موسوعة التفسير

سُورةُ يُوسُفَ
الآيات (43-49)

ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ

غريب الكلمات:

عِجَافٌ: أي: مَهازيلُ في غايةِ الضَّعفِ والهُزالِ، وأصلُ (عجف): يدلُّ على هُزالٍ [537] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 345)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/236)، ((المفردات)) للراغب (ص: 548)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 245)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/262). .
تَعْبُرُونَ: أي: تفَسِّرونُ، والتَّعبيرُ: تفسيرُ ما تدُلُّ عليه الرُّؤيا، وتأويلُ إشاراتِها ورُموزِها، وأصلُ (عبر): يدلُّ على النُّفوذِ والمُضيِّ في الشَّيءِ [538] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 143)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/207)، ((المفردات)) للراغب (ص: 543)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 245)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/281). .
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ: أي: أخلاطُ أحلامٍ، لا تأويلَ لها، وأصلُ (ضغث): يدلُّ على التِباسِ الشَّيءِ بعضِه ببعضٍ، والأحلامُ جمعُ حُلْمٍ، وهو ما يراه الإنسانُ في نومِه [539] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة، ((تفسير ابن جرير)) (13/179)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/363)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 172)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 245). .
وَادَّكَرَ: أي: تَذكَّرَ، وأصلُ (ذكر): يدلُّ على خِلافِ النِّسيانِ [540] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/181)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/358)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 173). قال أبو حيانَ في قولِه تعالى: وَادَّكَرَ: (وأصلُه: «واذْتَكَر» أُبْدِلَتِ التَّاءُ دالًا، وأُدْغِمَتِ الذَّالُ فيها، فصار «ادَّكَرَ»). ((تفسير أبي حيان)) (6/284). .
أُمَّةٍ: أي: حِينٍ ومُدَّةٍ منَ الدَّهرِ، وأصلُ إطلاقِ الأُمَّةِ على المُدَّةِ الطويلةِ هو أنَّها زمَنٌ ينقَرِضُ في مِثلِه جِيلٌ، والِجيلُ يُسمَّى أُمَّةً [541] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 218)، ((المفردات)) للراغب (ص: 86)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 182)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/283). .
دَأَبًا: أي: مُلازَمةً لعادتِكم في الزِّراعةِ، والدَّأبُ: العادةُ والمُلازَمةُ، وأصلُ (دأب): يدُلُّ على مُلازمةٍ ودَوامٍ [542] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 218)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/321)، ((تفسير ابن جرير)) (13/189)، ((تفسير ابن عطية)) (3/250)، ((لسان العرب)) لابن منظور (1/368). .
تُحْصِنُونَ: أي: تدَّخِرونَ وتَخزِنونَ، والإحصان: الإحرازُ، وهو إلقاءُ الشَّيءِ فيما هو كالحِصنِ- وهو الحِرزُ والمَلجأُ، وأصلُ (حصن): يدُلُّ على الحِفظِ والحِياطةِ والحِرْزِ [543] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 218)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/69)، ((تفسير ابن جرير)) (13/191)، ((البسيط)) للواحدي (12/138). .
يُغَاثُ: أي: يُمطَرُ؛ مِن الغَيثِ: وهو المَطَرُ [544] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 218)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 533)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/403 )، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: وقال مَلِكُ مصرَ: إنِّي رأيتُ في منامي سبعَ بقَراتٍ سِمانٍ، يأكُلُهنَّ سَبعُ بقَراتٍ نَحيلاتٍ مِن الهُزالِ، ورأيتُ سبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ، وسَبعَ سُنبُلاتٍ يابساتٍ، يا أيُّها الأشرافُ والكُبَراءُ أخبِروني عن هذه الرُّؤيا، إن كنتُم على علمٍ بتفسيرِ الرُّؤى، قالوا: رؤياك هذه أخلاطُ أحلامٍ لا تأويلَ لها، وما نحن بتفسيرِ الأحلامِ المختلطةِ بعالِمينَ، وقال الذي نجا من الفَتيَينِ اللَّذينِ كانا في السِّجنِ معَ يُوسفَ، وتذكَّرَ بعدَ مُدَّةٍ ما نَسيَ مِن أمرِ يوسُفَ، قال: أنا أُخبِرُكم بتأويلِ هذه الرُّؤيا، فابعَثوني إلى يوسُفَ المسجونِ؛ لآتيَكم بتفسيرِها، وعندما وصل الرَّجُلُ إلى يوسُفَ قال له: يوسُفُ أيُّها الصِّدِّيقُ فسِّرْ لنا رؤيا مَن رأى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ يأكلُهنَّ سَبعُ بقَراتٍ هَزيلاتٍ، ورأى سبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وأُخَرَ يابساتٍ؛ لعلِّي أرجِعُ إلى المَلِك وأصحابِه فأُخبِرُهم؛ لِيعلموا تأويلَ ما سألتُك عنه، ولِيعلَموا مكانتَك وفَضلَك.
قال يوسُفُ لسائِلِه عن رُؤيا المَلِك: تفسيرُ هذه الرُّؤيا: أنَّكم تزرعونَ سبعَ سِنينَ مُتتابِعةً جادِّينَ ليَكْثُرَ العَطاءُ، فما حصدتُم منه في كلِّ مرَّةٍ فادَّخِروه واترُكوه في سُنبُله؛ ؛ لئلَّا يَفْسُدَ، إلَّا قليلًا ممَّا تأكُلونَه من الحُبوبِ، ثمَّ يأتي بعد هذه السِّنينَ الخِصْبةِ سبعُ سنينَ شديدةُ الجَدْبِ، يُؤكَلُ فيهنَّ كلُّ ما ادَّخَرتُم لهنَّ مِن قَبلُ، إلَّا قليلًا ممَّا تَحفَظونَه وتدَّخِرونَه، ثمَّ يأتي مِن بعدِ هذه السِّنينَ المُجدِبةِ عامٌ يُمطَرُ فيه النَّاسُ، فيرفَعُ اللهُ تعالى عنهم الشِّدَّةَ، ويَعصِرونَ فيه الثِّمارَ؛ مِن كثرةِ الخِصْبِ والنَّماءِ.

تفسير الآيات:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا بطلَ السَّببُ الذي أمَرَ به يوسُفُ عليه السَّلامُ- وهو تذكيرُ السَّاقي به- أثار اللهُ سُبحانه سَببًا يُنفَّذُ به ما أراد مِن رئاستِه [545] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/98). .
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ.
أي: وقال مَلِكُ مِصرَ [546] قال ابنُ عاشورٍ: (سمَّاه القرآنُ هنا ملكًا، ولم يسمِّه فرعونَ؛ لأنَّ هذا الملكَ لم يكنْ مِن الفراعنةِ ملوكِ مصرَ القبطِ، وإنَّما كان ملكًا لمصرَ أيامَ حَكَمها «الهِكْسُوسُ»، وهم العمالقةُ، وهم مِن الكنعانيين، أو مِن العربِ، ويُعبِّر عنهم مؤرخو الإغريقِ بملوكِ الرعاةِ، أي: البدوِ). ((تفسير ابن عاشور)) (12/280) ويُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/261). لجُلَسائِه: إنِّي رأيتُ في المنامِ سبعَ بقَراتٍ سِمانٍ يأكُلُهنَّ سبعُ بقراتٍ هَزْلى [547] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/177)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/442)، ((تفسير ابن كثير)) (4/392)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). !
وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ.
أي: ورأيتُ في منامي سبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ، وسبعَ سُنبُلاتٍ أُخرَى يابسة [548] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/177)، ((تفسير النسفي)) (2/113)، ((تفسير الشوكاني)) (3/37)، ((تفسير الرسعني)) (3/348). قال الرسعني: (وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ أي: وسبعًا أخرَ يابساتٍ قد استُحصدنْ يأكُلْنَ الخضرَ، فحُذِف اكتفاءً بدلالةِ الأولِ عليه). ((تفسير الرسعني)) (3/349). وممن نصَّ على أنَّ المراد: أكلُ السَّنابلِ اليابساتِ للخُضْرِ، كما وقع بين البقَرِ السِّمانِ والعِجافِ: ابن الجوزي، القرطبي، والقاسمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/442)، ((تفسير القرطبي)) (9/198، 199)، ((تفسير القاسمي)) (6/180)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). وقال الشوكاني: (والمعنَى: وأرى سبعًا أُخَرَ يابِساتٍ، وكان قد رأى أنَّ السَّبعَ السُّنبلاتِ اليابِساتِ قد أدْرَكتِ الخضْرَ والتَوَتْ عليها حتَّى غَلَبَتها، ولعلَّ عدمَ التَّعَرُّضِ لذِكْرِ هذا في النَّظمِ القرآنيِّ للاكتفاءِ بما ذُكِر مِن حالِ البقراتِ). ((تفسير الشوكاني)) (3/37)، وممن نصَّ على نحو هذا المعنَى: السمعاني والواحدي والبغوي والزمخشري والرازي وأبو حيان. ينظر: ((تفسير السمعاني)) (3/34)، ((الوسيط)) للواحدي (2/615)، ((تفسير البغوي)) (2/494)، ((تفسير الزمخشري)) (2/473)، ((تفسير ابن عطية)) (3/250)، ((تفسير الرازي)) (18/463)، ((تفسير أبي حيان)) (6/280). !
يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ.
أي: قال المَلِكُ لِمن حَولَه: يا أيُّها الأشرافُ، أخبِروني بتفسيرِ رُؤياي إن كنتُم على عِلمٍ ودرايةٍ بذلك [549] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/177، 178)، ((تفسير القرطبي)) (9/200)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/262). .
قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ (44).
قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ.
أي: قال الأشرافُ للمَلِك: رُؤياك هذه ليسَت بشيءٍ، إنَّما هي أخلاطُ أحلامٍ، لا حقيقةَ لها [550] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/178، 180)، ((تفسير البغوي)) (2/494)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). .
وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ.
أي: ولَسْنا على علمٍ بتفسيرِ الأحلامِ المُختلِطةِ [551] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/113)، ((تفسير ابن جرير)) (13/180، 181)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/442). وممَّن اختار هذا المعنى المذكور: الزجاج، وابن جرير، وابن الجوزي. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل المراد: أنَّهم نفَوا عن أنفُسِهم العلمَ بتأويلِ الرُّؤى قاطبةً. وممن اختار هذا القول: ابنُ جزي، وأبو حيانَ. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/388)، ((تفسير أبي حيان)) (6/282)، ويُنظر أيضًا: ((تفسير القاسمي)) (6/181). .
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45).
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ.
أي: وقال الذي نجا من الفَتيَينِ اللَّذينِ كانا في السِّجنِ معَ يُوسفَ، وتذكَّرَ بعدَ مُدَّةٍ مِن الزَّمنِ ما كان من شأنِ يوسُفَ مِن عِلمِه بتعبيرِ الرُّؤى، وما أوصاه به مِن ذِكرِ أمْرِه عند سَيِّدِه المَلِك [552] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/181)، ((تفسير القرطبي)) (9/201)، ((تفسير ابن كثير)) (4/392)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). .
أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ.
أي: أنا أُخبِرُكم بتأويلِ رُؤيا المَلِك، فابعَثوني أذهَبْ إلى يوسُفَ المَسجونِ؛ لأسألَه تَعبيرَها [553] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/187)، ((تفسير القرطبي)) (9/202)، ((تفسير ابن كثير)) (4/392)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). .
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46).
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ.
أي: فأرسَلوه إليه، فقال له: يا يوسُفَ، يا كثيرَ الصِّدقِ في أقوالِك وأفعالِك، أخبِرْنا بتعبيرِ رُؤيا سبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يأكُلُهنَّ سبعُ بقراتٍ هَزْلى، وسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ، وسَبعِ سُنبُلاتٍ أخرى يابسةٍ [554] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/187، 188)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (2/328)، ((تفسير القرطبي)) (9/202)، ((تفسير السعدي)) (ص: 399). .
لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ.
أي: فسِّرْ هذه الرُّؤيا؛ لَعلِّي أرجِعُ إلى المَلِك وجُلَسائِه لِيَعلَموا تعبيرَها، ويَعلَموا عِلمَك وفَضلَك، فتخرُجَ مِن السِّجنِ [555] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/189)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/443)، ((تفسير القرطبي)) (9/202)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/285). .
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47).
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا.
أي: قال يوسُفُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مُفَسِّرًا رُؤيا المَلِك: تَزرعونَ سَبعَ سَنواتٍ خِصبةٍ مُتَتابعةٍ، على عادتِكم في الزِّراعةِ [556] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/189)، ((تفسير القرطبي)) (9/202، 203)، ((تفسير ابن كثير)) (4/392)، ((تفسير السعدي)) (ص: 400). .
فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ.
أي: اترُكوا محصولَ زَرعِكم في سُنبُلِه؛ لئلَّا يَفْسُدَ، وكُلوا منه قليلًا بقَدرِ حاجتِكم، وادَّخِروا أكثَرَ مَحصولِكم [557] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/203)، ((تفسير ابن كثير)) (4/393)، ((تفسير السعدي)) (ص: 400). .
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48).
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ.
أي: ثمَّ يجيءُ مِن بعدِ السِّنينَ السَّبعِ الخِصبةِ سَبعُ سَنواتٍ شَديدةِ الجَدبِ، يُؤكَلُ فيهنَّ جميعُ ما ادَّخَرتُم لأجلِهنَّ مِن مَحصولِ زَرعِكم في السنين السبعِ الخصبةِ، إلَّا قليلًا منه يبقَى في حِرزِه [558] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/190، 191)، ((تفسير القرطبي)) (9/204)، ((تفسير ابن كثير)) (4/393)، ((تفسير السعدي)) (ص: 400). قال القرطبي: (مِمَّا تُحْصِنُونَ أي: ممَّا تحبِسونَ لِتَزرعوا؛ لأنَّ في استبقاءِ البَذرِ تَحصينَ الأقواتِ). ((تفسير القرطبي)) (9/204). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو في القُنوتِ: اللهُمَّ أنجِ سَلَمةَ بنَ هِشامٍ، اللهمَّ أنجِ الوليدَ بنَ الوَليدِ، اللهمَّ أنجِ عيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، اللهُمَّ أنجِ المُستَضعفينَ مِن المُؤمنينَ، اللهمَّ اشدُدْ وطأتَك على مُضَرَ، اللهمَّ سِنينَ كَسِنِي يوسُفَ [559] قال ابنُ حجر: (والمرادُ «بسني يوسف» ما وقَع في زمانِه عليه السلامُ مِن القحطِ في السنينَ السبعِ، كما وقَع في التنزيلِ، وقد بيَّن ذلك في الحديثِ الثاني حيث قال: «سبعًا كسبعِ يوسفَ»، وأُضِيفتْ إليه؛ لكونِه الذي أنذَر بها، أو لكونِه الذي قام بأمورِ الناسِ فيها). ((فتح الباري)) (2/493). ) [560] رواه البخاري (2932) واللفظ له، ومسلم (675). .
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: ((إنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا رأَى مِنَ النَّاسِ إدبارًا قال: اللَّهُمَّ سَبْعٌ كسَبْعِ يُوسُفَ )) [561]  أخرجه البخاري (1007)، ومسلم (2798). .
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49).
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ.
أي: ثمَّ يجيءُ مِن بعدِ سَبعِ السَّنواتِ المُجدِبةِ عامٌ يُمطِرُ اللهُ فيه النَّاسَ الأمطارَ الكثيرةَ [562] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/193)، ((تفسير القرطبي)) (9/205)، ((تفسير ابن كثير)) (4/393)، ((تفسير السعدي)) (ص: 400). يُغَاثُ النَّاسُ معناه يُمطرونَ، وهو قولُ جمهورِ المفسِّرين. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/251). وقال الواحدي: (ويجوزُ أن يكونَ مِن قولِهم: أغاثه الله، إذا أنقَذه مِن كربٍ أو غمٍّ. ومعناه يُنقَذُ الناسُ فيه مِن كربِ الجدبِ). ((البسيط)) (12/139). قال ابن جرير: (وهذا خبرٌ مِن يوسُفَ عليه السَّلامُ للقومِ عمَّا لم يكنْ في رؤيا مَلِكِهم، ولكنَّه مِن عِلمِ الغيبِ الذي آتاه الله؛ دلالةً على نبوَّتِه، وحُجَّةً على صِدقِه). ((تفسير ابن جرير)) (13/192). وقال ابنُ عطيةَ: (ويحتملُ هذا ألَّا يكونَ غيبًا، بل علمُ العبارةِ أعطَى انقطاعَ الجدبِ بعدَ سبعٍ، ومعلومٌ أنَّه لا يقطعُه إلا خصبٌ شافٍ). ((تفسير ابن عطية)) (3/250). وقال السعدي: (ولعلَّ استدلالَه على وجودِ هذا العامِ الخصبِ، مع أنَّه غيرُ مصرَّحٍ به في رُؤيا الملك؛ لأنَّه فهِم مِن التقديرِ بالسبعِ الشدادِ، أنَّ العامَ الذي يَلِيها يزولُ به شدَّتُها، ومِن المعلومِ أنَّه لا يزولُ الجدبُ المستمرُّ سبعَ سنينَ متوالياتٍ، إلا بعامٍ مخصبٍ جدًّا، وإلَّا لما كان للتقديرِ فائدةٌ). ((تفسير السعدي)) (ص: 400)، ويُنظر: ((فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام)) (ص: 18). .
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ.
أي: وفي ذلك العامِ يَعصِرُ النَّاسُ الأعنابَ والدُّهنَ وغيرَ ذلك [563] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/196)، ((تفسير القرطبي)) (9/205)، ((تفسير ابن كثير)) (4/393). .

الفوائد التربوية :

1- قَولُ الله تعالى: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ هذا جَزمٌ منهم بما لا يَعلَمونَ، وتعَذُّرٌ منهم بما ليس بعُذرٍ، فجمَعوا بين الجهلِ والجَزمِ بأنَّها أضغاثُ أحلامٍ، والإعجابِ بالنَّفسِ، بحيث إنَّهم لم يقولوا: لا نعلَمُ تأويلَها، وهذا من الأمورِ التي لا تنبغي لأهلِ الدِّينِ والحِجا [564] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:399). .
2- قال الله تعالى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا هذا يدُلُّ على أنَّ من أراد أن يتعلَّمَ مِن رجلٍ شَيئًا، فإنَّه يجِبُ عليه أن يُعظِّمَه، وأن يُخاطِبَه بالألفاظِ المُشعِرةِ بالإجلالِ [565] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/465). .
3- ينبغي للمَسؤولِ أن يدُلَّ السَّائلَ على أمرٍ ينفَعُه ممَّا يتعلَّقُ بسُؤالِه، ويُرشِدُه إلى الطَّريقِ التي ينتَفِعُ بها في دينِه ودُنياه؛ فإنَّ هذا مِن كمالِ نُصحِه وفِطنتِه، وحُسنِ إرشادِه؛ فإنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ لم يقتصِرْ على تعبيرِ رُؤيا المَلِك، بل دلَّهم مع ذلك على ما يصنعونَ في تلك السِّنينَ المُخصِباتِ مِن كثرةِ الزَّرعِ، وكَثرةِ جِبايتِه، فقال: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ [566] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
4- ينبغي ويتأكَّدُ على المعَلِّم استعمالُ الإخلاصِ التامِّ في تعليمِه، وألَّا يجعَلَ تعليمَه وسيلةً لمعاوَضةِ أحدٍ في مالٍ أو جاهٍ أو نفعٍ، وألَّا يمتنِعَ مِن التَّعليم، أو لا ينصَح فيه، إذا لم يَفعَل السائلُ ما كلَّفَه به المعلِّمُ؛ فإنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ وصَّى أحدَ الفَتَيينِ أن يذكُرَه عند ربِّه؛ قال تعالى: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فلم يذكُرْه ونَسِيَ، فلمَّا بدَت حاجتُهم إلى سؤالِ يوسُفَ أرسَلوا ذلك الفتى، وجاءه سائلًا مُستفتيًا عن تلك الرُّؤيا قائلًا: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فلم يعَنِّفْه يوسفُ ولا وبَّخَه لِتَركِه ذِكرَه، بل أجابه عن سؤالِه جوابًا تامًّا مِن كلِّ وَجهٍ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا... [567] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 410). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- اللهُ سُبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا هيَّأَ له أسبابًا، ولَمَّا دنا فرَجُ يوسُفَ عليه السَّلامُ، رأى مَلِكُ مصرَ في النَّومِ تلك الرُّؤيا [568] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/463). .
2- قَولُ الله تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ... هذه الآيةُ مِن أُصولِ التَّعبيرِ [569] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:155). .
3- قولُ الله تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ... فيه صِحَّةُ رُؤيا الكافرِ [570] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:155). .
4- قولُ الله تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ فيه جوازُ تَسميةِ الكافرِ مَلِكًا [571] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:155). .
5- قولُ الله تعالى: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ فيه أنَّ مَن قال: إنَّ الرُّؤيا لأوَّلِ عابرٍ، ليس عامًّا في كلِّ رُؤيا؛ لأنَّهم قالوا: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ولم تَسقُطْ بقَولِهم ذلك، فتُخَصُّ تلك القاعدةُ بما يَحتمِلُ مِن الرُّؤيا وُجوهًا فيُعبَّرُ بأحدِها فتقَعُ عليه [572] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:155). .
6- قولُ الله تعالى: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ هذا مِن لُطفِ اللهِ بيوسُفَ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه لو عبَّرَها ابتداءً- قبل أن يَعرِضَها المَلِكُ على الملأِ مِن قَومِه وعُلمائِهم فيَعجِزوا عنها- لم يكن لها ذلك الموقِعُ، ولكِنْ لَمَّا عرَضَها عليهم فعَجَزوا عن الجوابِ، وكان المَلِكُ مهتَمًّا لها، فعبَّرَها يوسُفُ- وقَعَت عندهم موقعًا عظيمًا [573] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:399). .
7- قال الله تعالى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا إنَّما وصفَه بالصِّدِّيقِ- وهو المُبالِغُ في الصِّدقِ- لأنَّه جرَّبَ أحوالَه، وعرَفَ صِدقَه في تأويلِ رُؤياه ورُؤيا صاحِبِه [574] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/166). .
8- قوله: أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ أي: في تأويلِ رؤيا ذلك، ولم يُغيِّرْ لفظَ الملكِ؛ لأنَّ التعبيرَ يكونُ على وَفْقِه، كما بيَّنوه [575] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (6/182). .
9- قال الله تعالى حاكيًا عن يوسفَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ أشار إلى إبقاءِ ما فضَل عن أقواتِهم في سنبلِه؛ ليكونَ أسلمَ له من إصابةِ السوسِ الذي يصيبُ الحبَّ إذا تراكَم بعضُه على بعضٍ، فإذا كان في سنبلِه دفَع عنه السوسَ [576] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/287). .
10- قولُ الله تعالى: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ هذه الآيةُ أصلٌ في القَولِ بالمصالحِ الشَّرعيَّةِ- التي هي حِفظُ الأديانِ والنُّفوسِ، والعُقولِ والأنسابِ والأموالِ- فكُلُّ ما تضمَّنَ تحصيلَ شَيءٍ من هذه الأمورِ فهو مصلحةٌ، وكلُّ ما يُفوِّتُ شيئًا منها فهو مَفسَدةٌ، ودَفعُه مصلحةٌ، ولا خِلافَ أنَّ مقصودَ الشَّرائعِ إرشادُ النَّاسِ إلى مصالحِهم الدُّنيويَّةِ؛ ليحصُلَ لهم التمَكُّنُ مِن معرفةِ الله تعالى وعبادتِه المُوصِلَتينِ إلى السَّعادةِ الأُخرويَّة، ومراعاةُ ذلك فضلٌ مِن اللهِ- عزَّ وجَلَّ- ورحمةٌ [577] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/203). .
11- قَولُ الله تعالى: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ فيه أنَّ جِبايةَ الأرزاقِ- إذا أُريدَ بها التَّوسِعةُ على النَّاسِ مِن غيرِ ضَررٍ يَلحَقُهم- لا بأسَ بها؛ لأنَّ يوسُفَ أمَرَهم بجِبايةِ الأرزاقِ والأطعِمةِ في السِّنينَ المُخصِباتِ؛ للاستعدادِ للسِّنينَ المُجدِبة، وأنَّ هذا غيرُ مُناقِضٍ للتوكُّلِ على اللهِ، بل يتوكَّلُ العَبدُ على اللهِ ويعمَلُ بالأسبابِ التي تنفَعُه في دِينِه ودُنياه [578] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
12- قولُ الله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ هذا زيادةٌ على ما وقعَ السُّؤالُ عنه، فيُستدَلُّ به على أنَّه لا بأسَ بذلك في تعبيرِ الرُّؤيا والفتوى [579] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:155). .
13- قولُ الله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ أحكامُ هذا العامِ المبارَكِ ليست مُستنبَطةً مِن رؤيا الملِكِ وإنَّما تلَقَّاها عليه السَّلامُ مِن جهةِ الوحيِ، على أحدِ القولينِ، فبشَّرهم بها بعدَما أوَّلَ الرُّؤيا بما أوَّلَ، وأمرَهم بالتَّدبيرِ اللَّائقِ في شأنِه؛ إبانةً لِعُلوِّ كَعبِه ورُسوخِ قَدمِه في الفضلِ، وأنَّه مُحيطٌ بما لَمْ يَخطُرْ ببالِ أحدٍ، فضلًا عمَّا يُرى صورتُه في المنامِ على نحوِ قولِه لِصاحِبَيهِ عندَ استِفْتائِهما في مَنامِهما: لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا يوسف: 37، وإتمامًا للنِّعمةِ عليه حيث لم يُشارِكْه عليه السَّلامُ في العِلمِ بوُقوعها أحدٌ، ولو برؤيةِ ما يَدُلُّ عليها في المنامِ [580] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/283). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ
- قولُه: إِنِّي أَرَى، أي: (رَأيتُ)، وإيثارُ صيغةِ المضارِعِ لحِكايةِ الحالِ الماضيةِ [581] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/280). .
- قولُه: يَأْكُلُهُنَّ فيه العُدولُ إلى صيغةِ المضارعِ؛ لاستِحْضارِ الصُّورةِ؛ تعجُّبًا [582] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/280). .
- وبينَ سِمَانٍ وعِجَافٌ مُزاوَجةٌ بَلاغيَّةٌ حسَنةٌ؛ ذلك أنَّ عِجَافٌ جَمعُ عَجْفاءَ، والقياسُ في جَمْعِ عَجْفاءَ (عُجْفٌ)، لكنَّه صِيغَ هنا بوَزنِ فِعَالٍ؛ لِمُزاوَجةِ (سِمَانٍ) [583] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/280). .
- وفي قولِه: سَبْعٌ عِجَافٌ مناسَبةٌ حسنةٌ، حيث لم يَقُل: (سبعُ عِجافٍ) بالإضافةِ؛ لأنَّ التَّمييزَ موضوعٌ لبيانِ الجنسِ، والصِّفةُ ليست بصالحةٍ؛ لذلك فلا يُقالُ: ثلاثةُ ضِخامٍ وأربعةُ غِلاظٍ، وأمَّا قولُك: ثلاثةُ فُرسانٍ وخمسةُ رُكبانٍ؛ فلِجَرَيانِ الفارسِ والرَّاكبِ مَجرى الأسماءِ [584] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/280). .
- قولُه: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ فيه التَّعبيرُ عن التَّعبيرِ بالإفتاءِ؛ لِتَشريفِهم، وتَفخيمِ أمرِ رؤياه [585] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/280، 281). .
- قولُه: إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ فيه الجمعُ بينَ الماضِي والمستقبَلِ؛ للدَّلالةِ على الاستمرارِ، واللَّامُ في لِلرُّؤْيَا للبيانِ، أو لتقويةِ العاملِ المؤخَّرِ لرعايةِ الفواصِلِ، أو لِتَضمينِ تَعْبُرُونَ معنى فِعلٍ متعَدٍّ باللَّامِ، كأنَّه قيل: (إن كُنتم تَنتدِبون لعِبارتِها) [586] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/281). .
- وتَقديمُ لِلرُّؤيَا على عاملِه وهو تَعْبُرونَ؛ للرِّعايةِ على الفاصلةِ مع الاهتمامِ بالرُّؤيا في التَّعبيرِ [587] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/281). .
- قولُه: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ استئنافٌ مبنيٌّ على السُّؤالِ؛ كأنَّه قيل: فماذا قال الملَأُ للمَلِكِ؟ فقيل: قالوا: هي أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ [588] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/281). .
- وجمَعوا الأحلامَ وهي رُؤيا واحدةٌ؛ مُبالَغةً في وصفِها بالبُطلانِ، كما في قولِهم: فلانٌ يَركَبُ الخيلَ، ويَلبَسُ العَمائمَ، لِمَن لا يَملِكُ إلَّا فرَسًا واحدًا، وعِمامةً فَرْدةً؛ تَزيُّدًا في الوصفِ، فهؤلاء أيضًا تَزيَّدوا في وصْفِ الحُلمِ بالبطلانِ، فجعَلوه أضغاثَ أحلامٍ. أو جمَعوها لِتَضمُّنِها أشياءَ مُختلِفةً مِن البقَراتِ السَّبعِ السِّمانِ والسَّبعِ العِجافِ، والسَّنابلِ السَّبعِ الخُضرِ والأُخَرِ اليابساتِ. وقيل: ويجوزُ أن يكونَ قد قَصَّ عليهم مع هذه الرُّؤيا رُؤيا غيرَها [589] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/475)، ((تفسير أبي السعود)) (4/281). .
- جملةُ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ فيها ابتداءُ الكَلامِ بضَميرِ السَّاقي أَنَا، وجَعَله مُسنَدًا إليه؛ وجَعَل خبَرَه فِعليًّا أُنَبِّئُكُمْ؛ لِقَصدِ استِجْلابِ تَعجُّبِ الملِكِ مِن أن يَكونَ السَّاقي يُنبِّئُ بتَأويلِ رُؤيا استَعْصَت على عُلماءِ بَلاطِ الملِكِ، مع إفادةِ تَقَوِّي الحُكْمِ، وهو إنباؤُه إيَّاهم بتَأويلِها [590] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/283). .
- وضمائِرُ جمْعِ المخاطَبِ في أُنَبِّئُكُمْ فَأَرْسِلُونِ مُخاطَبٌ بها الملِكُ على وجْهِ التَّعظيمِ [591] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/283). .
- وقولُه أيضًا: فَأَرْسِلُونَ فيه حذفُ المعمولِ؛ حيثُ لم يُسمِّ لهم المُرسَلَ إليه؛ لأنَّه أراد أنْ يُفاجِئَهم بخبرِ يُوسُفَ عليه السَّلامُ بعدَ حُصولِ تَعبيرِه؛ ليكونَ أوقعَ؛ إذ ليس مِثلُه مَظِنَّةَ أنْ يكونَ بينَ المساجِينِ [592] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/283). .
2- قولُه تعالى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ
- قولُه: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ مِن بابِ بَراعةِ الاستِهْلالِ؛ حيث وصَفه بالمبالَغةِ في الصِّدقِ حسَبَما شاهَده وذاق أحوالَه وجرَّبَها، وتَعرَّف صِدقَه في تأويلِ رُؤياه ورُؤيا صاحبِه، حيث جاء كما أوَّلَ؛ لِكَونِه بصَدَدِ اغتنامِ آثارِه، واقتباسِ أنوارِه [593] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/476)، ((تفسير أبي حيان)) (6/284)، ((تفسير أبي السعود)) (4/282). .
- قولُه: أَفْتِنَا فيه مناسَبةٌ حسَنةٌ حيث قال: أَفْتِنَا، ولم يَقُلْ كما قال هو وصاحبُه أوَّلًا: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ؛ لأنَّه عايَنَ عُلوَّ رُتبتِه عليه السَّلامُ في الفضلِ، فعبَّر عن ذلك بالإفتاءِ، وأيضًا في قولِه: أَفْتِنَا مع أنَّه المستفتي وحْدَه إشعارٌ بأنَّ الرُّؤيا ليسَت له، بل لِغَيرِه ممَّن له مُلابَسةٌ بأمورِ العامَّةِ، وأنَّه في ذلك مَعْبرٌ وسَفيرٌ [594] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/282). .
- وكلَّمَه كلامَ مُحترِزٍ فقال: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، ولم يَبُتَّ القولَ في ذلك مُجاراةً معه على نَهجِ الأدبِ، واحترازًا عن المجازفةِ؛ لأنَّه ليس على يقينٍ مِن الرُّجوعِ؛ فربَّما اختُرِم دونَه، ولا مِن عِلمِهم؛ فرُبَّما لم يَعلَموا، أو معنى لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ لعلَّهم يعلَمون فضْلَك ومَكانَك مِن العلمِ، فيَطلُبوك، ويُخلِّصوك مِن مِحنتِك [595] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/476)، ((تفسير أبي السعود)) (4/282). .
- قولُه: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (لعلَّ) كالتَّعليلِ لقولِه: أَفْتِنَا [596] يُنظر:((تفسير أبي حيان)) (6/285). .
3- قولُه تعالى: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ
- قولُه: تَزْرَعُونَ خبَرٌ في مَعنى الأمرِ: (ازْرَعوا) [597]  لكن قال أبو حيان: (ولا يدلُّ الأمرُ بتركِه في سنبلِه على أنَّ تَزْرَعُونَ في معنى ازْرَعوا، بل تَزْرَعُونَ إخبارُ غيبٍ بما يكونُ منهم مِن توالي الزرعِ سبعَ سنين. وأمَّا قولُه: فَذَرُوهُ فهو أمرُ إشارةٍ بما يَنْبغي أن يَفْعلوه). ((تفسير أبي حيان)) (6/285)، وتبعه السمينُ فقال: (قلت: هذا هو الظاهرُ، ولا مَدْخَلَ لأمرِه لهم بالزِّراعةِ؛ لأنَّهم يَزْرعون على عادتِهم، أمَرَهم أو لم يأمرْهم، وإنَّما يحتاجُ إلى الأمرِ فيما لم يكنْ مِن عادةِ الإِنسانِ أن يفعلَه كتَرْكِه في سُنْبله). ((الدر المصون)) (6/509). ؛ للمُبالَغةِ في إيجابِ إنجازِ المأمورِ به، فيُجعَلُ كأنَّه وُجِد، فهو يُخبِرُ عنه، والدَّليلُ على كونِه في معنى الأمرِ قولُه: فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ [598] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/476). .
4- قولُه تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ
- قولُه: مِن بَعْدِ ذلك أي: مِن بعدِ السِّنينَ السَّبعِ المذكوراتِ، وإنَّما لم يَقُلْ: (مِن بعدِهنَّ) قصدًا إلى الإشارةِ إلى وَصفِهنَّ؛ فإنَّ الضَّميرَ ساكتٌ عن أوصافِ المرجعِ بالكُلِّيَّةِ [599] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/283). .
- قولُه: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ فيه تنبيهٌ على أنَّ أمْرَه عليه السَّلامُ بذلك كان لوقتِ الضَّرورةِ، وفيه تَلويحٌ بأنَّه تأويلٌ لأكلِ العِجافِ السِّمانَ، واللَّامُ في لَهُنَّ تَرشيحٌ لذلك؛ فكأنَّ ما ادُّخِرَ في السَّنابلِ مِن الحبوبِ شيءٌ قد هُيِّئَ وقُدِّم لهنَّ كالَّذي يُقدَّمُ للنَّازلِ، وإلَّا فهو في الحقيقةِ مُقدَّمٌ للنَّاسِ فيهِنَّ [600] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/283). .
5- قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
- قولُه: ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فيه مناسَبةٌ حسَنةٌ؛ حيث عبَّر عنه بالعامِ، ولم يُعبِّرْ عنه بالسَّنةِ؛ تَحاشِيًا عن المدلولِ الأصليِّ لها مِن عامِ القَحطِ، وتَنبيهًا مِنْ أوَّلِ الأمرِ عَلى اختِلافِ الحالِ بينَه وبينَ السَّوابقِ [601] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/283). .
- قولُه: فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ فيه التَّعرُّضُ لذِكرِ العَصرِ- مع جَوازِ الاكتفاءِ عنه بذِكرِ الغيثِ المستلزِمِ له عادةً، كما اكتُفي به عن ذِكرِ تَصرُّفِهم في الحبوبِ-؛ إمَّا لأنَّ استِلزامَ الغيثِ له ليس كاستِلزامِه للحبوبِ؛ إذِ المذكوراتُ يتَوقَّفُ صَلاحُها على مَبادٍ أخرى غيرِ المطَرِ، وإمَّا لمراعاةِ جانبِ المستفتي باعتبارِ حالتِه الخاصَّةِ به بِشارةً له، وهي الَّتي يَدورُ عليها حُسْنُ موقِعِ تَغليبِه على النَّاسِ [602] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/283). .