موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ في علم الصرف


لقد حازَ عِلمُ الصَّرفِ بين عُلومِ العَرَبيَّةِ مَكانةً شَريفةً؛ فهو عِلمٌ جَليلٌ شَأنُه، عَظيمٌ قَدْرُه، لا غَناءَ عنه لأهلِ العَرَبيَّةِ جَميعًا، فهو ميزانُ لُغةِ العَرَبِ، وإذا كانَ الجُزءُ الأكبَرُ مِنَ اللُّغةِ يُؤخَذُ بطَريقِ القياسِ، فإنَّ أساسَ القياسِ ومادَّتَه عِلمُ الصَّرفِ؛ فهو قياسُ العَرَبيَّةِ الَّذي تَنخَرِطُ فيه جُلُّ ألفاظِها، ومَن ليسَ له دِرايةٌ به فقد فوَّتَ عَلى نَفسِه القَدْرَ الأعظَمَ مِن عُلومِ العَرَبيَّةِ.
وقَديمًا كانَ العُلَماءُ يَتَناوَلونَ عِلمَ الصَّرفِ داخِلًا في عِلمِ النَّحوِ، ولا يُفرِّقونَ بينهما، فعِندَ المُتَقدِّمينَ أنَّ عِلمَ الصَّرفِ قِسمٌ مِن عِلمِ النَّحوِ، عَلى أنَّنا نُسارِعُ فنَقولُ: إنَّ عِلمَ الصَّرفِ بما يَتَناوَلُه مِن دِراسةٍ للكَلِمةِ الثَّابِتةِ غَيرِ المُنسَبِكةِ في جُملةٍ، ليسَ قِسمًا مِن عِلمِ النَّحوِ الَّذي يَتَناوَلُ الكَلِمةَ في أحوالِها المُتَنَقِّلةِ، إنَّما هو صِنْوٌ له، لكِنَّ تَأخُّرَه عَن عِلمِ النَّحوِ -وحَقيقٌ به أن يَتَقَدَّمَ عليه- إنَّما جاءَ لدِقَّةِ مَسائِلِه، وحاجةِ المُتَعَلِّمِ فيه للتَّدريبِ، فلا يَتَجاسَرُ عليه إلَّا مَن أمَدَّه اللَّه عَزَّ وجَلَّ بسَيَلانِ ذِهنٍ وصَفاءِ قَريحةٍ، وليَكونَ النَّحوُ مُمهِّدًا له، ومُعِينًا عَلى مَعرِفةِ مَباحِثِه ومَسائِلِه.
وقد عُنِيَ بعِلمِ التَّصريفِ العُلَماءُ في القَديمِ والحَديثِ، فأفرَدوا له الكُتُبَ، وبوَّبوا له الأبوابَ في كُتُبِ النَّحوِ، ولِما لهَذا العِلمِ مِن شَرَفٍ وفَضلٍ عَلى سائِرِ عُلومِ العَرَبيَّةِ، فقد حاوَلْنا -قَدْرَ الجُهدِ والطَّاقةِ- إحصاءَ العِلمِ واستيفاءَه، وفَتْحَ مُستَغلَقِه، وتَذليلَ صَعبِه، وتَيسيرَ عَسيرِه، وإخراجَه مِن تِلكَ الزَّاويةِ الَّتي نَظَرَ إلَيه مِنها الدَّارِسون عَلى أنَّه عِلمٌ عَصِيٌّ عَلى الأفهامِ؛ لتَكونَ المَوسوعةُ الصَّرفيَّةُ مُلِمَّةً بالمَسائِلِ والتَّفريعاتِ، مُيسَّرةً في الأُسلوبِ وطَريقةِ العَرْضِ، نائِينَ عَنِ الأقوالِ الشَّاذَّةِ، ولُغاتِ العَرَبِ النَّادِرةِ، ومَسائِلَ تَغَوَّلَ فيها الصَّرْفيُّونَ في القياسِ، بحَيثُ تَأتي المَوسوعةُ ذاتَ فائِدةٍ للمُتَخَصِّصينَ، وقَريبةَ التَّناوُلِ مِنَ المُبتَدِئينَ في العِلمِ، مُعتَمِدينَ عَلى المَصادِرِ والمَراجِعِ المَوثوقةِ والمُعتَرَفِ لأصحابِها بالرِّيادةِ في العِلمِ، وأهم تلك المراجع والمصادر: "كتاب" سيبويه، وكتاب "التصريف" للمازني، وشرحه لابن جني في كتاب "المنصف"، و"الخصائص"، و"سر الصناعة"؛ لابن جني، و"الملوكي" لابن جني، وشرحه لابن يعيش، و"المفصل" للزمحشري، وشرحه لابن يعيش، و"شافية ابن الحاجب" في التصريف، وشروحها للرضي الإستراباذي، والجاربردي، وكتاب "الممتع الكبير في التصريف" لابن عصفور، و"إيجاز التعريف في علم التصريف"؛ لابن مالك، وألفيته وشروحها، وعلى رأس تلك الشروح: "المقاصد الشافية" للشاطبي، و"توضيح المقاصد والمسالك" للمرادي، و"أوضح المسالك" لابن هشام، و"شرح التصريح" للأزهري، وكتاب "التسهيل" لابن مالك، وشروحه: لابن مالك نفسه، ولابن عقيل، ولابن ناظر الجيش، ولأبي حيان الأندلسي، وكتابه "ارتشاف الضرب من لسان العرب"، و"شرح التصريف" للثمانيني.

انظر أيضا: