمَ أنَّه لا يصلُحُ له غيرُه؛ لأنَّ ذلك مِن النُّصحِ للأُمَّةِ، وخاصَّةً إذا لم يكُنْ ممَّن يُتَّهمُ على إيثارِ منفعَةِ نفسِه على مصلحَةِ الأُمَّةِ، وقد علِمَ يوسُفُ عليه السَّلامُ أنَّه أفضلُ النَّاسِ هنالك؛ لأنَّه كان المُؤمنَ الوحيدَ في ذلك القُطْرِ، فهو لإيمانِه باللَّهِ يبُثُّ أصولَ الفضائلِ الَّتي تقْتَضيها شَريعةُ آبائِه إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، عليهم السَّلامُ [674] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/9). .
3- قولُ اللَّهِ تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ فيه أنَّ المؤمنَ يُثابُ على حَسَناتِه في الدُّنيا والآخِرةِ [675] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/292). .
4- قولُه تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وكذلك قولُه تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف: 22، فيه أنَّ الإحسانَ في عبادةِ اللهِ، والإحسانَ إلى العبادِ سببٌ يُنالُ به العِلمُ، وتُنالُ به خيراتُ الدُّنيا والآخرةِ، فجعل اللهُ الإحسانَ سببًا لنَيلِ هذه المراتبِ العاليةِ [676] يُنظر: ((فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام)) للسعدي (ص: 52). .
5- قولُ اللَّهِ تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ فيه أنَّ اللَّهَ واسِعُ الجودِ والكرَمِ؛ يجودُ على عبْدِه بخيرِ الدُّنيا والآخرةِ، وأنَّ خيرَ الآخرةِ له سَبَبانِ: الإيمانُ والتَّقوى، وأنَّه خيرٌ مِن ثَوابِ الدُّنيا ومُلْكِها، وأنَّ العبدَ ينبَغي له أن يدعُوَ نفسَه ويُشوِّقَها لِثَوابِ اللَّهِ، ولا يدَعَها تحزَنُ إذا رأَت أهلَ الدُّنيا ولذَّاتِها وهي غيرُ قادرةٍ عليها، بل يُسلِّيها بثَوابِ اللَّهِ الأُخرويِّ وفضلِه العظيمِ؛ لقولِه تعالى: وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [677] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 407). .
6- قولُ اللَّهِ تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ الآيةُ فيها مِن العِبرةِ: أنَّ المَظلومَ المَحسودَ إذا صبَرَ واتَّقى اللَّهَ، كانت له العاقِبةُ [678] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/22). .
7- مَن ترَكَ للَّهِ شيئًا عوَّضَه اللَّهُ خيرًا منه؛ كما ترَكَ يوسُفُ الصِّدِّيقُ عليه السَّلامُ امرأَةَ العزيزِ للَّهِ، واخْتارَ السِّجنَ على الفاحِشةِ، فعوَّضَه اللَّهُ أنْ مكَّنَه في الأرضِ يتبوَّأُ منها حيث يشاءُ، فتأمَّلْ كيف جَزاهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى على ضِيقِ السِّجنِ أنْ مكَّنَه في الأرضِ ينزِلُ منها حيث يشاءُ، قال تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ وأذلَّ له العزيزَ وامرأَتَه، وأقرَّتِ المرأةُ والنِّسوةُ ببَراءتِه، وهذه سُنَّتُه تعالى في عِبادِه قديمًا وحديثًا إلى يومِ القيامةِ [679] يُنظر: ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص: 281)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 445). .
8- في قولِ اللَّهِ تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ إشارةٌ إلى أنَّ الطَّاعةَ تُثْمِرُ الرِّزقَ في الدُّنيا، ويُعْطَى المؤمنُ الأجْرَ عليها في الدُّنيا، ولا يَنْقُصُ ذلك مِن ثوابِه عند اللَّهِ شيئًا، كما يُعْطَى الكافِرُ بالشَّيْءِ يَسْكُنُ له في الدُّنيا، ولا يكونُ لهُ في الآخِرَةِ نَصيبٌ [680] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/619). .
9- في قولِ اللَّهِ تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ إشارةٌ إلى أنَّ نَيْلَ الدُّنيا- إذا لم يَشغَلْ عنِ الآخِرةِ- غيرُ مَذْمومٍ، ويكونُ المُعْطَى به مرحومًا، غيرَ مَسْخوطٍ عليه، وأنَّه وإنْ كان كذلك فأَجْرُ الآخِرةِ خَيْرٌ منه؛ لقولِه تبارك وتعالى مِنْ قائلٍ: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [681] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/619). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- الوِلايةُ لها رُكنانِ: القوَّةُ والأمانةُ، قال اللَّهُ تعالى عن صاحبِ مصرَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ وقال تعالى أيضًا عنِ ابنةِ الرَّجلِ الصَّالحِ: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [682] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/252). القصص: 26، فالوِلاياتُ الكِبارُ والصِّغارُ لا بُدَّ لِمُتولِّيها أن يكونَ كُفوًا في قُوَّتِه وأمانتِه وعِلمِه بأمورِ الوِلايةِ؛ لأنَّ المَلِكَ لَمَّا كلَّمَ يوسُفَ ورأى مِن عِلمِه وخِبرتِه بالأمورِ وحُسنِ نَظَرِه؛ استخلَصَه لنفسِه، وقال: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ وقال يوسفُ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، فعلَّلَ ذلك بكمالِ حِفظِه لِما تحتَ يدِه وتصَرُّفِه، وكمالِ عِلمِه بوجوهِ المُستخرَج والمُنصَرِف، وحُسنِ التَّدبيرِ [683] يُنظر: ((فوائد مستنبطة من سورة يوسف عليه السلام)) للسعدي (ص: 59). .
2- في قولِه تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ قال بعضُ أهلِ العِلْمِ: في هذه الآيةِ ما يُبيحُ للرَّجلِ الفاضِلِ أنْ يعمَلَ للرَّجلِ الفاجِرِ والسُّلطانِ الكافِرِ بما يقْتَضيه الشَّرعُ والعدْلُ، بشرْطِ أنْ يعلَمَ أنَّه يفوِّضُ إليه في فعْلٍ لا يعارِضُه فيه، فيُصلِحُ منه ما شاء، وأمَّا إذا كان عمَلُه بحسبِ اختيارِ الفاجِرِ وشَهواتِه وفُجورِه، فلا يجوزُ ذلك [684] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/215)، ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي حيان)) (6/291). .
3- قولُ اللَّهِ تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ دلَّ ثناءُ يوسُفَ على نفْسِه أنَّه يجوزُ للإنسانِ أنْ يُثنِيَ على نفسِه بالحقِّ إذا جُهِلَ أمْرُه، ولا يكونُ ذلك مِن التَّزكيةِ المَنْهِيِّ عنها [685] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/291)، ((تفسير ابن كثير)) (4/395). .
4- قولُ اللَّهِ تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ استُدِلَّ به على جَوازِ طلَبِ الوِلايةِ- كالقَضاءِ ونحوِه- لِمَن وَثِقَ مِن نفْسِه بالقِيامِ بحُقوقِه [686] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 155). ، فهذا الطلبُ لم يكنْ حِرصًا مِن يوسُفَ عليه السلام على الولايةِ، وإنَّما هو رغبةٌ منه في النَّفعِ العامِّ، وقد عرَفَ مِن نفْسِه مِن الكَفاءةِ والأمانةِ والحفْظِ ما لم يكونوا يعرِفونَه [687] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 401). .
5- قال تعالى حِكايةً عن يوسُفَ: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ اقتِراحُ يوسُفَ عليه السَّلامُ ذلك، إعدادٌ لنفْسِه للقيامِ بمصالِحِ الأُمَّةِ، على سُنَّةِ أهلِ الفضْلِ والكَمالِ مِن ارتِياحِ نُفوسِهم للعمَلِ في المصالِحِ؛ ولذلك لم يسأَلْ مالًا لنفْسِه ولا عرَضًا مِن مَتاعِ الدُّنيا، ولكنَّه سأَلَ أنْ يُوَلِّيَه خَزائنَ المملَكةِ؛ ليحفْظَ الأموالَ، ويعدِلَ في توزيعِها، ويرفُقَ بالأُمَّةِ في جمْعِها وإبلاغِها لمَحَالِّها [688] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/8). .
6- سُؤالُ الوِلايةِ ذمَّه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ [689]  يُنظر ما أخرجه البخاري (6622) ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة. وما أخرجه البخاري (2261) ومسلم (1733) من حديث أبي موسى الأشعري. ، وأمَّا سُؤالُ يوسُفَ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ؛ فلأنَّه كان طريقًا إلى أنْ يدعُوَهم إلى اللَّهِ، ويعدِلَ بين النَّاسِ، ويرفَعَ عنهم الظُّلمَ، ويفعَلَ مِن الخيرِ ما لم يكونوا يفعَلونَه، مع أنَّهم لم يكونوا يعرِفونَ حالَه، وقد عَلِمَ بتأْويلِ الرُّؤيا ما يَؤولُ إليه حالُ النَّاسِ، ففي هذه الأحوالِ ونحوِها ما يُوجِبُ الفَرقَ بين مِثلِ هذه الحالِ وبين ما نُهِيَ عنه [690] يُنظر: ((المستدرك على مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (5/155). .
7- قال اللَّهُ تعالى مُخبِرًا عن يوسُفَ: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ لم يقُلْ: إنِّي حسيبٌ كريمٌ، وإنْ كان كما قال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّمَ: ((الكريمُ ابنُ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ يوسُفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ )) [691] أخرجه البخاري (3390) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ، ولا قال: إنِّي جميلٌ مليحٌ، إنَّما قال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فسأَلَها بالحفْظِ والعلْمِ، لا بالنَّسبِ والجَمالِ [692] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/216). .
8- إذا كانت اللَّذَّةُ مَطْلوبَةً لنَفْسِها فهي إنَّما تُذَمُّ إذا أعقَبَت ألَمًا أعظمَ منها، أو منَعَت لَذَّةً خيرًا منها، وتُحْمَدُ إذا أعانَت على اللَّذَّةِ المُستقِرَّةِ؛ وهو نَعيمُ الآخرةِ الَّتي هي دائمةٌ عظيمةٌ، كقولِه تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [693] يُنظر: ((الاستقامة)) لابن تيمية (2/151). .
9- في قولِ اللَّهِ تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فيه دليل على ذِكْرِ العُمومِ وإرادةِ الخُصوصِ؛ إذْ لا مَحالَةَ تمكينُ يوسُفَ لم يكُنْ في جَميعِ الأرْضِ، بلْ كان بأرْضِ مصرَ، دُون سائرِ الأرْضِ [694] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/618). أو تَكونُ الألفُ واللامُ في كلمةِ الْأَرْضِ للعهدِ. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (1/226). .
10- قولُ اللَّهِ تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ يدلُّ على أنَّ الأمورَ مُعلَّقةٌ بالمشيئةِ الإلهيَّةِ، والقُدرةِ المَحْضةِ [695] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/475). .
11- قولُ اللَّهِ تعالى: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ فيه إشارةٌ إلى أنَّ حالَ يوسُفَ عليه السَّلامُ في الآخرةِ خيرٌ مِن حالتِه العظيمةِ في الدُّنيا [696] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/292). .
12- دلَّ قولُه تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ على أنَّ الإصابةَ تُطلقُ على الخيرِ أيضًا؛ إذ يصحُّ أنْ يُقالَ: أصابَه بخيرٍ، وأصابَه بِشرٍّ [697] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/43). .

بلاغة الآيات :

1- قوله تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
- قولُه: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ في الكلامِ حذْفٌ؛ للإيذانِ بسُرْعةِ الإتيانِ به، والتَّقديرُ: فأَتَوا به، فلَمَّا كلَّمَه... فكأنَّه لم يكنْ بين الأمرِ بإحْضارِه والخِطابِ معه زَمانٌ أصلًا [698] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/286). .
- والسِّينُ والتَّاءُ في أَسْتَخْلِصْهُ للمُبالغَةِ، أي: أَجْعَلْه خالِصًا لِنَفْسي، خاصًّا بي، لا يُشارِكُني فيه أحدٌ، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ اتِّصالِه به، والعَمَلِ معه [699] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/5). .
- قولُه: قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ اليومُ ليس بمِعْيارٍ لمُدَّةِ المَكانةِ والأمانةِ، بلْ هو آنُ التَّكلُّمِ، والمرادُ تحديدُ مَبْدَئِهما؛ احتِرازًا عنِ احتمالِ كونِهما بعد حينٍ [700] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/286). .
2- قوله تعالى: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
- قولُه: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فيه عَدَمُ ذِكرِ إجابةِ الملِكِ إلى ما سأَلَه يوسُفُ عليه السَّلامُ مِن جَعْلِه على خَزائنِ الأرضِ؛ إيذانًا بأنَّ ذلك أمرٌ لا مَردَّ له، غَنيٌّ عنِ التَّصريحِ به، لا سِيَّما بَعْدَ تَقْديمِ ما يَندرِجُ تحتَه مِن أحْكامِ السَّلطنةِ بِحَذافيرِها، مِن قولِه: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [701] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/287). .
3- قوله تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
- قولُه: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا في التَّعبيرِ عنِ الجَعْلِ المَذْكورِ بالتَّمْكينِ في الأرضِ، مع الإسْنادِ إلى ضَميرِ اللَّهِ عزَّ سلطانُه: تَشْريفٌ له عليه السَّلامُ، ومُبالغةٌ في كَمالِ وِلايتِه، وإشارةٌ إلى حُصولِ ذلك مِن أوَّلِ الأمرِ، لا أنَّه حصَلَ بعدَ السُّؤالِ [702] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/287). .
- قولُه: يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ كِنايةٌ عنْ تصرُّفِه في جميعِ مَمْلكةِ مصرَ؛ فهو عند حُلولِه بمكانٍ منَ المَمْلكةِ لو شاءَ أنْ يَحُلَّ بغيرِه لَفَعل [703] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) 13/10). .
- وجُملةُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ إلى آخرِها تذْييلٌ لِمُناسبةِ عُمومِه لخُصوصِ ما أصابَ يوسُفَ عليه السَّلامُ منَ الرَّحمةِ في أحوالِه في الدُّنيا، وما كان له مِن مواقِفِ الإحسانِ الَّتي كان ما أُعطِيَه منَ النِّعَمِ وشَرَفِ المَنْزِلةِ جزاءً لها في الدُّنيا؛ لأنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أجْرَ المُحْسنين [704] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) 13/10). .
- قولُه: وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فيه إشعارٌ بأنَّ مَدارَ المَشيئةِ المَذْكورةِ إحسانُ مَن تُصيبُه الرَّحمةُ المَرْقومةُ، وأنَّها أجْرٌ له؛ ولِدَفْعِ تَوَهُّمِ انحصارِ ثَمَراتِ الإحسانِ فيما ذُكِرَ منَ الأجْرِ العاجِلِ قيل على سبيلِ التَّوكيدِ: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [705] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/287). .
4- قولُه تعالى: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ فيه وضْعُ الموصولِ لِلَّذِينَ آمَنُوا.. مَوضِعَ المُضمَرِ؛ إذ التقديرُ: (خَيْرٌ لهم)، أي: للمُحسِنينَ المَذْكورِينَ، وإنَّما قيل: لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ؛ تَنْبيهًا على أنَّ المُرادَ بالإحْسانِ إنَّما هو الإيمانُ والثَّباتُ على التَّقوى، المُسْتفادُ من جَمْعِ صِيغتَيِ الماضي آمَنُوا وَكَانُوا والمستقَبلِ يَتَّقُونَ [706] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/287). .
- والتَّعبيرُ في جانِبِ التَّقوى بِصيغةِ المُضارِعِ يَتَّقُونَ؛ لأنَّ التَّقوى مُتَجدِّدةٌ بتجدُّدِ أسبابِ الأمرِ والنَّهْيِ، واختلافِ الأعمالِ والأزمانِ [707] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/10). .