موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الثَّاني: جُذورُ الشِّعرِ النَّبَطيِّ


هذا اللَّونُ من الشِّعر العامِّيِّ البَدَويِّ قديم فقد ذكَرَه ابنُ خَلدونَ (ت: 808هـ)، ثمَّ قال: (وأساليبُ الشِّعرِ وفُنونُه موجودةٌ في أشعارِهم هذه ما عدا حَرَكاتِ الإعرابِ في أواخِرِ الكَلِمِ؛ فإنَّ غالِبَ كَلِماتِهم موقوفةُ الآخِرِ، ويتميَّزَ عِندَهم الفاعِلُ من المفعولِ، والمبتدَأُ من الخَبَرِ بقرائِنِ الكلامِ لا بحَركاتِ الإعرابِ...» ثمَّ ذكَر ابنُ خَلدونَ نماذِجَ من هذا الشِّعرِ، قال: فمِن أشعارِهم على لسانِ الشَّريفِ بنِ هاشِمٍ يبكي الجازيةَ بنتَ سَرحانَ، ويذكُرُ ظَعْنَها مع قَومِها إلى المَغرِبِ:
قال الشَّريفُ ابنُ هاشِمٍ عَلِي
تَرَى كَبِدي حرَّى شَكَت مِن زَفيرِها
يَغِزُّ للإعلامِ أينَ ما رأت خاطِري
يَرُدُّ غُلامُ البَدوِ يَلوي عَصيرَها
وماذا شَكاةُ الرُّوحِ ممَّا طرا لها
عداة وزائغ تلف اللهُ خبيرها
يحسُّ إن قُطَّاع عامِر ضميرها
طوى وهند جافي ذكيرها
وعادت كما خوَّارة في يَدِ غاسِل
على مِثلِ شَوكِ الطَّلحِ عَقَدوا يسيرَها
تجابَذوها اثنَينِ والنَّزعُ بينهم
على شَوكِ لعه والبقايا جريرها
وباتت دُموعُ العينِ ذارفاتٍ لشأنِها
شبيه دوَّار السَّواني يُديرُها
تدارَك منها النَّجمُ حَذِرًا وزادها
مرون يجي متراكبًا من صبيرِها
يصبُّ من القيعانِ من جانبِ الصَّفا
عيونُ ولجاز البَرق في غزيرِها
هذا الغِنى حتى تسابَيت غزوة
ناضت من بغدادَ حتَّى فقيرِها
ونادى المنادي بالرَّحيل وشدُّوا
وعرَّج عاريها على مُستعيرِها
وشدَّ لها الأدهَمُ ديابُ بنُ غانمٍ
على أيدينِ ماضي وليد مُقرب مِيرها
وقال لهم حَسَنُ بنُ سَرحانَ غَرِّبوا
وسوقوا النُّجوعَ إن كان أنا هو غفيرها
ويركضُ وبيَدِه شهامه بالتَّسامُحِ
وباليميِن لا يجدوا في مُغيرها
غدرني زيان السيح من عابسٍ
وما كان يرضى زينُ حِمْير وميرها
غدرني وهو زعمًا صديقي وصاحبي
وأنا ليه ما من درقتي ما يديرها
ورجع يقول لهم بلالُ بنُ هاشِمٍ
بحرُ البلادِ العَطْشى ما بخيرها
حرامٌ عَلَيَّ بابُ بغدادَ وأرضُها
داخل ولا عائد ركيزه من نعيرها
تصدف روحي عن بلادِ ابنِ هاشِمٍ
على الشَّمس أو حولَ الغظامن هجيرها
وباتت نيرانُ العذارى قوادِح
بلوذ وبجُرجان يشدوا أسيرها [919] ((تاريخ ابن خلدون)) (1/ 806- 808). .
وقد ذكر ابنُ خَلدونَ نماذِجَ أُخرى مختَلِفةَ المناسَباتِ والنِّسبةِ، بشَكلٍ يؤكِّدُ وجودَ ذلك النَّمَطِ الشِّعريِّ في تلك الحُقبةِ.

انظر أيضا: