الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكْمُ جَمْعيَّةِ المُوَظَّفينَ


يَجوزُ الاشْتِراكُ فيما يُسمَّى بجَمْعيَّةِ المُوَظَّفينَ، نَصَّ على ذلك بعضُ الشَّافِعِيَّةِ [386] قال القَلْيُوبيُّ: (الجَمْعةُ المَشْهورةُ بَيْنَ النِّساءِ بأن تَأخُذَ امْرَأةٌ مِن كلِّ واحِدةٍ مِن جَماعةٍ مِنهنَّ قَدْرًا مُعيَّنًا في كلِّ جُمُعةٍ أو شَهْرٍ، وتَدفَعَه لواحِدةٍ بَعْدَ واحِدةٍ، إلى آخِرِهنَّ- جائِزةٌ، كما قالَه الوَلِيُّ العِراقيُّ). ((حاشيتا قَلْيوبي وعميرة)) (2/321). ، وقَرارُ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ بالسُّعوديَّةِ [387] جاءَ في قَرارِ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ التَّالي: (نَظَرَ مَجلِسُ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ في دَوْرتِه الرَّابِعةِ والثَّلاثينَ المُنْعقِدةِ في مَدينةِ الطَّائِفِ ابْتِداءً مِن 16/2 /1410هـ إلى 26/2 /1410هـ في الاسْتِفْتاءاتِ المُقدَّمةِ مِن بعضِ المُوَظَّفينَ مُدَرِّسينَ وغَيْرَهم إلى سَماحةِ الرَّئيسِ العامِّ لإداراتِ البُحوثِ العِلميَّةِ والإفْتاءِ والدَّعْوةِ والإرْشادِ، والمُحالةِ مِن سَماحتِه إلى المَجلِسِ عن حُكْمِ ما يُسمَّى بجَمْعيَّاتِ المُوَظَّفينَ، وصورتُها: «أن يَتَّفِقَ عَدَدٌ مِن المُوَظَّفينَ يَعمَلونَ في الغالِبِ في جِهةٍ واحِدةٍ مَدْرسةٍ أو دائِرةٍ أو غَيْرِهما، على أن يَدفَعَ كلُّ واحِدٍ مِنهم مَبلَغًا مِن المالِ مُساوِيًا في العَدَدِ لِما يَدفَعُه الآخَرونَ، وذلك عنْدَ نِهايةِ كلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يُدفَعُ المَبلَغُ كلُّه لواحِدٍ مِنهم، وفي الشَّهْرِ الثَّاني يُدفَعُ لآخَرَ، وهكذا حتَّى يَتَسلَّمَ كلُّ واحِدٍ مِنهم مِثلَ ما تَسلَّمَه مَن قَبْلَه سواءً بسواءٍ دونَ زِيادةٍ أو نَقْصٍ». كما اطَّلَعَ على البَحْثِ الَّذي أعَدَّه فَضيلةُ الشَّيْخِ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيمانَ المنيع في حُكْمِ القَرْضِ الَّذي يَجُرُّ نَفْعًا. ثُمَّ جَرَتْ مُداوَلاتٌ ومُناقَشاتٌ لم يَظهَرْ للمَجلِسِ بَعْدَها بالأكْثَريَّةِ ما يَمنَعُ هذا النَّوْعَ مِن التَّعامُلِ؛ لأنَّ المَنْفَعةَ الَّتي تَحصُلُ للمُقرِضِ لا تَنقُصُ المُقتَرِضَ شَيئًا مِن مالِه، وإنَّما يَحصُلُ المُقتَرِضُ على مَنْفَعةٍ مُساوِيةٍ لها، ولأنَّ فيه مَصْلحةً لهم جَميعًا مِن غَيْرِ ضَرَرٍ على واحِدٍ مِنهم أو زِيادةِ نَفْعٍ لآخَرَ. والشَّرْعُ المُطَهَّرُ لا يَرِدُ بتَحْريمِ المَصالِحِ الَّتي لا مَضرَّةَ فيها على أحَدٍ، بلْ وَرَدَ بمَشْروعِيَّتِها). ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/349). ، وابنُ بازٍ [388] قالَ ابنُ بازٍ: (ليس في ذلك بأسٌ، وهو قَرْضٌ ليس فيه اشْتِراطُ نَفْعٍ زائِدٍ لأحَدٍ، وقد نَظَرَ في ذلك مَجلِسُ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ فقَرَّرَ بالأكْثَريَّةِ جَوازَ ذلك؛ لِما فيه مِن المَصْلحةِ للجَميعِ بدونِ مَضرَّةٍ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/308). ، وابنُ عُثَيْمينَ [389] وَرَدَ على ابنِ عُثَيْمينَ السُّؤالُ التَّالي: نحن مَجْموعةٌ مِن المُعَلِّمينَ في مَدْرسةٍ واحِدةٍ اتَّفَقْنا على عَمَلِ جَمْعيَّةٍ تَعاوُنيَّةٍ مِن خَمْسةِ آلافِ رِيالٍ، واتَّفَقْنا على تَرْتيبٍ مُعيَّنٍ بتَواريخَ مُعَيَّنةٍ، ومَكْتوبٌ لكلِّ واحِدٍ مِنَّا متى سيَستَلِمُ هذا المَبلَغَ، معَ العِلمِ أنَّ كلَّ فَرْدٍ مِنَّا سيَأخُذُ ما دَفَعَه لزُمَلائِه عنْدَ حُلولِ دَوْرِه في الاسْتِلامِ دونَ زِيادةٍ أو نُقْصانٍ، فأجابَ: (أرى أنَّ هذه الطَّريقةَ طَريقةٌ سَليمةٌ، أعني: أن يَجْتَمِعوا على أن يَجْعَلوا لكلِّ واحِدٍ خَمْسةَ آلافِ رِيالٍ، أو ألْفَ رِيالٍ، أو أقَلَّ أو أَكثَرَ، يَدورُ عليهم؛ لأنَّ في ذلك تَعاوُنًا وتَكاتُفًا، رُبَّما يَحْتاجُ أحَدُ المُدَرِّسينَ أو أحَدُ المُوَظَّفينَ في هذا الشَّهْرِ إلى عِشْرينَ ألْفَ رِيالٍ مَثَلًا ولا يَسْتَطيعُها، فيكونُ عليه الدَّوْرُ فيَأخُذُها بالقَرْضِ، وليس هذا مِن بابِ القَرْضِ الَّذي جَرَّ نَفْعًا كما تَوَهَّمَه بعضُ الناسِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِن المُقْرِضينَ لم يأتِه أَكثَرُ ممَّا أَقرَضَ، أَقرَضَ ألْفًا فرُدَّ إليه ألْفٌ. وأمَّا كَوْنُ كلِّ واحِدٍ قد عَلِمَ أنَّه سوف يَستَقْرِضُ إذا أَقرَضَ، فهذا لا بأسَ به، وهذا مِن العَدْلِ أن يكونَ كلُّ واحِدٍ مِنَّا إذا أَقرَضَ اليَوْمَ اسْتَقْرَضَ هو غَدًا). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين)). وسُئِلَ عن حُكْمِ الجَمْعيَّةِ الَّتي تُعمَلُ بَيْنَ المُوَظَّفينَ، فأجابَ قائِلًا: (هذه العَمَليَّةُ مِن أَفضَلِ المَعْروفِ، وفيها إحْسانٌ ودَفْعُ حاجةٍ، فإنَّ الإنْسانَ قد يَحْتاجُ إلى مالٍ أَكثَرَ في أحَدِ الشُّهورِ، فإذا دارَ عليه الدَّوْرُ أخَذَ مِن إخْوانِه هذا القَرْضَ، فمَثَلًا إذا كانوا عَشَرةً وأخَذَ الأوَّلُ مِنهم تِسْعةً مِن إخْوانِه قَرْضًا بالإضافةِ إلى الألْفِ الَّذي له صارَ عَشَرةَ آلافٍ، وهذه قد تَسُدُّ حاجتَه في وَقْتٍ مِن الأوْقاتِ، والثَّاني والثَّالِثُ والرَّابِعُ إلى آخِرِه كذلك. وليس هذا مِن بابِ القَرْضِ الَّذي جَرَّ نَفْعًا؛ لأنَّ النَّفْعَ هنا لا يَخْتَصُّ به المُقرِضُ فهو للجَميعِ، هذه مِن جِهةٍ، ومِن جِهةٍ أخرى: أنَّه لم يَجُرَّ إليه نَفْعًا فهو أَقرَضَ ألْفًا وأخَذَ ألْفًا، فلم يُعْطَ أَكثَرَ ممَّا أَقرَضَ، فهي عَمَليَّةٌ حَسَنةٌ، فيها إحْسانٌ ومَعونةٌ لإخْوانِه ودَفْعٌ لحاجاتِهم). ((فتاوى سؤال على الهاتف)) لابن عثيمين (2/212). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ المَنْفَعةَ الَّتي تَحصُلُ للمُقرِضِ لا تَنقُصُ المُقتَرِضَ شَيئًا مِن مالِه، وإنَّما يَحصُلُ المُقتَرِضُ على مَنْفَعةٍ مُساوِيةٍ لها [390] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/350). .
ثانِيًا: لأنَّ فيه مَصْلحةً لهم جَميعًا مِن غَيْرِ ضَرَرٍ على واحِدٍ مِنهم أو زِيادةِ نَفْعٍ لآخَرَ. والشَّرْعُ المُطَهَّرُ لا يَرِدُ بتَحْريمِ المَصالِحِ الَّتي لا مَضَرَّةَ فيها على أحَدٍ، بل وَرَدَ بمَشْروعِيَّتِها [391] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/350). .
ثالِثًا: لأنَّه وإن كانَ قَرْضًا فليس فيه اشْتِراطُ نَفْعٍ زائِدٍ لأحَدٍ [392] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/308). .

انظر أيضا: