الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكمُ بَيعِ العِينةِ


 يَحرُمُ بَيعُ العِينةِ وقد ذكَرَ لها العلماءُ صورًا؛ منها: 1- أنْ يَبيعَ السِّلعةَ بثَمنٍ مؤجَّلٍ، ثمَّ يَشتريَها ممَّن باعَها عليه نقدًا بثَمنٍ أقلَّ منَ الثَّمنِ الذي باعَها به قبْلَ حُلولِ الأجَلِ. وهذه هي الصُّورةُ المشهورةُ التي نصَّ الجمهورُ على تَحريمِها. 2- أنْ يَبيعَه بثَمنٍ مؤجَّلٍ، ثمَّ يَشتريَها منه بأكثَرَ مِن ذلك الثَّمنِ إلى أجَلٍ أبعَدَ منَ الأجَلِ الأوَّلِ. 3- أنْ يُدخِلَ المُتبايِعانِ بيْنهما ثالثًا؛ فيَبيعَ المقرِضُ ثوبَه -مثلًا- منَ المُستقرِضِ باثْنيْ عَشَرَ درهمًا، ويُسلِّمَه إليه، ثمَّ يَبيعَه المُستقرِضُ منَ الثالثِ بعَشَرةٍ، ويُسلِّمَه إليه، ثمَّ يَبيعَه الثَّالثُ من صاحِبِه -وهو المقرِضُ- بعَشرةٍ ويُسلِّمَه إليه، ويَأخُذَ منه العَشَرةَ ويَدفَعَها للمُستقرِضِ، فيَحصُلَ للمُستقرِضِ عَشرةٌ، ولصاحِبِ الثَّوبِ اثْنا عشَرَ دِرهمًا. 4- أنْ يَبيعَ سِلعةً بنَقدٍ، ثمَّ يَشتريَها بأكثَرَ منه نَسيئةً. يُنظَر: ((حاشية ابن عابدين)) (5/273)، ((الكافي)) لابن عبد البر (2/671)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/49)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/441). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ وهذا فيما إذا لم يُشترَطِ البيعُ الثَّاني في العقدِ، أمَّا إذا كان البيعُ الثاني مَشروطًا في العقدِ، فقدِ اتَّفقَ الفقهاءُ على تحريمِه. يُنظَر: ((المحلَّى)) لابن حزم (7/548)، ((المجموع شرح المهذب)) تكملة السُّبكي (10/157). كما أنَّه يَجوزُ أنْ يَبيعَ غيْرَه شيئًا بثَمنٍ مؤجَّلٍ، ويُسلِّمَه إليه، ثمَّ يَشتريَه منه بمِثلِ الثَّمنِ أو أكثَرَ. يُنظَر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/199)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/293)، (((المغني)) لابن قُدامة (4/132). : الحَنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (4/53)، ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (6/90). ، والمالِكيَّةِ ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/388)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/293). ، والحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (3/387)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/242). ، وهو قَولُ جماعةٍ منَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ قال برهان الدين ابن مُفلِح: (وهو قولُ جماعةٍ منَ الصَّحابةِ ومَن بعدَهم) ((المبدع)) (3/387).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: منَ السُّنَّةِ
 عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((إذا -يَعْني ضنَّ النَّاسُ بالدِّينارِ والدِّرهمِ- تَبايَعوا بالعَينِ، واتَّبَعوا أذْنابَ البَقرِ، وتَرَكوا الجهادَ في سَبيلِ اللهِ؛ أنزَلَ اللهُ بهم بَلاءً، فلم يَرفَعْه عنهم حتَّى يُراجِعوا دينَهم )) أخرَجَه من طرُقٍ أبو داودَ (3462) بنحوِه، وأحمدُ (4825) واللَّفظُ له. صحَّحَ إسنادَه الطَّبريُّ في ((مسند عمر)) (1/108)، وصحَّحَ إسنادَه ابنُ تيميَّةَ في ((بيان الدليل)) (109)، وابنُ القيِّم في ((إعلام الموقعين)) (3/143)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/27)، وحسَّنَ الحديثَ لغيرِه ابنُ بازٍ في ((حاشية بلوغ المرام)) (504)، وصحَّحَه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462)، وفي ((صحيح الجامع)) (675)، وحسَّنَه بمجموع طرُقه الوادِعيُّ في ((صحيح دلائل النبوة)) (559).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((أنزَلَ اللهُ بهم بَلاءً، فلم يَرفَعْه عنهم حتَّى يُراجِعوا دينَهم ))، فيه دَلالةٌ على تَحْريمِ العِينةِ؛ لِمَا فيه منَ التَّوعُّدِ بالذُّلِّ؛ لأنَّ طلَبَ أسْبابِ العزَّةِ الدِّينيَّةِ، وتجنُّبَ أسْبابِ الذِّلَّةِ المُنافيةِ للدِّينِ؛ واجِبانِ على كلِّ مُؤمنٍ، وقدْ توعَّدَ على ذلك بإنْزالِ البلاءِ، وهو لا يكونُ إلَّا لذَنبٍ شَديدٍ، وجعَلَ الفاعلَ لذلك بمَنزلةِ الخارِجِ منَ الدِّينِ يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/246).
ثانيًا: منَ الآثارِ
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: (في رَجلٍ باعَ حَريرةً بنَسيئةٍ، ثمَّ اشْتَراها بدونِ ما باعَها بنَقدٍ، قال: تلك دَراهمُ بدراهمَ بيْنَهما حَريرةٌ) أخرَجَه ابنُ أبي شَيْبةَ في ((المصنَّف)) (20157)، وابنُ المنذر في ((الأوسط)) (8165) واللَّفظُ له، وابنُ حزمٍ في ((المحلَّى)) (9/ 106). ذكَرَ ثبوتَه ابنُ القيِّمِ في ((تهذيب سنن أبي داود)) (2/142)، وابنُ عُثيمين في ((مجموع الفتاوى)) (181/28).
ثالثًا: لأنَّه ذَريعةٌ إلى الرِّبا؛ ليَستَبيحَ بَيعَ ألفٍ بخَمسِ مائةٍ إلى أجَلٍ، والذَّرائعُ مُعتَبَرةٌ في الشَّرعِ؛ بدَليلِ مَنعِ القاتِلِ منَ الإرْثِ يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلح (3/387).
رابعًا: لأنَّه تعالَى عتَبَ على بَني إسْرائيلَ التَّحيُّلَ في ارْتكابِ ما نُهوا عنه يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلح (3/387).
خامسًا: أنَّ اللهَ تعالَى حرَّمَ الرِّبا، والعِينةُ وَسيلةٌ إلى الرِّبا، والوَسيلةُ إلى الحرامِ حَرامٌ يُنظر: ((عون المعبود وحاشية ابن القيِّم)) (9/ 241).

انظر أيضا: