موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّالثُ: أقوالُ أهلِ العِلمِ في إثباتِ أعمالِ القُلوبِ


وردَت أقوالٌ كثيرةٌ عن السَّلفِ الصَّالِحِ والعُلَماءِ مِن بَعدِهم تُبيِّنُ أهمِّيَّةَ أعمالِ القُلوبِ، ومِن ذلك:
1- قال عليٌّ رضِي اللهُ عنه: (الصَّبرُ مِن الإيمانِ بمنزِلةِ الرَّأسِ مِن الجَسدِ) [285] رواه وكيع في ((الزهد)) (199). .
2- قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه: (الصَّبرُ نِصفُ الإيمانِ، واليقينُ الإيمانُ كُلُّه) [286] رواه وكيع في ((الزهد)) (203). .
3- قال أبو الدَّرداءِ رضِي اللهُ عنه: (ذِروةُ الإيمانِ أربَعُ خِلالٍ: الصَّبرُ للحُكمِ، والرِّضا بالقَدَرِ، والإخلاصُ للتَّوكُّلِ، والاستِسلامُ للرَّبِّ) [287] رواه ابن المبارك في ((الزهد والرقائق)) (2/31). .
4- قال شدَّادُ بنُ أوسٍ رضِي اللهُ عنه: (ألا أُنبِّئُكم بأوَّلِ الإيمانِ يُرفَعُ؟ الخُشوعُ) [288] رواه أبو داود في ((الزهد)) (354). .
5- قال كَعبُ الأحبارِ: (مَن أقام الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ وسمِع وأطاع، فقد توسَّطَ الإيمانَ، ومَن أحَبَّ للهِ وأبغَض للهِ، وأعطى للهِ ومنَع للهِ؛ فقد استكمَل الإيمانَ) [289] رواه هنَّادُ بنُ السَّرِيِّ في ((الزهد)) (480). .
6- قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: (التَّوكُّلُ على اللهِ عزَّ وجلَّ جِماعُ الإيمانِ) [290] رواه أحمد بن حنبل في ((الزهد)) (103). .
7- قال الحَسنُ البَصريُّ: (الإيمانُ إيمانُ مَن خشِي اللهَ عزَّ وجلَّ بالغيبِ، ورغِب فيما رغَّب اللهُ فيه، وترَك ما يُسخِطُ اللهَ، ثُمَّ تلا الحَسنُ رحِمه اللهُ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] ) [291] رواه أحمد بن حنبل في ((الزهد)) (1544). .
8- قال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ دُخولَ أعمالِ القلبِ في الإيمانِ أَولى مِن دُخولِ أعمالِ الجوارِحِ باتِّفاقِ الطَّوائِفِ كُلِّها) [292] ((مجموع الفتاوى)) (7/506). .
وقال أيضًا: (إذا قام بالقلبِ التَّصديقُ به والمحبَّةُ له لزِم ضرورةً أن يتحرَّك البَدنُ بموجِبِ ذلك مِن الأقوالِ الظَّاهِرةِ والأعمالِ الظَّاهِرةِ؛ فما يظهَرُ على البَدنِ مِن الأقوالِ والأعمالِ هو موجِبُ ما في القلبِ ولازِمُه، ودليلُه ومعلولُه، كما أنَّ ما يقومُ بالبَدنِ مِن الأقوالِ والأعمالِ له أيضًا تأثيرٌ فيما في القلبِ، فكُلٌّ منهما يُؤثِّرُ في الآخَرِ، لكنَّ القلبَ هو الأصلُ، والبَدنُ فَرعٌ له، والفَرعُ يُستمَدُّ مِن أصلِه، والأصلُ يثبُتُ ويقوى بفَرعِه، كما في الشَّجرةِ التي يُضرَبُ بها المَثَلُ لكلمةِ الإيمانِ؛ قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25] ، وهي كلمةُ التَّوحيدِ، والشَّجرةُ كُلَّما قوِي أصلُها وعَرُق ورُوِيَ، قَوِي فَرعُها، وفُروعُها أيضًا إذا اغتذَت بالمطرِ والرِّيحِ، أثَّر ذلك في أصلِها، وكذلك الإيمانُ في القلبِ والإسلامُ علانيَةً، ولمَّا كانت الأقوالُ والأعمالُ الظَّاهِرةُ لازِمةً ومُستلزِمةً للأقوالِ والأعمالِ الباطِنةِ كان يُستدَلُّ بها عليها) [293] ((مجموع الفتاوى)) (7/541). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (الأمورُ الباطِنةُ والظَّاهِرةُ بَينَهما ارتِباطٌ ومُناسَبةٌ؛ فإنَّ ما يقومُ بالقلبِ مِن الشُّعورِ والحالِ يوجِبُ أمورًا ظاهِرةً، وما يقومُ بالظَّاهِرِ مِن سائِرِ الأعمالِ يوجِبُ للقلبِ شُعورًا وأحوالًا) [294] ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/92). .
9- قال ابنُ القيِّمِ: (مَن تأمَّل الشَّريعةَ في مصادِرِها وموارِدِها علِم ارتِباطَ أعمالِ الجوارِحِ بأعمالِ القُلوبِ، وأنَّها لا تنفَعُ بدونِها، وأنَّ أعمالَ القُلوبِ أفرَضُ على العبدِ مِن أعمالِ الجوارِحِ، وهل يُميَّزُ المُؤمِنُ مِن المُنافِقِ إلَّا بما في قلبِ كُلِّ واحِدٍ منهما مِن الأعمالِ التي ميَّزَت بَينَهما؟ وهل يُمكِنُ لأحدٍ الدُّخولُ في الإسلامِ إلَّا بعملِ قلبِه قَبلَ جوارِحِه؟ وعُبوديَّةُ القلبِ أعظَمُ مِن عُبوديَّةِ الجوارِحِ، وأكثَرُ وأدوَمُ، فهي واجِبةٌ في كُلِّ وَقتٍ؛ ولهذا كان الإيمانُ واجِبَ القلبِ على الدَّوامِ، والإسلامُ واجِبَ الجوارِحِ في بعضِ الأحيانِ؛ فمرَكَبُ الإيمانِ القلبُ، ومَركَبُ الإسلامِ الجوارِحُ) [295] ((بدائع الفوائد)) (3/1148). .
وقال ابنُ القيِّمِ أيضًا: (عَملُ القلبِ؛ كالمحبَّةِ له، والتَّوكُّلِ عليه، والإنابةِ إليه، والخوفِ منه، والرَّجاءِ له، وإخلاصِ الدِّينِ له، والصَّبرِ على أوامِرِه وعن نواهيه وعلى أقدارِه، والرِّضا به وعنه، والمُوالاةِ فيه، والمُعاداةِ فيه، والذُّلِّ له، والخُضوعِ والإخباتِ إليه، والطُّمأنينةِ به، وغَيرِ ذلك مِن أعمالِ القُلوبِ التي فَرْضُها أفرَضُ مِن أعمالِ الجوارِحِ، ومُستحَبُّها أحَبُّ إلى اللهِ مِن مُستحَبِّها، وعَملُ الجوارِحِ بدونِها إمَّا عديمُ المنفعةِ أو قليلُ المنفعةِ) [296] ((مدارج السالكين)) (1/121). .
وقال أيضًا: (كُلُّ إسلامٍ ظاهِرٍ لا ينفُذُ صاحِبُه منه إلى حقيقةِ الإيمانِ الباطِنةِ فليس بنافِعٍ حتَّى يكونَ معَه شيءٌ مِن الإيمانِ الباطِنِ، وكُلُّ حقيقةٍ باطِنةٍ لا يقومُ صاحِبُها بشرائِعِ الإسلامِ الظَّاهِرةِ لا تنفَعُ ولو كانت ما كانت، فلو تمزَّق القلبُ بالمحبَّةِ والخوفِ، ولم يتعبَّدْ بالأمرِ وظاهِرِ الشَّرعِ؛ لم يُنجِه ذلك مِن النَّارِ، كما أنَّه لو قام بظواهِرِ الإسلامِ وليس في باطِنِه حقيقةُ الإيمانِ لم يُنجِه مِن النَّارِ) [297] ((الفوائد)) (ص: 142). .

انظر أيضا: