الموسوعة الفقهية

الفصل الأوَّل: مواقيتُ الحَجِّ الزَّمانيَّة


المبحث الأوَّل: أشْهُرُ الحَجِّ
اختلف أَهْلُ العِلْمِ في تحديدِ أشْهُرِ الحَجِّ على أقوالٍ، أشهَرُها قولانِ:
القول الأوّل: أنَّ أشْهُرَ الحَجِّ هي: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ من ذي الحِجَّةِ، وهذا مَذْهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/55) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني(1/159). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/305)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/275). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَف منهم: ابن مسعود وابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهم عطاء في إحدى الروايتين عنه، ومجاهد، والحسن، والشعبي، والنخعي، وقتادة، والثوري. ((تفسير الطبري)) (4/115)، ((المحلى)) لابن حَزْم (7/69 رقم 821)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/275). ، واختارَه الطَّبريُّ قال الطبريُّ: (الصَّوابُ من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: إنَّ معنى ذلك: الحَجُّ شَهْرانِ وعَشْرٌ من الثَّالِثِ; لأنَّ ذلك من الله خَبَرٌ عن ميقاتِ الحَجِّ، ولا عَمَلَ للحَجِّ يُعمَل بعد انقضاءِ أيَّامِ مِنًى، فمعلومٌ أنَّه لم يُعْنَ بذلك جميعُ الشَّهْر الثَّالِث، وإذا لم يكن مَعْنِيًّا به جميعُه، صحَّ قولُ من قال: وعَشْرُ ذي الحِجَّة). ((تفسير الطبري)) (4/120). ، وابنُ تيميَّة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/101). ، وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/48). ، وبه أفتت اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الأولى)) (11/164).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب:
قولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... البقرة: 197.
وجْهُ الدَّلالَة:
أنَّ ذلك من اللهِ خَبَرٌ عن ميقاتِ الحَجِّ، ولا عَمَلَ للحَجِّ يُعمَل بعد انقضاءِ أيَّامِ مِنًى، ومعلومٌ أنَّه لم يُعْنَ بذلك جميعُ الشَّهْرِ الثَّالِث، وإذا لم يكُنْ مَعْنِيًّا به جميعُه، صحَّ القَوْلُ بأنَّه عَشْرُ ذي الحِجَّةِ ((تفسير الطبري)) (4/120).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((أشْهُرُ الحَجِّ: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ مِن ذي الحِجَّةِ )) رواه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1560) وأخرجه موصولًا الطبريُّ في ((تفسيره)) (3533)، والدارقطني (2/226)، وصَحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((تفسيره)) (1/342) وأخرجه موصولًا من طريق آخر البيهقي (8972) صَحَّحه النووي في ((المجموع)) (4/146)، وابنُ حجر في ((فتح الباري)) (3/491).
ثالثًا: لأنَّ يومَ النَّحْرِ فيه رُكْنُ الحَجِّ، وهو طوافُ الزِّيارَةِ، وفيه رَمْيُ جَمرةِ العَقَبةِ، والحَلْقُ والنَّحْرُ، والسَّعْيُ والرُّجوعُ إلى مِنًى، وما بَعْدَه ليس من أَشْهُرِه؛ لأنَّه ليس بوقتٍ لإِحْرامِه ولا لأركانِه ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/224).
القول الثاني: أنَّ أشهُرَ الحَجِّ: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وشَهْرُ ذي الحِجَّةِ إلى آخِرِه، وهذا مذهَبُ المالِكِيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/357) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/22). ، ونُقِلَ عن الشَّافعيِّ في القديمِ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/420) ، وبه قالت طائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ منهم: ابنُ عُمَرَ وابنُ عباس رَضِيَ اللهُ عنهم وعطاءٌ في الرِّواية الأخرى عنه، وطاوس، وعُرْوة بن الزبير، والربيع بن أنس. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/69 رقم 821)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/264). ، واختارَه ابنُ حزمٍ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/69 رقم 821). ، والوزيرُ ابنُ هُبَيرةَ ((الإنصاف)) للمرداوي (3/305) ، والشَّوْكانيُّ قال الشَّوْكاني: (الحقُّ ما ذهب إليه الأوَّلون إن كانت الأشهُرُ المذكورةُ في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ **البقرة: 197** مختصَّةً بالثلاثة المذكورةِ بنَصٍّ أو إجماعٍ؛ فإن لم يكن كذلك، فالأشهُرُ جَمْعُ شَهْرٍ، وهو من جموعِ القِلَّة يتردَّدُ ما بين الثلاثة إلى العَشْرة، والثلاثة هي المتيَقَّنة، فيجب الوقوفُ عندها). ((تفسير فتح القدير)) (1/408، 409). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الصوابُ ما ذهب إليه الإمامُ مالكٌ رحمه الله: من أنَّ أشهُرَ الحَجِّ ثلاثةٌ، كما هو ظاهِرُ القرآنِ: شوَّال، وذو القَعدَة، وذو الحِجَّة). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/380)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/55، 56).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيَةَ عَبَّرَت بالجمْعِ (أشْهُر)، وأقَلُّ الجمعِ ثلاثٌ، فلا بدَّ من دخولِ ذي الحِجَّةِ بكمالِه ((المحلى)) لابن حَزْم (7/69 رقم 821)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد(1/325).
ثانيًا: أنَّ من أيَّامِ الحَجِّ اليومَ الحادِيَ عَشَرَ، واليومَ الثَّانيَ عَشَرَ، واليومَ الثَّالِثَ عَشَرَ، يُفْعَلُ فيها من أعمالِ الحَجِّ: الرَّمْيُ، والْمَبِيتُ، فكيف نُخْرِجُها من أشهُرِ الحَجِّ، وهي أوقاتٌ لأعمالِ الحَجِّ؟! ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/55، 56).
ثالثًا: أنَّ طَوافَ الإفاضَةِ مِن فرائِضِ الحَجِّ، ويجوز أن يكونَ في ذي الحِجَّةِ كُلِّه بلا خلافٍ منهم; فصَحَّ أنَّها ثلاثةُ أشْهُرٍ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/69)، وذكر أنَّه صح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
رابعًا: لأنَّ كُلَّ شهرٍ كان أوَّلُه من أشهُرِ الحَجِّ كان آخِرُه كذلك ((تفسير الخازن)) (1/ 128).
المبحث الثَّاني: الإحرامُ قَبْلَ أشهُرِ الحَجِّ
اختلف أَهْلُ العِلْمِ في حُكْمِ الإحرامِ بالحَجِّ قَبْلَ أشهُرِه على أقوالٍ؛ منها:
القولُ الأوَّلُ: يصِحُّ الإحرامُ بالحَجِّ وينعَقِدُ قبل أشْهُرِ الحَجِّ، لكِنْ مع الكراهَةِ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/343)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/531). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/24)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/204). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/305)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/405).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قال اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ معنى الآيةِ: الحَجُّ (حَجُّ) أشهُرٍ معلوماتٍ، فعلى هذا التقديرِ يكونُ الإحرامُ بالحَجِّ فيها أكمَلُ من الإحرامِ به فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحًا ((تفسير ابن كثير)) (1/540).
2- قَوْلُه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقر: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه متى أحرَمَ انعقَدَ إحرامُه؛ لأنَّه مأمورٌ بالإتمامِ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/325).
3- قَوْلُه تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الألِفَ واللَّامَ في الْأَهِلَّةِ للعمومِ، فيقتضي أنَّ سائِرَ الأهِلَّةِ ميقاتٌ للحَجِّ ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/25).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((مِنَ السُّنَّةِ ألَّا يُحْرِمَ بالحَجِّ إلَّا في أشهُرِ الحَجِّ)) رواه البخاري مُعلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (1560)، ووصله ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (14837)، وابن خزيمة (2596)، والدارقطني (2/233)، والطبراني (11/388) (12112)، صَحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (7/145)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/308)، وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (3/60): له طريق أخرى، وذكر الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/29) أنه ذكر موصولًا.
ثالثًا: أنَّ التَّوقيتَ ضربانِ: توقيت مكانٍ وزمانٍ، وقد ثبت أنَّه لو تقدَّمَ إحرامُه على ميقاتِ المكانِ صَحَّ، فكذا لو تقَدَّمَ على ميقاتِ الزَّمانِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/204)، ((المجموع)) للنووي (7/144).
رابعًا: أنَّ الإحرامَ بالحَجِّ يصِحُّ في زمانٍ لا يُمكِنُ إيقاعُ الأفعالِ فيه، وهو شوَّال، فعُلِمَ أنَّه لا يختصُّ بزمانٍ ((المجموع)) للنووي (7/144).
القول الثاني: أنَّه لا ينعقِدُ إحرامُه بالحَجِّ قَبْل أشْهُرِه، وينعقِدُ عُمْرَةً، وهذا مذهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/144)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/28). ، وقولٌ للمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/25). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (3/305). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف من هؤلاء: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والأوزاعي وأبو ثور. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/66)، ((المجموع)) للنووي (7/144). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الصحيحُ أنَّه لا يجوز أن يُحْرِمَ قبل الميقات الزَّماني، وأنَّه لو أحرم بالحَجِّ قبل دُخولِ شَهْرِ شوَّال صار الإحرامُ عُمْرَةً لا حَجًّا؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ **البقرة: 197**، وهذا أحرَمَ قبل دخولِ أشهُرِ الحَجِّ، فيكون إحرامُه عُمْرَةً، كما لو صلَّى الظُّهْرَ قبل الزَّوالِ، فينعَقِدُ نَفْلًا). ((الشرح الممتع)) (7/57).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ أنَّ ميقاتَ الحَجِّ في أشْهُرِه، فيجب انحصارُ الحَجِّ فيه، فلا يصِحُّ قَبلَه، ولو كان يجوز الإحرامُ للحَجِّ في سائِرِ شُهورِ السَّنَةِ لم يكن للآيَةِ فائِدَةٌ ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/25).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن أبي الزُّبَيرِ قال: ((سُئِلَ جابرٌ: أُهِلُّ بالحَجِّ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ؟ قال: لا)) رواه ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (14838)، والدارقطنيُّ (2/234)، والبيهقي (8979). صَحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (7/145)..
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((لا يُحْرِمُ بالحَجِّ إلَّا في أشْهُرِه؛ فإنَّ مِن سُنَّةِ الحَجِّ أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في أشهُرِ الحَجِّ)) رواه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1560)، ووصَلَه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/777)، وابن خزيمة (4/162) (2596)، والدارقطني في ((السنن)) (2/233)، والطبراني (11/388) (12112)، والحاكم (1/616)، والبيهقي (4/343) (8980). قال الحاكم: (صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يُخْرِجاه)، وصَحَّحَ إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (7/145)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/308).
ثالثًا: أنَّ الإحرامَ نُسُكٌ من مناسِكِ الحَجِّ، فكان مُؤقَّتًا، كالوقوفِ بعَرَفةَ والطَّوافِ ((المجموع)) للنووي (7/140).
رابعًا: أنَّه ميقاتٌ للعبادَةِ فلا يصِحُّ قَبْلَه، كما لا تَصِحُّ الصَّلاةُ قبل ميقاتِها ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/325)، ((المجموع)) للنووي (7/145).
خامسًا: أنَّ من التزَمَ عبادةً في وقتِ نَظيرَتِها انقلَبَتْ إلى النَّظيرِ؛ مثل أن يصومَ نَذْرًا في أيَّامِ رمضانَ، أو يُصَلِّيَ الفَرْضَ قبل وقْتِه، فإنَّه ينقلِبُ تطوُّعًا ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/325).
المبحث الثَّالِث: الميقاتُ الزَّمانيُّ للإحرامِ بالعُمْرَةِ
العُمْرَةُ جائزةٌ في كلِّ وقتٍ من أوقاتِ السَّنَةِ, وفي كلِّ يومٍ من أيَّامِها, وكلِّ ليلةٍ مِن لياليها، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/147)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 471). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 322)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/520). ، والظَّاهِريَّة ((المحلى)) لابن حزم (7/ 65). ، وبه قال بَعْضُ السَّلَفِ منهم عمر بن الخطاب، علي، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو سليمان، وطاوس. ((مصنف ابن أبي شيبة)) (3/485)، ((المحلى)) (7/68). ، واختاره الشَّوْكانيُّ ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 201).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: ((العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كفَّارةٌ لِما بينهما والحَجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ )) البخاري (1773)، ومسلم (1349).
وجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم حضَّ على العُمْرَةِ، ولم يَحُدَّ لها وقتًا دون وقتٍ؛ لذا فهي مستحبَّةٌ في كلِّ وقتٍ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/ 68).
ثانيًا: لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الكراهَةِ، لاسيما مع عدمِ الدَّليلِ ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 322).
المبحثُ الرَّابِعُ: أفضَلُ أوقاتِ العُمْرَةِ
المَطْلَبُ الأوَّلُ: العُمْرَةُ في رمضانَ
العُمْرَة في شَهْرِ رمضانَ مُستحَبَّةٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 62)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 473). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 39). والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/ 148). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/320)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 43).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم لامرأةٍ من الأنصارِ: ((ما منعَكِ أن تَحُجِّينَ معنا؟، قالت: كان لنا ناضِحٌ، فرَكِبَه أبو فلانٍ وابنُه، لزَوْجِها وابنِها، وتَرَك ناضحًا ننْضِحُ عليه، قال: فإذا كان رمضانُ اعتَمِري فيه؛ فإنَّ عُمْرَةً في رمضانَ حجَّةٌ)) وفي رواية: ((فإن عمرة فيه تعدل حجة)) البخاري (1782)، ومسلم (1256).
ثانيًا: أنَّه يجتمِعُ في عُمْرَة رمضانَ: أفضَلُ الزَّمانِ، وأفضَلُ البقاعِ ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/ 96).
المَطْلَب الثَّاني: العُمْرَةُ في أشْهُرِ الحَجِّ
تُستحَبُّ العُمْرَةُ في أشْهُرِ الحَجِّ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/ 148)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 258). وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ بل فضَّلَ بعضُهم عُمْرَة ذي القَعْدة وشوَّال على عُمْرَةِ رمضانَ. انظر: ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص: 259).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ جميعَ عُمَرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم كانت في ذي القَعْدَةِ، وما كان اللهُ لِيختارَ لِنَبِيِّه إلَّا الأكمَلَ، وأفضَلَ الأوقاتِ ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/91).
ثانيًا: أنَّ العُمْرَةَ في أشهُرِ الحَجِّ نظيرُ وقوعِ الحَجِّ في أشهُرِه، وهذه الأشهُرُ قد خصَّها اللهُ تعالى بهذه العبادَةِ، وجعَلَها وقتًا لها، والعُمْرَةُ حجٌّ أصغَرُ، فأَوْلى الأزمِنَةِ بها أشهُرُ الحَجِّ، وذو القَعْدَة أوسَطُها ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/90).

انظر أيضا: