موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّامِنُ: خياناتُ الشِّيعةِ النُّصَيريَّةِ وتَعاوُنُ الشِّيعةِ في لُبنانَ مَعَهم ضِدَّ أهلِ السُّنَّةِ


النُّصَيريَّةُ فِرقةٌ من فِرَقِ الشِّيعةِ الغاليةِ، أسَّسَها الرَّافِضيُّ: مُحَمَّدُ بنُ نُصَيرٍ، وكان ينتَمي إلى الشِّيعةِ الاثنَي عَشريَّةِ، ثُمَّ خالفهم، فأسَّس هذه الفِرقةَ، وماتَ سَنةَ 260هـ [2429] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (ص: 15)، ((الفَرْق بَيْنَ الفِرَق)) للبغدادي (ص: 252).
وهم يحرِصونَ على سِرِّيَّةِ عَقائِدِهم، ولا يبُثُّونَها إلَّا لأتباعِهم بَعدَ أخذِ العُهودِ والمَواثيقِ على عَدَمِ إفشائِها [2430] يُنظر: ((الألوهية في المعتقدات الإسلامية)) لفاروق الدملوجي (ص: 115)، ((إسلام بلا مذاهب)) للشكعة (ص: 307). ويُنظر: كتاب ((الهفت الشريف)) تحقيق الدكتور مصطفى غالب النصيري، وهو من أهم كُتُبِ النُّصَيريِّين. ويُنظر في بيان أسرار النُّصَيرية كتابُ: ((الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية)) لسليمان أفندي الأَذَني. .
ويعتَبرُ النُّصَيريُّون كغَيرِهم من فِرَقِ الشِّيعةِ الغاليةِ سَبَّ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم مِنَ الفُروضِ الدِّينيَّةِ؛ لأنَّهم كما يزعُمونَ اغتَصَبوا حَقَّ العَلويِّينَ في الخِلافةِ [2431] يُنظر: ((طائفة النصيرية)) للحلبي (ص: 95). .
وقد انتَشَرَ مَذهَبُ النُّصَيريَّةِ في بلادِ الشَّامِ، ويُسَمُّونَ أنفُسَهم بالعَلويِّينَ، ويكرَهونَ اسمَ النُّصَيريِّينَ، ولهم عَداءٌ للإسلامِ والمُسلمينَ، وتاريخُهم مَليءٌ بالخُروجِ على الخُلفاءِ المُسلمينَ تارةً، وفي التَّعاوُنِ مَعَ أعداءِ المُسلمينَ مِنَ الخارِجِ تارةً أُخرى، سَواءٌ في القديمِ أو الحَديثِ، وقد صارَت لهم دَولةٌ في سوريا في العَصرِ الحاضِر.
ومِن خياناتِ النُّصَيريِّين أنَّه في سَنةِ 696هـ تَواتَرَتِ الأخبارُ بقَصدِ التَّتارِ بلادَ الشَّامِ، وخَرَجَ جَيشٌ من دِمَشقَ للقاءِ التَّتارِ، فالتَقَيا عِندَ وادي سَلَمِيَةَ، فكسَرَ التَّتارُ المُسلمينَ، وولَّى سُلطانُ المُسلمينَ هارِبًا، وقُتِل جَماعةٌ مِنَ الأُمَراءِ وخَلقٌ كثيرٌ من جَيشِ المُسلمينَ، واقتَرَبَ التَّتارُ من مَدينةِ دِمَشقَ، وكثُرَ فسادُهم في ظاهرِ البلدِ، ثُمَّ فُرِضَت أموالٌ كثيرةٌ على البلدِ موزَّعةً على أهلِ الأسواقِ، كُلُّ سوقٍ بحَسَبِه مِنَ المالِ، ثُمَّ عَمِل التَّتارُ المَجانيقَ ليرموا بها القَلعةَ، وحَلَّ الفزَعُ بالنَّاسِ، فلزِموا بُيوتَهم، وكان لا يُرى بالطُّرُقاتِ أحَدٌ إلَّا القَليلُ، والجامِعُ لا يُصَلِّي فيه أحَدٌ إلَّا اليسيرُ، ويومَ الجُمعةِ لا يتَكامَلُ فيه إلَّا الصَّفُّ الأوَّلُ، وما بَعدَه إلَّا بجُهدٍ جَهيدٍ، ومَن خَرَجَ من مَنزِلِه في ضَرورةٍ يخرُجُ بثيابِ زيِّهم ثُمَّ يعودُ سَريعًا، ويظُنُّ أنَّه لا يعودُ إلى أهلِه، وكان ذلك بتواطُؤِ النُّصَيريِّين مَعَ التَّتارِ [2432] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (17/ 723). .
وحينَ كان النُّصَيريُّون عَونًا للتَّتارِ على المُسلمينَ كان عُلماءُ أهلِ السُّنَّةِ -وعلى رَأسِهمُ ابنُ تيميَّةَ- يُصَبِّرونَ النَّاسَ ويُثَبِّتونَهم، وعِندَما حاصَرَ التَّتارُ قَلعةَ دِمَشقَ وطَلبَ السُّلطانُ من نائِبِ القَلعةِ تَسليمَها إلى التَّتارِ، امتَنَعَ النَّائِبُ؛ لأنَّ ابنَ تيميَّةَ قال له: لا تُسَلِّمْها للتَّتارِ ولو لم يَبقَ فيها حَجَرٌ واحِدٌ، وكان في عَدَمِ تَسليمِها مَصلحةٌ عَظيمةٌ للمُسلِمينَ [2433] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (17/720). بتصرف يسير. .
وشاءَ اللهُ تعالى أن تَتَحرَّكَ عَساكِرُ الدِّيارِ المِصريَّةِ لنُصرةِ أهلِ الشَّامِ، فلمَّا سَمِعَ بهمُ التَّتارُ انصَرَفوا، وأخِذَ جَماعةٌ مِمَّن كانوا يلوذونَ بالتَّتارِ ويُؤذونَ المُسلمينَ، وشُنِقَ منهم طائِفةٌ، وعُذِّبَ آخَرونَ، وخَرَجَ جَيشٌ من دِمَشقَ إلى الجِبالِ التي يسكُنُها العَلويُّونَ لقِتالِهم، وخَرَجَ ابنُ تيميَّةَ ومَعَه خَلقٌ كثيرٌ مِنَ المُتَطَوِّعةِ لقِتالِ أهلِ تلك النَّاحيةِ بسَبَبِ فسادِ نيَّتِهم وعَقائِدِهم وكُفرِهم وضَلالِهم، وما كانوا عامَلوا به عَساكِرَ المُسلمينَ لما كسَرَهم التَّتارُ مِن نَهبِهم، وأخْذِ أسلحَتِهم وخُيولِهم، وقَتلِ كثيرٍ منهم، فلمَّا وصَل الجَيشُ إلى بلادِهم جاءَ رُؤَساؤُهم إلى ابنِ تيميَّةَ فاستَتابَهم، وبَيَّن للكثيرينَ منهمُ الحَقَّ، وحَصَل بذلك خَيرٌ كثيرٌ، والتَزَموا برَدِّ ما كانوا أخَذوا من أموالِ المُسلمينَ، وقَرَّرَ عليهم أموالًا كثيرةً يحمِلونَها إلى بَيتِ مالِ المُسلمينَ [2434] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (17/730). .
ومِن خياناتِ النُّصَيريَّةِ أنَّه في سَنةِ 705هـ كمَن الجَيشُ التَّتاريُّ لجَيشِ حَلَبٍ، فقَتَلوا منهم خَلقًا كثيرًا، وتَبَيَّن للمُسلمينَ خيانةُ العَلويِّينَ، فسارَ إليهم نائِبُ السَّلطَنةِ بمَن بَقي مَعَه مِنَ الجُيوشِ الشَّاميَّةِ، وكان قد تقدَّم بَينَ يدَيه طائِفةٌ مِنَ الجَيشِ مَعَ ابنِ تيميَّةَ، فساروا إلى بلادِ النُّصَيريِّين لغَزوِهم، فنَصَرَهمُ اللهُ عليهم، وأبادوا كثيرًا منهم، ووطِئوا أماكِنَ كثيرةً من بلادِهم [2435] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (18/50). .
قال ابنُ كثيرٍ: (وفي سَنةِ 717هـ خَرَجَتِ النُّصَيريَّةُ عنِ الطَّاعةِ، وكان من بَينِهم رَجُلٌ سَمَّوه مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ المَهديَّ القائِمَ بأمرِ اللهِ، وتارةً يدَّعي أنَّه عَليُّ بنُ أبي طالبٍ فاطِرُ السَّمَواتِ والأرضِ، تعالى اللهُ عَمَّا يقولونَ عُلوًّا كبيرًا، وتارةً يدَّعي أنَّه مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ صاحِبُ البلادِ، وصَرَّح بكُفرِ المُسلمينَ، وأنَّ النُّصَيريَّةَ على الحَقِّ، واحتَوى هذا الرَّجُلُ على عُقولِ كثيرٍ من كِبارِ النُّصَيريِّين الضُّلَّالِ، وعَيَّن لكُلِّ إنسانٍ منهم تَقدِمةَ ألفٍ، وبلادًا كثيرةً، ونيابةَ قَلعةٍ، وحَمَلوا على مَدينةِ جَبلةَ [2436] هي مدينةُ سوريةَ ساحليَّةٌ، تقَعُ جنوبَ اللَّاذقيَّةِ بنحوِ 25 كيلو. فدَخَلوها وقَتَلوا خَلْقًا مِن أهلِها، وخَرَجوا منها يقولونَ: لا إلهَ إلَّا عليٌّ، ولا حِجابَ إلَّا مُحَمَّدٌ، ولا بابَ إلَّا سَلمانُ، وسَبُّوا الشَّيخَينِ، وصاحَ أهلُ البلدِ: وا إسلاماه، وا سُلطاناه، وا أميراه، ولم يكُنْ لهم يومئِذٍ ناصِرٌ ولا مُنجِدٌ، وجَعَلوا يبكونَ ويتَضَرَّعونَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فجَمع هذا الضَّالُّ الأموالَ فقَسَّمها على أصحابِه وأتباعِه قَبَّحَهمُ اللهُ أجمَعينَ، وقال لهم: لم يبقَ للمُسلمينَ ذِكرٌ ولا دَولةٌ، ولو لم يَبقَ مَعي سِوى عَشَرةِ نَفرٍ لمَلَكْنا البلادَ كُلَّها، ونادى في تلك البلادِ أنَّ المُقاسَمةَ بالعُشرِ لا غَيرُ؛ ليرغبَ فيه، وأمر أصحابَه بخَرابِ المَساجِدِ، واتِّخاذِها خَمَّاراتٍ، وكانوا يقولونَ لمَن أسَرُوه مِنَ المُسلمينَ: قُل: لا إلهَ إلَّا عليٌّ، واسجُدْ لإلهِك المَهديِّ الذي يُحيي ويُميتُ حتَّى يحقَنَ دَمُك، ويُكتَبَ لك فرَمانٌ! وتجَهَّزوا وعَمِلوا أُمورًا عَظيمةً جِدًّا، فجُرِّدَت إليهمُ العَساكِرُ، فهَزَموهم، وقَتَلوا منهم خَلقًا كثيرًا، وقُتِل المَهديُّ) [2437] ((البداية والنهاية)) (18/168). .
ومِن خياناتِ النُّصَيريِّين ما صَرَّحَ به النُّصَيريُّ مُحَمَّد أمين غالب الطَّويل، فقال: (لمَّا كان لا بُدَّ للضَّعيفِ المَظلومِ مِنَ التَّوسُّلِ بالخيانةِ لكي يُحافِظَ على حُقوقِه أو يستَرِدَّها -وهذا أمرٌ طَبيعيٌّ يُساقُ إليه كُلُّ إنسانٍ- كان العَلويُّونَ كُلَّما غَصَبَ السُّنِّيُّونَ أموالَهم وحُقوقَهم يتَوسَّلونَ بغَدرِ السُّنِّيِّينَ عِندَ سُنوحِ الفُرصةِ) [2438] ((تاريخ العلويين)) (ص: 407). .
وقال أيضًا: (جاءَ تَيمورلَنك بجُيوشٍ لا يُعرَفُ مِقدارُها، واستَولى على بَغدادَ وحَلبٍ والشَّامِ... ويُدعى أنَّ تَيمورلَنك كان نُصَيريًّا مَحضًا من جِهةِ العَقيدةِ؛ إذ توجَدُ له أشعارٌ دينيَّةٌ موافِقةٌ لآدابِ الطَّريقةِ الجنبلانيَّةِ النُّصَيريَّةِ، وأسبابُ دُخولِه في الطَّريقةِ هو ذَهابُ النُّصَيريِّ السَّيِّدِ بَرَكة من خُراسانَ إلى الأميرِ تَيمور، وهو في بلدةِ بَلخٍ... وداومَ تَيمورلنك في الاستيلاءِ على البلادِ، وشَيخُه السَّيِّدِ بَرَكة يُبَشِّرُه بدَوامِ فُتوحاتِه) [2439] ((تاريخ العلويين)) (ص: 334). .
وقال أيضًا: (كان نائِبُ حَلبَ هو الأميرَ العَلويَّ (النُّصَيريَّ) تَيمور طاشَ، والذي اتَّصَل بتيمورلنك خُفيةً، واتَّفقَ مَعَه على أن يَدْهَمَ تَيمورلنك حَلبَ، فهاجَمَها بالفِعلِ ودَخَلها عَنوةً، فأمعنَ في القَتلِ والنَّهبِ والتَّعذيبِ مُدَّةً طَويلةً حتَّى أنشَأ من رؤوسِ البَشَرِ تَلَّةً عَظيمةً، وقد قُتِل جَميعُ القوَّادِ المُدافِعينَ عنِ المَدينةِ، وانحَصَرَتِ المَصائِبُ بالسُّنِّيِّينِ فقَط... ثُمَّ سافرَ تَيمورلنك إلى الشَّامِ، وقَبلَ سَفرِه جاءَت إليه العَلويَّةُ (النُّصَيريَّة) دُرَّة الصدَفِ بنتُ سَعدِ الأنصارِ، ومَعَها أربَعونَ بنتًا بكرًا مِنَ العَلويِّينَ، وهنَّ يَنُحْنَ ويبكينَ، ويطلُبنَ الانتِقامَ لأهلِ البَيتِ وبَناتِهم اللَّاتي جيءَ بهنَّ سَبايا للشَّامِ، وسَعدُ الأنصارِ هذا من رِجالِ المَلِكِ الظَّاهرِ، وهو مَدفونٌ بحَلبَ، وله قَبرٌ فوقَه قُبَّةٌ، فوعَدَها تَيمورُ بأخذِ الثَّأرِ، ومَشَتِ البَناتُ العَلويَّاتُ مَعَ تَيمور وهنَّ يَنُحنَ ويَبكينَ، ويُنشِدنَ الأناشيدَ المُتَضَمِّنةَ للتَّحريضِ على الأخذِ بالثَّأرِ، فكان ذلك سَبَبًا في نُزولِ أفدَحِ المَصائِبِ التي لم يُسمَعْ بمِثلِها بأهلِ الشَّامِ... ولم ينجُ من بَطشِ تَيمورلنك بالشَّامِ إلَّا عائِلةٌ مِنَ المَسيحيِّينَ، وأمر تَيمورلنك بقَتلِ أهلِ السُّنَّةِ، واستِثناءِ العَلويِّينَ (النُّصَيريِّين)، وبَعدَ الشَّامِ ذَهَبَ تَيمور لبَغدادَ، وقَتَل بها تِسعينَ ألفًا) [2440] ((تاريخ العلويين)) (ص: 334- 339). .
وحينَ بَدَأتِ الحَمَلاتُ الصَّليبيَّةُ على العالمِ الإسلاميِّ تَعاونوا مَعَ النُّصَيريِّين، وسَقَطَت أوَّلًا المُدُنُ التي يتَواجَدُ فيها النُّصَيريُّون كطَرَسوسَ وإنطاكيةَ وغَيرِها من مَناطِقِ نُفوذِهم، وكان سُقوطُ مَدينةِ إنطاكيةَ في يدِ الصَّليبيِّينَ بفِعلِ الاتِّفاقِ الذي وقَعَ بَينَ الزَّعيمِ النُّصَيريِّ فيروزَ وبَينَ قائِدِ الصَّليبيِّينَ بوهموندَ [2441] يُنظر: ((تاريخ العلويين)) للطويل (ص: 293). .
ومِن خياناتِ النُّصَيريِّين في الزَّمَنِ القَريبِ: تَعاوُنُهم مَعَ الاحتِلالِ الفرَنسيِّ أثناءَ انتِدابِه على سوريا، وكانوا مَعَ الفرَنسيِّينَ ضِدَّ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ، وفي مُقابِلِ هذا مَنحَ الفرَنسيُّونَ للنُّصَيريِّين مَجموعةً مِنَ الأراضي سُمِّيت بجِبالِ العَلويِّينَ.
قال مُحَمَّد أمين غالب النُّصَيريُّ: (إنَّ الأتراكَ همُ الذين حَرَموا هذه الطَّائِفةَ مِنِ اسمِ العَلويِّينَ، وأطلقوا عليهمُ اسمَ النُّصَيريِّين... نِسبةً إلى الجِبالِ التي يَسكُنونَها نِكايةً بهم واحتِقارًا لهم، إلَّا أنَّ الفرَنسيِّينَ أعادوا لهم هذا الاسمَ الذي حُرِموا منه أكثَرَ من 412 سَنةً أثناءَ انتِدابِهم على سوريا؛ إذ صَدَرَ أمرٌ مِنَ القومسيريَّةِ العُليا في بَيروتَ بتاريخِ 1/9/1920م بتَسميةِ جِبالِ النُّصَيريِّين بأراضي العَلويِّينَ المُستَقِلَّةِ) [2442] ((تاريخ العلويين)) (ص: 391). .
ومِن أشهَرِ النُّصَيريِّين في القَرنِ الماضي: سَلمانُ المُرشِدُ من قَريةِ جَوبة برغال شَرقيَّ مَدينةِ اللاذِقيَّةِ بسوريا، وقد استَماله الفرَنسيُّونَ واستَخدَموه.
وجَعَل الفرَنسيُّونَ للعَلويِّينَ نِظامًا خاصًّا، فقَوِيَت شَوكةُ سَلمانَ المُرشِدِ، وتَلقَّب برَئيسِ الشَّعبِ العَلويِّ الجَبدريِّ الغَسَّانيِّ، وعَيَّن قُضاةً، وسَنَّ القَوانينَ، وفَرَض الضَّرائِبَ على القُرى التَّابعةِ له، وشَكَّل فِرَقًا خاصَّةً للدِّفاعِ سَمَّاهمُ الفِدائيِّينَ، وعِندَما جَلا الفرَنسيُّونَ عن سوريا تَرَكوا لهذا النُّصَيريِّ وأتباعِه كثيرًا مِنَ الأسلحةِ، ما أغراهم بالعِصيانِ، فجَرَّدَتِ الحُكومةُ السُّوريَّةُ آنَذاك قوَّةً فتَكت ببَعضِ أتباعِه، واعتَقَلته مَعَ آخَرينَ، ثُمَّ أُعدِمَ شَنقًا في دِمَشقَ عام 1946م [2443] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (3/170). .
ومنهم نُصَيريٌّ يُسَمَّى: يوسُف ياسين، الذي سَعى في مُحارَبةِ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ بخُطَبِه وأشعارِه وسِلاحِه.
قال سُليمانُ الحَلبيُّ: (لمَّا احتَلَّ الإنكِليزُ فِلسطينَ عام 1918م تَطَوَّع يوسُف ياسين بالفِرقةِ التي شَكَّلها الإنكِليزُ للعَمَلِ مَعَ لورَنسَ والمَلكِ عَبدِ اللهِ بالحِجازِ لمُحارَبةِ الأتراكِ باسمِ الجَيشِ العَرَبيِّ، فكان يوسُف ياسين يخطُبُ في الأنديةِ وفي الشَّبابِ بالقُدسِ داعيًا إلى الجِهادِ ضِدَّ الأتراكِ. وقد نَشَرَت جَريدةُ الكواكِبِ الصَّادِرةُ في 3/9/1918م بالقاهرةِ لمُراسِلِها بالقُدسِ واصِفًا لحَفلةٍ أُقيمَت في النَّادي العَرَبيِّ لحَثِّ الشَّبابِ على التَّطَوُّعِ في ذلك الجَيشِ، فقال المُراسِلُ: وقَف الشَّابُّ يوسُف ياسين وتَكلَّمَ بصِفتِه جُنديًّا في الجَيشِ العَرَبيِّ) [2444] ((طائفة النصيرية)) (ص: 114). .
وكان النُّصَيريُّون يُعاوِنونَ المارونيِّينَ النَّصارى في كثيرٍ مِنَ الأحداثِ في سوريا أو لُبنانَ [2445] يُنظر: ((طائفة النصيرية)) لسليمان الحلبي (ص: 109). .
وفي سِجِلَّاتِ وِزارةِ الخارِجيَّةِ الفرَنسيَّةِ (رَقم 3547) بتاريخِ 15/6/1936 وثيقةٌ تَتَضَمَّنُ عَريضةً رَفعَها زُعَماءُ الطَّائِفةِ النُّصَيريَّةِ في سوريا إلى رَئيسِ الوُزَراءِ الفرَنسيِّ يلتَمِسونَ فيها عَدَمَ جَلاءِ فرَنسا عن سوريا، ويُشيدونَ باليهودِ الذين جاؤوا إلى فِلسطينَ، ويُؤَلِّبونَ فرَنسا ضِدَّ المُسلمينَ، ووقَّعَ على الوثيقةِ: سُليمانُ الأسَد، ومُحَمَّد سُليمان الأحمَد، ومَحمود أغا حَديد، وعَزيز أغا هَواش، وسَلمان المُرشِد، ومُحَمَّد بك جنيد، وفيما يلي نَصُّ الوثيقةِ:
(دَولةُ ليونِ بلوم، رَئيسِ الحُكومةِ الفرَنسيَّةِ: إنَّ الشَّعبَ العَلويَّ الذي حافظَ على استِقلالِه سَنةً فسَنةً بكثيرٍ مِنَ الغَيرةِ والتَّضحياتِ الكبيرةِ في النُّفوسِ، هو شَعبٌ يختَلفُ في مُعتَقَداتِه الدِّينيَّةِ وعاداتِه وتاريخِه عنِ الشَّعبِ المُسلمِ السُّنِّيِّ، ولم يحدُثْ في يومٍ مِنَ الأيَّامِ أن خَضَعَ لسُلطةٍ مِنَ التَّدَخُّلِ، وإنَّنا نَلمِسُ اليومَ كيف أنَّ مواطِني دِمَشقَ يُرغِمونَ اليهودَ القاطِنينَ بَينَ ظَهرانَيْهم على عَدَمِ إرسالِ المَوادِّ الغِذائيَّةِ لإخوانِهمُ اليهودِ المَنكوبينَ في فِلسطينَ، وإنَّ هؤلاء اليهودَ الطَّيِّبينَ الذين جاؤوا إلى العَرَبِ المُسلمينَ بالحَضارةِ والسَّلامِ، ونَثَروا على أرضِ فِلسطينَ الذَّهَبَ والرَّخاءَ، ولم يوقِعوا الأذى بأحَدٍ، ولم يأخُذوا شَيئًا بالقوَّةِ، ومَعَ ذلك أعلنَ المُسلمونَ (السُّنِّيُّونَ) ضِدَّهمُ الحَربَ المُقدَّسةَ بالرَّغمِ من وُجودِ إنكِلتِرا في فِلسطينَ وفرَنسا في سورية، إنَّا نُقَدِّرُ نُبلَ الشُّعورِ الذي يحمِلُكم على الدِّفاعِ عنِ الشَّعبِ السُّوريِّ ورَغبَتِه في تَحقيقِ استِقلالِه، ولكِنَّ سوريا لا تَزالُ بَعيدةً عنِ الهَدَفِ الشَّريفِ، خاضِعةً لرُوحِ الإقطاعيَّةِ الدِّينيَّةِ للمُسلمينَ (السُّنَّة)، وكَسْرِ الشَّعبِ العَلَويِّ الذي مَثَّله الموقِّعونَ على هذه المُذَكِّرةِ، نَستَصرِخُ حُكومةَ فرَنسا ضَمانًا لحُرِّيَّتِه واستِقلالِه، ويضَعُ بَينَ يدَيها مَصيرَه ومُستَقبَلَه، وهو واثِقٌ أنَّه لا بُدَّ واجِدٌ لدَيهم سَنَدًا قَويًّا لشَعبٍ عَلويٍّ صَديقٍ قدَّمَ لفرَنسا خِدماتٍ عَظيمةً) [2446] يُنظر: ((الحركات الباطنية في العالم الإسلامي)) للخطيب (ص: 335). .
وقد ساهَمَ الزَّعيمُ النُّصَيريُّ: صالحٌ العَلويُّ في إسقاطِ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ عِندَما قامَ بقَطعِ الطَّريقِ الذي يصِلُ طَرطوسَ بحَماةَ، فكانت خَسائِرُ الأتراكِ كبيرةً نَتيجةَ قَطعِ الطَّريقِ عليهم، وقامَ بعَقدِ اتِّفاقيَّةٍ مَعَ كمالِ أتاتورك عامَ 1920م، وبَعدَ ثَورةٍ مَشبوهةٍ ضِدَّ الفرَنسيِّينَ استَسلمَ صالحٌ العَلويُّ، فعَفا عنه الفرَنسيُّونَ على عَكسِ ما كانوا يفعَلونَه مَعَ المُجاهِدينَ المُسلمينَ [2447] يُنظر: ((مؤامرات الدويلات الطائفية)) لمحمد النواوي (ص: 263). .
وشيعةُ لُبنانَ اثنا عَشريَّةٍ كسَلَفِهم في الخيانةِ والبُغضِ لأهلِ السُّنَّةِ، وما شاعَ خَبَرُه في العَصرِ الحَديثِ بالحَربِ الأهليَّةِ في لُبنانَ لم يكُن إلَّا مُسلسَلًا دَمَويًّا تَضافرَ فيه النِّظامُ السُّوريُّ النُّصَيريُّ والشِّيعةُ الاثنَا عَشريَّةِ في مِليشيَّاتِ أمَلٍ وجَيشِ لُبنانَ، ويجمَعُ كُلَّ هؤلاء عَداؤُهم لأهلِ السُّنَّةِ.
وقد بَدَأتِ الحَربُ الأهليَّةُ في لُبنانَ بحادِثِ الأُتوبيسِ في عَينِ الرُّمَّانةِ في 13/4/1975م، ووجَدَ الفِلسطينيُّونَ الذي يسكُنونَ المُخَيَّماتِ أنفُسَهم طَرَفًا في هذه الحَربِ، وتَدَخَّلتِ القوَّاتُ السُّوريَّةُ النُّصَيريَّةُ بجَيشٍ قِوامُه 30 ألفَ جُنديٍّ، وخاضَت مَعارِكَ طاحِنةً تحالَف مَعَها الشِّيعةُ المُمَثِّلونَ لحَرَكةِ أمَل، وبَعضُ لواءاتِ الجَيشِ اللُّبنانيِّ، ومَعَهمُ الموارنةُ النَّصارى، وبدؤوا بحِصارِ تَلِّ الزَّعتَرِ، واتَّبَعوا سياسةَ التَّجويعِ ومَنعِ رَغيفِ الخُبزِ، ومَنعِ الأدويةِ، مَعَ القَصفِ الرَّهيبِ المُتَوالي على المُخَيَّماتِ الفِلسطينيَّةِ، ثُمَّ انطَلقوا كالوُحوشِ الكاسِرةِ داخِلَ المُخَيَّمِ يذبَحونَ الأطفالَ والشُّيوخَ، ويبقُرونَ البُطونَ، ويهتِكونَ أعراضَ الحَرائِرِ، وتَمَّ تَدميرُ مُخَيَّمِ تَلِّ الزَّعتَرِ بأكمَلِه، وكان جَيشُ سوريا النُّصَيريَّة يُغَطِّي جَرائِمَه ووُجودَه في لُبنانَ بسِتارِ فَضِّ الحَربِ الأهليَّةِ، وانهالتِ المُساعَداتُ مِنَ الأنظِمةِ العَرَبيَّةِ للجَيشِ السُّوريِّ، وتَعَهَّدَت بَعضُ الدُّولِ العَرَبيَّةِ بتَغطيةِ نَفقاتِ القوَّاتِ السُّوريَّةِ العامِلةِ في لُبنانَ [2448] يُنظر: ((الحركات الباطنية في العالم الإسلامي)) للخطيب (ص: 448)، ((الحرب الصليبية العاشرة)) للقاعود (ص: 57- 78)، ((وا محمداه.. إن شانئك هو الأبتر)) للعفاني (4/ 8- 12). .
ثُمَّ اشتَعَلتِ المَعارِكُ في مُخَيَّمِ عَينِ الحلوةِ الذي يعيشُ فيه اللَّاجِئونَ الفِلسطينيُّونَ خارِجَ صَيدَا، وكان أكبَرَ مُخَيَّمٍ في لُبنانَ، يسكُنُه حوالَي 45 ألفَ شَخصٍ نِصفُهم مِنَ اللُّبنانيِّينَ الفُقَراءِ، ويضُمُّ المُخَيَّمُ مَلاجِئَ كثيرةً تَحتَ الأرضِ يستَخدِمونَها تَفاديًا للغاراتِ الجَوِّيَّةِ الإسرائيليَّةِ، فتَمَّ قَصفُ المُخَيَّمِ قَصفًا شامِلًا حتَّى أنَّه تَمَّ قَصفُ المُستَشفى الذي التَجَأ فيه المَرضى أثناءَ القَصفِ [2449] يُنظر: ((اليهود واليهودية والصهيونية)) للمسيري (7/ 163). .
وقد أنكرَتِ القوَّاتُ النُّصَيريَّةُ مَسؤوليَّتَها عَمَّا حَدثَ في مُخَيَّمِ عَينِ الحلوة، ونسبَتِ القِتالَ إلى اشتِباكٍ بَينَ الفِدائيِّينَ.
وفي عامِ 1982م حَصَل الاجتياحُ الإسرائيليُّ للُبنانَ بحَوالي 20 ألفَ جُنديٍّ، واكتَسَحَ الجُنودُ اليهودُ جَنوبَ لُبنانَ بسُرعةٍ خاطِفةٍ، واتَّجَهوا نَحوَ بَيروتَ العاصِمةِ، وهناك استَقبلهمُ المارونيَّةُ بحَفاوةٍ بالغةٍ، وأمَدُّوهم بالعَونِ والنَّصيحةِ، وقَصَفتِ القوَّاتُ الإسرائيليَّةُ بَيروتَ الغَربيَّةَ التي فيها أهلُ السُّنَّةِ بَرًّا وبَحرًا وجَوًّا، ومُنعَ عنهمُ الماءُ والغِذاءُ والدَّواءُ، واستَمَرَّ القَصفُ الإسرائيليُّ عِدَّةَ أيَّامٍ، فهُدِمَتِ المَنازِلَ، وقُتِل كثيرٌ مِمَّن كان داخِلَها، ورُوِّع الأطفالُ والنِّساءُ، وامتَزَجَت دِماءُ المُسلمينَ اللُّبنانيِّينَ بدِماءِ المُسلمينَ الفِلَسطينيِّينَ، وبَعدَ هذا طالبَ الشِّيعةُ الرَّوافِضُ والدُّروزُ والعَلمانيُّونَ مُنَظَّمةَ التَّحريرِ الفِلسطينيَّةَ بالخُروجِ من بَيروتَ بل من لُبنانَ كُلِّها، وتَحَقَّق لليهودِ هذا المَطلَبُ الذي حَرَصوا على تَحقيقِه بالتَّعاوُنِ والتَّنسيقِ مَعَ الشِّيعةِ الرَّافِضةِ في لُبنانَ [2450] يُنظر: ((اليهود واليهودية والصهيونية)) للمسيري (7/ 164)، ((الفاضح لمذهب الشيعة الإمامية)) للإدريسي (ص: 151- 152). .
وقد وقَف النِّظامُ النُّصَيريُّ السُّوريُّ من هذا الاجتياحِ مَوقِفَ المُتَفرِّجِ، بل أعلنَ أنَّ القوَّاتِ السُّوريَّةَ لم تَدخُلْ إلى لُبنانَ إلَّا لأداءِ مُهمَّةٍ مُحَدَّدةٍ، وهي إنهاءُ الحَربِ الأهليَّةِ فقَط، ولم تَذهَبْ لتُحارِبَ إسرائيلَ من هناك [2451] يُنظر: نصٌّ لكَلِمةٍ مُسجَّلةٍ أمامَ الإعلامِ لحافِظِ الأسَدِ رئيسِ سوريا الأسبَقِ، بتاريخ (20/ 7/ 1982م). .
وكذلك أيَّدَ الشِّيعةُ الرَّوافِضُ في لُبنانَ هذا النَّصرَ لليهودِ؛ لأنَّ إسرائيلَ حَقَّقَت لهم حُلمَهم في طَردِ الفِلسطينيِّينَ من جَنوبِ لُبنانَ، وكانت إذاعاتُ العَدوِّ الصُّهيونيِّ تَنقُلُ تَصريحاتِ أعيانِهم في تَأييدِ إسرائيلَ.
وتَبَيَّنَ أنَّ إسرائيلَ خاضَت حَربًا ضَروسًا مَعَ المُسلمينَ السُّنَّةِ وحدَهم؛ فالإسرائيليُّونَ جَرَّدوا المُنَظَّماتِ السُّنِّيَّةَ مِنَ السِّلاحِ وحدَها، فحَصَرَ الإسرائيليُّونَ عَمَليَّةَ التَّجريدِ مِنَ الأسلحةِ بالفِلسطينيِّينَ أوَّلًا ثُمَّ بالسُّنِّيِّينَ مِنَ اللُّبنانيِّينَ دونَ سِواهم، أمَّا الدُّروزُ ومليشيَّاتُ حَرَكةِ أمَلٍ والمارونيُّونَ فلم يحدُثْ لهم أيُّ تَجريدٍ [2452] يُنظر: ((صحيفة الأنباء الكويتية)) الصادرة بتاريخ (30/4/1985م). .
وقد أنشَأ الشِّيعةُ في لُبنانَ حَركةَ أمَلٍ الشِّيعيَّةَ، وهي شَديدةُ النِّكايةِ بسُكَّانِ المُخَيَّماتِ الفِلسطينيَّةِ وأهالي بَيروتَ الغَربيَّةِ؛ لأنَّهم سُنِّيُّونَ، وتَتَلقَّى حَرَكةُ أمَلٍ دَعمَها الماليَّ مِنَ النِّظامِ النُّصَيريِّ في سوريا ومِنَ النِّظامِ الاثنَي عَشريٍّ في إيرانَ، وقد قامَت حَرَكةُ أمَلٍ بعِدَّةِ مَجازِرَ في أهلِ السُّنَّةِ، ومِن ذلك:
في ليلةِ الاثنَينِ 20/5/1982م اقتَحَمَت مليشيَّاتُ أمَلٍ مُخَيَّمَي صَبرَا وشاتِيلا، واعتَقَلوا جَميعَ العامِلينَ بمُستَشفى غَزَّةَ، وبَدَأ القَصفُ المركَّزُ بمَدافِعِ الهاوُنِ والأسلحةِ المُباشِرةِ، وامتَدَّ القَصفُ حتَّى شَمِل مُخَيَّمَ بُرجِ البَراجِنة، وانطَلقَت حَربُ أمَلٍ المَسعورةُ تَقتُلُ الرِّجالَ والنِّساءَ والأطفالَ، وكان جُنودُ حَرَكةِ أمَلٍ في وضعٍ مُناسِبٍ يستَطيعونَ مَعَه الكَرَّ والفَرَّ، وكانوا يُشعِلونَ الاشتِباكَ مَتى أرادوا، أمَّا المُقاتِلونَ الفِلسطينيُّونَ فكانوا يُدافِعونَ عن أنفُسِهم، ولا يملكونَ التَّراجُعَ عن مَواقِعِهم، ورَغمَ ذلك فقد عَجَزَت حَرَكةُ أمَلٍ عنِ الصُّمودِ أمامَ المُقاتِلينَ الفِلسطينيِّينَ فترةً طَويلةً، وهنا أصدرَ المُجرِمُ الشِّيعيُّ نَبيه بَرِّي أوامِرَه لقادةِ اللِّواءِ السَّادِسِ في الجَيشِ اللُّبنانيِّ لخَوضِ المَعرَكةِ، ومُشارَكةِ قوَّاتِ أمَلٍ في ذَبحِ المُسلمينَ السُّنَّةِ في لُبنانَ، ولم تَمضِ ساعاتٌ إلَّا واللِّواءُ السَّادِسُ يُشارِكُ بكامِلِ طاقاتِه في المَعرَكةِ، وكان أفرادُ اللِّواءِ السَّادِسِ كُلُّهم من طائِفةِ الشِّيعةِ، وقد خاضَ هذا اللِّواءُ قَبلَ ذلك مَعارِكَ شَرِسةً ضِدَّ المُسلمينَ السُّنَّةِ في بَيروتَ الغَربيَّةِ [2453] يُنظر: ((تاريخ سوريا الحديث)) لعبد الرحمن نموس (ص: 158). .
وجَرَت عِدَّةُ مُحاولاتٍ لوقفِ إطلاقِ النَّارِ دونَما جَدوى؛ لأنَّ زُعَماءَ حَرَكةِ أمَلٍ الشِّيعيَّةِ كانوا مُراوِغينَ، يُعطونَ الوُعودَ بوقفِ إطلاقِ النَّارِ، ولا يُصدِرونَ هذه الأوامِرَ لمليشيَّاتِ الحَرَكةِ، واستَمَرَّتِ الاشتِباكاتُ تَشتَدُّ حينًا وتَخِفُّ حينًا آخَرَ، ورَغمَ وُقوفِ اللِّواءِ السَّادِسِ مَعَ حَرَكةِ أمَلٍ في خَندَقٍ واحِدٍ لم تَستَطِعْ حَرَكةُ أمَل أن تَحسِمَ المَعرَكةَ لصالحِها، فتَدَخَّل اللِّواءُ الثَّامِنُ مِنَ الجَيشِ اللُّبنانيِّ إلى جانِبِ حَرَكةِ أمَلٍ ضِدَّ الفِلسطينيِّينَ، وطَوَّقَ جَيشُ النِّظامِ النُّصَيريُّ مُخَيَّمَ الخَليلِ الفِلَسطينيَّ في مِنطَقةِ البقاعِ، وقامَ باعتِقالِ عَدَدٍ من شَبابِ المُخَيَّمِ، واختَرَقَت أسرابٌ مِنَ الطَّائِراتِ اليهوديَّةِ أجواءَ المُخَيَّماتِ مُحدِثةً دَويًّا هائلًا؛ لتُضعِفَ مَعنَويَّاتِ المُقاتِلينَ الفِلسطينيِّينَ، وتُقَوِّيَ مَعنَويَّاتِ مُقاتِلي حَرَكةِ أمَلٍ ومَن مَعَهم مِنَ الجَيشِ اللُّبنانيِّ الذين يُحاصِرونَ المُخَيَّمَ، وواصَلتِ الطَّائِراتُ تَحليقَها بانخِفاضٍ فوقَ بَيروتَ والجَبلِ؛ كي تُصَوِّرَ عَمَليَّاتِ التَّصفيةِ التي يقومُ بها عُمَلاؤُها الخَوَنةُ في حَقِّ الفِلسطينيِّينَ، وتُدخِلَ مَزيدًا مِنَ الرُّعبَ في قُلوبِ الأطفالِ والشُّيوخِ والنِّساءِ في المُخَيَّماتِ المَنكوبةِ، وحَصَلت مَجازِرُ فظيعةٌ قامَ بها الشِّيعةُ ومَن مَعَهم في حَقِّ الفِلسطينيِّينَ اللَّاجِئينَ إرضاءً لأسيادِهمُ اليهودِ المَغضوبِ عليهم، وقد تَحَدَّثَت صُحُفُ العالَمِ عن بَشاعةِ ما ارتَكبَته حَرَكةُ أمَلٍ وأعوانُها في حَقِّ سُكَّانِ بَيروتَ الغَربيَّةِ ومُخَيَّماتِ الفِلَسطينيِّينَ، وعن تَعاوُنِ الشِّيعةِ مَعَ العَدوِّ الصِّهيونيِّ في جَنوبِ لُبنانَ [2454] يُنظر مثلًا: ((حقوق الإنسان في الوطن العربي)) مركز دراسات الوَحدة العربية - العددان 19، 23- 1986م، (ص: 167)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) بإشراف الجهني (1/ 443). .  

انظر أيضا: